تركيا وفرنسا ثنائي جديد

ناصر قنديل

– يحظى اللقاء الذي سيجمع الرئيسين التركي رجب أردوغان والفرنسي مانويل ماكرون بفرصة تشكيل ثنائي دولي إقليمي يلبي تطلعات الدولتين، بعد مخاض طويل لسياسات كل منهما في التعامل مع أزمات وحروب كثيرة كانت خلالها لعقود طويلة ضمن المعسكر الذي تقوده واشنطن، باستثناء الموقف الرافض للمشاركة في الحرب الأميركية على العراق الذي تشاركت فيه فرنسا وتركيا أيضاً. وهما اليوم في موقع سياسي يزداد خصوصية في عدم استطاعته مجاراة السياسات الأميركية، وعدم قدرته على إنجاز انتقال معاكس للتموضع ضمن حلف مقابل هو الحلف الذي تقوده موسكو وطهران.

– لا تزال فرنسا وتركيا تنتميان، من حيث الموقع من الصراعات والنظرة للمصالح إلى الموقع نفسه الذي ينتمي إليه حلفاء الأمس الذين تقودهم واشنطن، سواء في القلق من نمو الدورين الروسي والإيراني، أو في الرغبة بعرقلة نصر سوري ناجز، أو في السعي لإضعاف حركات المقاومة والمحور المتنامي لقوتها في المنطقة، لكنْ فرنسا وتركيا الواقفتان على خط التماس الأول في خنادق الاشتباك في المنطقة، تتلقيان نتائج اشتعال النيران فيها قبل واشنطن، وتتأثران بقوة بالتداعيات الناجمة عنها، وعن كل اختلال في موازين القوى، ولا تستطيعان تجاهل التغييرات الجارية على مرمى حجر من كل منهما، سواء بتحديات خطر الإرهاب أو موجات النزوح أو تقدّم محور المقاومة ونمو الدورين الروسي والإيراني.

– مرة تلو مرة تظهر كل من فرنسا وتركيا منفردتين رغبة بالتميز عن الموقف الأميركي، والشواهد كثيرة، سواء في التعامل مع الحرب في سورية أو في الملف النووي الإيراني، وخصوصاً في ملف القدس، وهذه الرغبة المحكومة بالسعي الدائم لعدم إغضاب واشنطن وبمحاولات التلاعب في العلاقات مع موسكو وطهران، لا تستطيع البقاء في حال بهلوانية تفقد الصدقية وتدفع بأصحابها إلى خسارة الثقة الأميركية التي لا تتسامح مع الذين يشقون عصا الطاعة، من دون النجاح في كسب ثقة موسكو وطهران، اللتين لا تستطيعان البناء على الأقوال فقط، فيما الأفعال تكذّبها، أو على بعض الأقوال فيما بعضها الآخر ينفيها.

– تسعى تركيا وفرنسا لبلورة ثنائي الوسط في قضايا الصراع بين واشنطن وحلفائها من جهة، ومحور موسكو طهران من جهة مقابلة، وتبدو صورة الاستراتيجية التي يسعى إليها الثنائي التركي الفرنسي تتبلور تدريجياً بصفتها، دعوة لحل سياسي في سورية خارج الرؤية الروسية، من دون التصادم معها، ودعوة للتمسك بالتفاهم النووي مع إيران، وحصر الخلاف مع طهران بالدور الإيراني في دول المنطقة، وإعلان تمسك بالسعي لإحياء العملية السياسية بين الفلسطينيين و»الإسرائيليين»، خارج المواقف الأميركية التي تخرّب فرص التفاوض كلها، خارج دعوات طهران وقوى المقاومة إلى اعتماد خيار المواجهة مع السياسات الأميركية «الإسرائيلية».

– تركيا التي لم تجد لها مقعداً في الاتحاد الأوروبي تكتشف أنها قادرة على نسج تحالف سياسي جدي مع أوروبا نابع من الوضع المتشابه لموقعها ومصالحها مع السياسات الأوروبية التي تمثلها فرنسا أفضل تمثيل، وفرنسا التي ورثت السيطرة العثمانية في المنطقة وتتشارك مع أنقرة بالحنين الاستعماري للهيمنة على دولها، تكتشف أنها وتركيا ربما تحجزان لهما مقعداً فاعلاً في سياسات المنطقة من خلال تحالف مبني على السايسة الواقعية والمصالح الحقيقية بعيداً عن الأحلام والأوهام، وبقدر من الاستقلال بدلاً من تبعية عمياء لواشنطن لم تجلب إلا ضمور الدور والتعرّض للأخطار.

اترك تعليقاً

Back to top button