لسان حال بهيّة: مَن قتل رفيق؟
محمد حميّة
مرَّ خبر القرار الاتهامي الصادر عن قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبوغيدا بمحاولة «الموساد» «الاسرائيلي» اغتيال النائب بهيّة الحريري الأسبوع الماضي مرور الكرام عند فريق 8 آذار، على رغم ما عاناه هذا الفريق من اتهامات سياسية قاسية ومؤذية طاولت العديد من رموزه طيلة عقدٍ من الزمن في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وشخصيات في 14 آذار آنذاك، ورغم ما كان سيحدثه هذا الاغتيال إن حصل من فتنة داخلية تضع البلاد في مكانٍ آخر شبيه بمرحلة اغتيال الحريري الأب.
وعلى غير ما درجت العادة لم يجِد فريق 14 آذار ورعاته الخارجيون مساحة سياسية وإعلامية لهذا الخبر الخطير لا على وسائل إعلامه وشاشاته الناطقة باسم «الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان»، ولا في بيانات كتله النيابية والحزبية، رغم أن المستهدَف بالاغتيال هي شقيقة الرئيس رفيق الحريري وما تمثله من رمزية معنوية كبيرة على مستوى عائلة الحريري ومن ثقلٍ سياسي على مستوى تيار المستقبل والطائفة السنية في لبنان. وهو الفريق نفسه الذي يسارع الى الاستغلال السياسي لأي محاولة اغتيال أو اغتيال ضد سورية وحزب الله قبل بدء التحقيق. وهذا ما حصل غداة اغتيال الحريري وعقب اغتيال الرئيس السابق لشعبة المعلومات العميد وسام الحسن وفي قضية الوزير السابق ميشال سماحة وغيرها. وهو ذاته الفريق الذي رفض مجرد الحديث عن اتهام «إسرائيل» بالاغتيال.
ووفق ما ورد في القرار الاتهامي، فإن المتهمين باغتيال النائب الحريري الموقوف محمد الضابط والمتواري وليد الناقوزي عميلان «إسرائيليان»، وأن الناقوزي حرّض الضابط على اغتيال الحريري بغية إحداث فتنة في الداخل اللبناني لضرب السلم الأهلي، وفق ما جاء في القرار وأن القبض على الضابط منعه من ارتكاب جريمته.
أن يمُر هذا الخبر وكأن شيئاً لم يكن عند الأطراف المحلية، فربما له حساباته وأسبابه السياسية والإعلامية في ظل الازمات المتلاحقة التي تضرب لبنان من جهة، ودواعي التحالفات والمصالح المستجدّة من جهة ثانية، لكن أن لا تحرك المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري ساكناً وأن لا تطلب اطلاعها على ملف التحقيق للبحث عن خيوط رفيعة تربط اغتيال النائب الحريري بقضية اغتيال شقيقها رفيق الحريري، فهذا يحمل علامات استفهام عدة!
فصَمت المحكمة عن معطىً قانوني وسياسي كهذا يفتح ملف المحكمة الدولية مجدداً على مصراعيه من بوابة الأخطاء المنهجية والقضائية والقانونية التي ارتبكتها منذ تشكيلها حتى الآن، والخطأ الأول الذي وقع فيه فريق التحقيق ثم المحكمة نفسها هو التركيز على فرضية واحدة وإهمال أخرى لا تقل في المنطق ولا في التحليل السياسي ولا في الأدلة أهمية عن فرضية اتهام سورية والضباط الأربعة وحزب الله.
وبحسب خبراء في القانون، فإن المنهجية المتبعة عادة في المحاكم الدولية هي أن يضع المحققون مجموعة من الفرضيات المحتملة ويبدأون بتتبع خيوط الجريمة للبحث عن أدلة بيّنة وقرائن لتثبيت إحداها ويصار لاحقاً الى تكوين عناصر الاتهام، أما المحققون في محكمة الحريري فعلوا العكس، فهم وضعوا احتمال سورية والضباط اللبنانيين الأربعة كفرضية واحدة وعملوا على فبركة الأدلة لتثبيت الاتهام والفرضية.
أما الهدف المقصود والمخطط مسبقاً من تتبع اتجاه واحد في التحقيق كان إغفال المحكمة فرضية اتهام «إسرائيل» بالاغتيال. ومن هذه النقطة بدأ انحراف المحكمة عن مسارها باتجاهات أخرى ليظهر لاحقاً أنها تحمل وظيفة سياسية أُريد لها أن تؤديها كأداة للفتنة وابتزاز حزب الله وسورية مناوبة.
ما تقدّم يطرح السؤال التالي: إذا كان الهدف من قتل الحريري الأب هو اغتياله سياسياً، كما ذكرت المحكمة في قراراتها الظنية التي استندت بدورها الى الظروف السياسية الداخلية والخارجية التي سبقت الاغتيال، ألا يُعَدُ احتجاز الرئيس الحريري الابن في المملكة السعودية محاولة اغتيال سياسي أيضاً؟ فهل يمكن اتهام المملكة على سبيل المثال أنها تخطط لاغتيال الحريري أمنياً؟ لا سيما أن محاولة اغتيال بهية الحريري بحسب التحقيقات، كانت ستتزامن أو ستلي احتجاز رئيس الحكومة ببضعة أيام، ما يفضح ويؤكد التنسيق الأمني والاستخباري والسياسي «الإسرائيلي» السعودي لاستحضار الفتنة وضرب الاستقرار الداخلي، وهو الهدف نفسه الذي اشتُغِل عليه بعد اغتيال الحريري الأب، وما يؤكد أيضاً أن عائلة الحريري، أشخاصاً وسياسة، مستهدفة «إسرائيلياً» ايضاً…
ما تقدّم يفتح الباب واسعاً أمام فرضية وجود تنسيق أمني – استخباري وسياسي «إسرائيلي» – سعودي في جريمة اغتيال رفيق الحريري! لا سيما أن أدلة عدة كُشف النقاب عنها تعزز هذا الاحتمال! ويكفي التذكير بمجموعة القرائن الأمنية التي قدّمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مؤتمر صحافي عام 2010 المتصلة بضلوع «إسرائيل» بالاغتيال.
ألا يستدعي ذلك من المحكمة الدولية إعادة النظر في المنهجية القضائية التي تتبعها ووضع «إسرائيل» كفرضية الى جانب الفرضية الأخرى والبحث عن القرائن الموجودة والخفية في هذا الاتجاه؟
على الرغم من التعمية الإعلامية على محاولة الاغتيال «الإسرائيلية» للنائب الحريري، فإن صداها تردّد بقوة في دار «العائلة» في ضوء النقاشات التي دارت قبل «الشيخ سعد» من المعتقل السعودي وبعد تحريره وما تبعها من جلسات تقييم للمرحلة التي رافقت وجوده في السعودية بحسب مطلعين، ما دفع لسان الأخت والعمّة والأم أثناء اطلاعها على ملف اغتيالها الى توجيه أسئلة كثيرة في مجالس وغرف «العائلة» المغلقة لعل أبرزها وأكثرها معنىٍ تتعلّق بالجهة التي خططت ونفذت الاغتيال وكأن لسان حالها تسأل: مَن قتل أخي رفيق؟
لا شك في أن المحاولة «الإسرائيلية» لقتل بهية الحريري سيُعيد النقاش الى المربع الأول حول جدوى المحكمة الدولية بعد عقد ونيف على تأسيسها من دون توصلها لأي نتيجة، كما سيفتح الجدال حول تمويل الدولة اللبنانية للمحكمة بنسبة 49 في المئة سنوياً من تكالفيها؟ كما يطرح السؤال عن سبب تمرير فريق 8 آذار ورئيس الجمهورية ميشال عون في الحكومة بند التجديد والتمويل للمحكمة في الموازنة وهم الذين وصفوها بأنها أداة للفتنة وتطلب رأس المقاومة؟ فهل يموّلون محكمة تنشر الفتنة وتقطع رأس المقاومة؟ وهل سيجدّدون لها عملاً وتمويلاً في موازنة الـ2018؟