اليمنيون يُسقطون الطائرات السعودية.. ماذا يعني هذا التحوّل؟

روزانا رمّال

ينشط المسؤولون الأميركيون في الغرف الأمنية الإقليمية للتساؤل عن مصير طائرات اشترتها الرياض من واشنطن وتعرّضت لاستهداف من انصار الله في اليمن من دون أن تفلح الأنظمة الحديثة المدعومة بالتكنولوجيا الذكية بصدّ هجمات صواريخ امتلكها الحوثيون وأثبتت فعاليتها وهي بحدّ ذاتها نقلة نوعية للحرب اليمنية باتجاه أسئلة وأجوبة باتت تشكّل معضلة حقيقية للأطراف المعنية: إذ ماذا يعني ان يمتلك الحوثيون في الوقت الحرج، وهو وقت متأخر من عمر الحرب هذه الصواريخ القادرة على إسقاط طائرات مقاتلة أميركية الصنع؟ وماذا يعني ان لا تبدو مظاهر الإنهاك على الفصائل المسلحة الشعبية والحوثية وغيرها في وقت كان متوقعاً أن تعلن استسلامها قبل وقت طويل من اليوم؟

تجدّد القوة الحوثية زخمها وترسل رسائل متعددة الاتجاهات أولها أنها مستعدة لاستمرار القتال في وقت صار عبء الصواريخ البالستية الذي يطال الرياض أكبر من أن يتمّ تجاهله وبغض النظر عن مستوى الإصابة او الخسائر، فإنه من دون شك قلق بالغنى عن التعايش معه الى ما لا نهاية. ولهذا السبب صارت معادلة الحرب بين خسائر من لا يملكون شيئاً وبين أولئك الذين يعتمدون على الاستثمارات كالدول الخليجية معادلة أصعب وأكثر دقة، خصوصاً أن خطة الامير محمد بن سلمان للسنوات المقبلة هي تنموية بحتة تتطلب الاستقرار الأمني غير الوارد بهذه الظروف.

رسالة أخرى من نوع سياسي مباشر تؤكد أن الصواريخ التي وصلت الى أيدي الحوثيين هي نتاج دعم سياسي كبير من حلفاء قرّروا عدم التخلي عن حركة انصار الله حتى آخر الطريق، لكن اللافت ان إيران المتهمة الاولى بدعم الحوثيين، كما يصفها خصومها، توضع أمام المجهر في ظرف ملتبس تمر به بعض المدن الإيرانية في ما يتعلق بتظاهرات معيشية تمّ استغلال جزء منها للتصويب على المساعدات العسكرية والمالية لغزة ولبنان واليمن لتأتي الصواريخ في هذا الوقت رسالة من النظام الإيراني تفيد بأن شيئاً لن يثنينا عن تقديم السلاح للتيار الحوثي لاستكمال معركته وأن هذه التظاهرات المدعومة غربياً وخليجياً، كما تقول الأجهزة الأمنية الإيرانية لن تهدّد الاستراتيجية الإيرانية او تعيد خلط الأوراق بما يتعلق بالثوابت بالنسبة للنظام الإيراني الحالي الذي يجد في هذه المعارك التي يشارك فيها جزءاً لا يتجزأ من حماية الأمن الحيوي الإيراني وامتداده من مخططات تبدو اليوم اوضح بعد أن تم استخدام ورقة الشارع الإيراني. وهي ورقة حمراء بالنسبة للنظام، وكل مَن ينتمي لمدرسة الثورة الخمينية، وما يعنيه ذلك من بذل كل شيء للحفاظ عليها كعقيدة بالنسبة لعقلية المؤيدين لها.

تتكشف حقائق محاولة سعودية للعبث بالأمن الإيراني. هذا ما يؤكده الإيرانيون. واذا ما اضيفت الى ذلك رغبة الأمير محمد بن سلمان نقل المعركة إلى داخل إيران كما صرّح في إحدى مقابلاته، فإن هذا الخيار يعني انه واقع ضمن الاستراتيجية السعودية الأميركية التي تنوي النيل مما كان أصلا الاساس في تقوية مفاصل الحلف العسكرية وقوامه القتالية. والحديث عن ان النظام الإيراني هو السبب بدعم القوى المسلحة في لبنان وسورية وفلسطين والعراق واليمن هو الدافع الاساسي لأخذ قرار اختراق الشارع الإيراني.

بالعودة لرسالة إسقاط الطائرات المقاتلة السعودية في الأجواء اليمنية فهي تحمل في أحد ابعادها توجهاً بالتهديد الإيراني المباشر للحذر من العبث من الأمن الإيراني وشارعه وتوقيت هذه الحادثة لم يكن عبثياً في ظل ما تعيشه اليوم شوارع إيران التي تقول القوى المعنية فيها أنها اجتازت هذه الأزمة بشكل عادي، بالمقارنة مع تظاهرات 2009. من هنا فإن رسالة إيران للسعوديين والأميركيين و«الاسرائيليين» أتت من الأجواء اليمنية بشكل أعاد خلط كل الأوراق وصار من الصعب تخطي هذا الحدث او تجاهله لدى وضع الأوراق السعودية والأميركية على الطاولة وضمن المنطق نفسه يأتي كلام أميركي جديد عن ان ترامب ينوي المحافظة على الاتفاق النووي بعد سلسلة تصريحات معاكسة وتهديدات بنسفه. وهو ما يعكسه التراجع الأميركي مقابل الثبات الإيراني، بالرغم من كل ما تم تكريسه واستغلاله، ومن ضمنها رفع العقوبات التي طرحها ترامب في ذروة الاحتجاجات لجذب الشارع الإيراني والإيحاء بأنه يساند مطالبه المعيشية الاقتصادية.

رسالة إسقاط الطائرات السعودية المقاتلة ستحكم المرحلة المقبلة في الميدان اليمني، وبالنسبة للإيرانيين الذين استخدموا هذه الورقة بالوقت المناسب حتى ولو كان النفي سيد الموقف في تبنيهم لهذا النوع من المعونة السريعة للمقاتلين اليمنيين، فإنه تتبين ومن دون أدنى شك سهولة التواصل وبين مكوّنات المحور الواحد وإمكانية توجيه رسائل متعدّدة الأوجه في أكثر من ميدان واحد من أجل إيصال المطلوب فتكون الرسائل موجّهة على شكل توازن رادع لأي خيار أميركي ملتبس تجاه إيران.

بالمحصلة يؤكد الحوثيون أن المضي قدماً في المواجهة هو سيد الموقف طالما أن حلفاء السعودية لم يأخذوا المعركة نحو السياسة وطاولة المفاوضات بعد. وإذا كانت كل الأوراق قد تمّ كشفها اليوم فإن آخر ما يمكن للصواريخ التي صارت بحوزة اليمنيين القادرة على استهداف سلاح جو التحالف العربي التأكيد عليه هو الاستعداد للمزيد من التصعيد والمزيد من المفاجآت إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، طالما أن التنسيق السياسي والعسكري بين الحلف الواحد في أعلى مستوياته.

اترك تعليقاً

Back to top button