القرار الفلسطيني الكبير…
معن حمية
اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال اليهودي، لم يأت من دون مقدّمات، فهو من الأهداف الرئيسة للإدارات الأميركية المتعاقبة، وللوصول إلى هذا الهدف رعت اتفاق «أوسلو» وملحقاته، وعمليات التطبيع بين العدو اليهودي والعديد من الدول العربية، وأطلقت الربيع العربي الذي استهدف إسقاط الدول التي تدعم المقاومة الفلسطينية.
كما أنّ جانباً من التمهيد الأميركي للقرار المشؤوم تمثل باستغلال بدعة القرار الفلسطيني المستقلّ، بهدف استفراد أميركا بالفلسطينيين والمسّ بجوهر المقاومة الفلسطينية التي انطلقت حركة تحرير شعبية اجتذبت الى صفوفها الآلاف من أحرار الأمة والعالم لمقاومة الاحتلال اليهودي.
صحيح أنّ فلسطين كلّ فلسطين لأهلها الفلسطينيين، لكن لا أحد يستطيع أن ينزع المسألة الفلسطينية من الوجدان القومي الجمعي، أو أن يضع قيوداً على كلّ مَن يناصر فلسطين. لكن، أمام حجم الخطر الذي يتهدّد المسألة الفلسطينية، ويضعها على حافة التصفية، وبعد انكشاف تآمر معظم الدول العربية على فلسطين، فإنّ المطلوب خطوات فلسطينية استثنائية، وقرارات مصيرية، تسقط مسارات التفاوض وما نتج عنها وكلّ أشكال التنسيق الأمني مع العدو، وإعادة الاعتبار لخيار المقاومة الشاملة ضد الاحتلال والاستيطان والتهويد.
القرار الأميركي بشأن القدس على خطورته وعدوانيته، أعطى القوى الفلسطينية فرصة لتعيد ترتيب أوراقها وتنظيم صفوفها وتتوحّد تحت سقف برنامج نضالي يحقق هدف التحرير والعودة. ولقد كان مأمولاً أن يشكل انعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية منصة جامعة لكلّ القوى والفصائل للخروج بموقف موحّد يعبّر عنه بانطلاقة متجدّدة للمقاومة الفلسطينية، انطلاقة متحرّرة من القيود التفاوضية كلّها، ومتسلّحة بحقها المشروع لتحرير كلّ فلسطين من الاحتلال، غير أنّ تفويت هذه الفرصة يضاعف الخطر على المسألة القلسطينية.
لقد كشف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن فحوى «صفقة القرن»، واستفاض في الحديث عن السياسات الأميركية والاستعمارية التي تدعم الاحتلال الصهيوني، وعرض جرائم هذا الاحتلال بحق الفلسطينيين لا سيما الأطفال، وأشار إلى أنّ العدو أسقط «أوسلو»، وأعلن أن الولايات المتحدة لم تعد مقبولة وسيطاً، لكن كلّ هذه الاستفاضات لم ترقَ إلى ما هو مطلوب فلسطينياً، ألا وهو الوحدة الجامعة والمقاومة الشاملة.
وعليه فإنّ عدم اكتمال نصاب القوى الفلسطينية على منصة واحدة في هذا الظرف الصعب مخيّب للآمال، لكن هذا لا يمنع مواصلة الجهود لعقد لقاء جامع، يراعي انعقاده حضور الفصائل كافة من دون المرور على الرقيب الصهيوني. وهذه مسؤولية الجميع، وإذ كان عباس استعرض التحديات الكبرى التي تواجه المسألة الفلسطينية، فإنّ الوصول إلى قرار كبير بالمواجهة يتطلّب أن تكون الفصائل كافة مشاركة في اتخاذه، فهو قرار مصيري دونه تضحيات جسام.
أكثر من مئة دولة وقفت إلى جانب الفلسطينيين في مواجهة قرار دونالد ترامب، لكن هذه المواقف عرضة للتبدّل، بما فيها العديد من الدول العربية والإسلامية في حال عجز الفلسطينيون عن تحقيق وحدتهم وتعيد مقاومتهم من أجل تحرير القدس وكلّ فلسطين.
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي