مارد على قمة جبل الزيتون وقاسيون

صابرين دياب – فلسطين

هي المئوية الأولى للقائد العربي القدوة جمال عبد الناصر، تؤسّس لمئويات عديدة قادمة، يبقى فيها من صنّاع التاريخ، فهو التاريخ والمستقبل وسيبقى بيننا وأمامنا، ملهماً للأجيال.

مئة عام على حضور فاعل قيادي مبدع مناضل، وثابت على الثوابت، نصفها كان ارتحاله وليس رحيله، بعد أن انجز في القليل من الزمن، ما عجزت عنه آخرون في قرون.

بقيادته تمّ صدّ الاستهداف الرأسمالي الغربي ضدّ الأمة، بعد ثلاثة قرون من بدئه، فسنوات أبي خالد وقفت بوجه هذا الاستهداف، الذي يقوده الغرب وأدواته المتمثلة بالقوى الرجعية العربية.

كان الصدُّ ببناء المشروع الذي تمثل في بالنضال من أجل تحقيق وحدة العرب من المحيط إلى الخليج حباً وطواعية، وأعاد أفريقيا إلى الحاضنة العربية، ولجم آل سعود، وكان يصفهم في كلّ مؤامرة غادرة ينسجونها، وفي كلّ موقف خائن يتخذونه، بقوله: «هؤلاء عدوّ مطلق للعروبة»، ووضَع العرب في قيادة كتلة عدم الانحياز في باندونغ، مع قادة العالم الثالث الثائر حينها، شو إن لاي، تيتو، سوكارنو، جواهر لال نهرو، سيكوتوري، تشي جيفارا… هذه الكتلة التي بيَّنت انقسام العالم إلى تكتلات ثلاثة.

مشروع عبد الناصر القومي، حقق أوّل وحدة بين مصر وسورية، وقد شهدت سنوات الوحدة الثلاث 1958-1961، أدنى نسبة تدفق للمستوطنين إلى الكيان الصهيوني… وفي مؤتمر هرتسليا الصهيوني وفي مرات عدة حدّد الصهانية: «عدوّنا الأول هو القومية العربية».

الهجوم من قبل الأعداء على تاريخ عبد الناصر وإرثه لم يتوقف حتى اليوم، فهم أرادوا تشويه صورته، فهم يطيقون عملاقاً يحمل مشروعاً في العقل وفي القلب وفي الميدان، ويفني من أجل تجسيده الجسد…!

كان لا بدّ للقدس في هذه الظروف تحديداً ان تحيي ذكراه المئوية العطرة فوق أرضها وتحت سمائها، بيد ان إجراءات المحتلّ التعسّفية حالت دون ان نحييها بتوقيتها اليوم، فهذا المحتلّ الذي احترف البطش والوحشية والتنغيص، لا يزال يهاب اسم جمال عبد الناصر حتى بعد مرور 48 عاماً على غيابه، غير أنّ القدس عازمة على إحياء مئوية عبد الناصر في الأيام القليلة المقبلة حكماً وحتماً، انه أبو خالد وهي قدس الأقداس ومهجة الأرواح.

بعد مئة عام على حضوره وارتحاله، يتجدّد حضوره، وتتجدّد الضرورة للمشروع تماماً ومطلقاً في لحظة اشتداد الهجمة التي تستهدف دمشق وتستهدف البلاد العربية وتصفية القضية الفلسطينية.

يا أبا خالد… اليوم كما الأمس، أعداء في الخارج، أعداء في الداخل، أعداء تحت الجلد. وكيف لا نتذكر قول أبي فراس الحمداني:

سيذكرني قومي متى جدّ جدّهمُ

وفي الليلة الظلماء يُفتقدُ البدرُ

وهل ثمة ظلمةٍ أشدّ حِلْكة من هذه اللحظة!

ولكن، لسنا اليوم في موقف أو وقفة بكاء بعد الحريق، ها هي الغابة تُنبت الزهور والصنوبر، هي المقاومة، وتحديداً في لبنان، وفي سورية التي أسميتها بحق «قلب العروبة النابض»، تصدّ الغزاة وأدواتهم الإرهابيين المتطرفين، بل الخونة من خاصرتي وطننا الخائنتين الطابورين – القشرتين السياسية والثقافية…

وفي السباق الأشدّ حدَّةً وقساوة بين معسكر المقاومة ومعسكر الأعداء، نتفوّق يا أبا خالد، فنَم قرير العين يا حبيب القدس وبلاد العرب الكبيرة.

إننا أبناء القدس وكلّ فلسطين، فاعليات وشخصيات وطنية مقدسية ومن عموم أرض فلسطين، جرحى وذوو شهداء، نقسمُ بالأمة والوطن، اننا نراك واقفاً على قمة جبل قاسيون في دمشقنا الثابتة الصامدة، تصيح بالجند أن تقدّموا جنوباً إلى القدس، وشمالاً إلى إنطاكية، وشرقاً جنوبياً إلى الجزيرة العربية، تُلوِّح بيدك إلى هذا الاتجاه فتطوله، وإلى ذاك بسيفك الدمشقي فتطوله.

الأميركيون حاربوا مصر بالطائرة والدبابة والصاروخ والغواصة وبرغيف الخبز، وما حنت الرأس ولا تراجعت عن مبادئها، ولا عن مسيرتها، وكان البيت الأبيض والبنتاغون وقصر الاليزيه ومكتب مستر ايدين، يرغون ويزبدون ويغضبون ويحقدون ويعضّون راحاتهم وشفاههم السفلى، حينما يسمعون اسم مصر واسم جمال عبد الناصر، وها هم أبناء القدس وكلّ فلسطين، يسطّرون أعظم ملاحم التاريخ والجغرافيا بصمودهم وتجذرهم في قدس أقداسهم، وفي سائر أرجاء فلسطين المحتلة، يتحدون المستعمر الصهيوني ويتصدّون لمشاريع الخيانة التي لم تتوقف منذ مئة عام مضى، يتحدّون برباطة جأش ووعي وطني عظيم يتعاظم مع كلّ جيل فلسطيني جديد. نعدك يا أبا خالد الحبيب ألا نسقط راية الكفاح المشرّع، وأن نفوّت فرص تصفية قضيتنا الوطنية العادلة من قبل العدو وأوغاد العرب، هكذا علّمتنا، ونحن أحفادك البررة، نصون الأمانة ولا نتعب ولن نكلّ. واننا رغم نار الألم وبطش المحتلّ ووحشيته، صامدون ثابتون مقاومون حتى النصر.

أنت لم ولن ترحل يا ناصرنا، والمشروع لن يموت، ونحن على دربك ودرب قدسنا والعروبة الحقة سائرون…

اترك تعليقاً

Back to top button