سوتشي وجنيف بين عفرين وإدلب
ناصر قنديل
– كانت عند الدعوة الروسية لمؤتمر سوتشي بموازاة محادثات جنيف أهداف محدّدة، تتصل أوّلاً بعدم حصرية مسار جنيف الذي يعني حصرية تمثيل المعارضة بوفد جماعة الرياض من جهة، وعدم حصرية مرجعية الرعاية الدولية بالشراكة الروسية الأميركية، بل جعلها واحدة من مرجعيات بينها مرجعية رعاة مسار أستانة وخصوصاً الشراكة التركيّة الإيرانية لروسيا، من جهة مقابلة، وعلى الصعيد السياسي كانت هناك المسافة الفاصلة بين سقف جنيف المبهم والغامض وفقاً لخطابات المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا، وسقف سوتشي المحدّد بالانتخابات والدستور، وإخراج مستقبل الرئاسة السورية عن طاولة التفاوض.
– اللافت كان أنّ المعارضة لسوتشي لم تكن أميركية بقدر ما كانت تركية، رغم أن سوتشي يمنح تركيا دوراً في الرعاية لا تملكه في جنيف، ويحرم واشنطن دوراً تحظى به في جنيف ولا يعوّضها عنه في سوتشي، ومعلوم أنّ السبب يعود لكون سوتشي يلحظ ما يعوّض الأميركيين أكثر وهو تمثيل الأكراد، بمثل ما يغيظ الأتراك بهذه الدعوة، وبالقدر ذاته كان ستيفان دي ميستورا يعارض سوتشي ويقاتل لاستبعاده ليس دفاعاً عن دوره الحصري فقط بل لفرض سقف سياسي للحوار يترك الباب مفتوحاً للعبث بمستقبل سورية، وذلك ترجمة لتوجيهات ومصالح سعودية حرص دي ميستورا على حمايتها، وكانت جماعة الرياض تفعل الشيء نفسه تفادياً لخسارة هامش المناورة الذي يمثله بقاء مستقبل الرئاسة السورية فوق الطاولة.
– يمكن القول بعد معارك إدلب إنّ تركيا تلقت الصفعة الروسية السورية الإيرانية، التي جعلتها تنفتح على خيار سوتشي، مقترحة المقايضة تحت شعار إدلب مقابل سوتشي، لكن دون أن تلقى آذاناً صاغية، طالما عرضها يحمي معقل النصرة من جهة ويستبعد الأكراد من جهة أخرى، فجاءت الصفعة الأميركية تكمل الصفعة الروسية، بالإعلان عن جيش حدودي بقيادة كردية ودعم أميركي. ورغم الإعلان الروسي المسارع للتنديد بالهدف الأميركي كان لافتاً أن يكون التوقيت متزامناً مع الجدل حول سوتشي ودور كلّ من الأكراد والأتراك، لتدور جملة من الفرضيات حول مستقبل مدينة عفرين وسيطرة الأكراد عليها وتهديد الأتراك بدخولها، تكاد تنتهي بإعلان منطقة خفض توتر جديدة في عفرين، أو خروج سلمي كردي منها ودخول تركي رمزي إليها، وتصير عفرين بدلاً من إدلب، بالنسبة لتركيا، وسوتشي بشراكة كردية بدلاً من عفرين، بالنسبة للأكراد.
– اللافت بالتزامن أن يعلن كلّ من دي ميستورا وجماعة الرياض مواقف توحي بتغييرات لمواقفهما من سوتشي، فدي ميستورا يوجه الدعوة لتشاور في فيينا لممثلي الحكومة والمعارضة ليناقش سوتشي يقول إن لا مشكلة مكان جنيف أو فيينا أو سوتشي، والمهم هي المحادثات والأمم المتحدة ستشارك على الأرجح وتشجّع على المشاركة. وفي المقابل تقول هيئة الرياض إنها تدرس المشاركة وإنها طلبت لقاء موفد روسي خاص للتباحث معه حول بعض التوضيحات قبل سوتشي.
– معادلة إدلب عفرين سوتشي تبدو سالكة، حتى لو أصرّ الجميع أن لا صلة بين أطراف هذا المثلث. ومن يسمع خطاب وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عن سورية ليل أمس، يعرف أنّ حجم ما تعرفه الخارجية الأميركية عن سياسات حكومتها في سورية يعيش في العموميات، ولا يتعدّى حدود ما تطلبه منها المخابرات العسكرية التي تتولى إدارة السياسة في البلدان التي يوجد فيها عسكريون أميركيون.