الحرب التركية الأميركية الكردية في عفرين… تسرّع إنجازات الجيش السوري في إدلب عضّ أصابع دستوري حول تمديد المهل وتعديل قانون الانتخاب… يُربك موقف الحريري
كتب المحرّر السياسي
بدت زيارة حكومة كردستان العراق إلى كلّ من بغداد وطهران والإعلانات المتلاحقة عن الإيجابيات، بالتزامن مع التفاهم على تثبيت إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية في موعدها، وترجيح تعاون كردي مع رئيس الحكومة العراقية يفتح له باب العودة لرئاسة الحكومة، نهاية لمرحلة من المخاطر افتتحها الاستفتاء على الانفصال قبل شهور، وجاءت تراجعات حكومة أربيل وقراءتها موازين القوى من جهة، وترجمتها تلك القراءة بعدم الوقوع في إغراءات فتح الحدود أمام الجماعات المتورّطة في أعمال التخريب داخل إيران أثناء الأحداث الأخيرة، بصورة أسّست للتطبيع الذي حملته زيارة حكومة أربيل إلى طهران والإشادة التي لقيتها مواقفها الرافضة لأيّ عبث بأمن الجوار.
بالتوازي مع العقلانية الكردية عراقياً، والنجاح الإيراني في إعادة بناء الجسور مع كردستان، تبدو العلاقات الكردية التركية من بوابة عفرين في ذروة التصعيد، وأمام مخاطر لم تظهر بعد أحجامها، في ظلّ غياب أيّ أفق لحلول سياسية أو وساطات يمكن أن تجد لها تأثيراً يمنع الانفجار الذي تبدو ملامحه في الأفق.
الرئيس التركي رجب أردوغان ورئيس حكومته يتحدثان عن حرب لا رجعة فيها بأقلّ من إقامة حزام أمني داخل سورية بعمق ثلاثين كيلومتراً، وسورية تعتبر بلسان الرئيس بشار الأسد ما تقوم به تركيا عدواناً على سيادتها، وروسيا وأميركا اللاعبان الدوليان الحاسمان اللذان تربطهما علاقات متفاوتة وغير عدائية بالفريقين الكردي والتركي، يكتفيان بالدعوة لضبط النفس، بينما دعت فرنسا إلى جلسة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الوضع في سورية يفترض عقدها اليوم في ضوء أحداث عفرين وجوارها.
الوضع الميداني للمزيد من التصعيد مع تواصل أعمال القصف التركي على عفرين براً وجواً، والإعلان عن زجّ وحدات برية لكوماندوس تركي وجماعات سورية معارضة تابعة لتركيا، وعشرات الدبابات التركية، مقابل نفي المصادر الكردية حدوث أيّ اختراق بري لمواقعها، فيما توحي الحشود العسكرية والخطاب السياسي المتبادلين أنّ التصعيد لا يزال في البدايات، بينما بدا أنّ تركيز الجيش السوري وحلفائه يطال الإسراع بتحقيق المزيد من الإنجازات في جبهة إدلب بعدما فتحت السيطرة على مطار أبو الضهور والقرى والبلدات المحيطة به الطريق نحو أوتوستراد حماة إدلب، سواء في معرة النعمان أو سراقب وصولاً إلى خان شيخون وحيث تبدو الجماعات المسلحة في وضع يزداد سوءاً وهي تسحب وحداتها نحو جبهة عفرين تنفيذاً لأوامر تركية، بينما توقعت مصادر عسكرية أن يكون فك الحصار عن كفريا والفوعة من ثمار الحملة العسكرية للجيش السوري في ظلال معارك عفرين.
لبنانياً، يزداد الغموض حول كيفية حلّ الخلافات حول تمديد مهل تسجيل الناخبين المغتربين، ومدى إمكانية التوصل لتفاهم لا يحتاج تعديلاً لقانون الانتخاب في ظلّ رفض رئيس المجلس النيابي إدخال أيّ تعديل والدعوة لأيّ جلسة بهذا الغرض حتى لو تمّ فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، بينما يحذّر التيار الوطني الحر من خطر الطعن بالانتخابات برمّتها ما لم يتمّ تعديل القانون لجهة تأكيد عدم اعتماد البطاقة الممغنطة، وفقاً لقراءته للمادة 84 بصورة مخالفة لقراءة رئيس المجلس النيابي التي ترى التعديل واجباً في حال اعتماد البطاقة الممغنطة، ووسط هذا التجاذب الدستوري والقراءات المتباينة للنصوص يرتبك موقف رئيس الحكومة الذي يتصرف بخلفية السعي لحلول وسط لا تبدو متاحة، مثلها مثل الوضوح في موعد جلسة اللجنة الوزارية الخاصة بالإصلاحات في قانون الانتخاب المفترض انعقادها اليوم، والتي لم تتلقّ حتى منتصف الليل أيّ إشارة لدعوتها ولموعد انعقادها.
الحريري: لن أحمُل مسؤولية إطاحة الإصلاحات…
في حين أقفل الأسبوع الماضي أحداثه الداخلية على إنجازات أمنية نوعية سجلتها الأجهزة الرسمية في مواجهة العدو «الاسرائيلي» والإرهاب، سيطرت حالة من الاسترخاء السياسي في الفرصة الأسبوعية، على أن تعود القوى السياسية اليوم من استراحة المحارب الى حلبة الصراع حول الملفات الساخنة وعلى رأسها مشروع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تعديل مهلة تسجيل المغتربين، حيث من المتوقع أن تجتمع اليوم اللجنة الوزارية المكلفة استكمال تطبيق قانون الانتخاب في السراي الحكومي.
غير أن مصادر السراي الحكومي وحتى وقتٍ متأخر من ليل أمس، لم تؤكد انعقاد الجلسة، بانتظار الاتصالات التي يجريها رئيس الحكومة سعد الحريري مع الأطراف المعنية لتأمين التوافق السياسي على عقدها، كما قالت لـ «البناء»، رغم إعلان وزير المال علي حسن خليل الجمعة الماضي أنه سيحضر الاجتماع المقرر اليوم. لكن مصادر وزارية توقعت أن تفشل اللجنة إن اجتمعت اليوم في التوافق حول اقتراح الوزير جبران باسيل حول تمديد مهلة تسجيل المغتربين بعد أن سقط الاقتراح في جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي، في ظل بقاء المواقف على حالها، ويبدو أن التيار الوطني الحر مصرٌ على إعادة طرح مشروعه في مجلس الوزراء إن لم يتم تمريره في اللجنة الوزارية، غير أن المجلس لن ينعقد هذا الأسبوع بسبب سفر رئيس الحكومة سعد الحريري غداً الى دافوس السويسرية، للمشاركة في جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي يرافقه وزير الخارجية، ما يعني تمديد الخلاف الى ما بعد عودتهما الى بيروت. الأمر الذي سيستنفد المزيد من الوقت ويجعل التمديد شبه مستحيل مع اقتراب موعد دعوة الهيئات الناخبة في 5 شباط المقبل والبدء بإعداد لوائح الشطب.
لكن بحسب مطلعين، فإن «الرئيس الحريري يدرك صعوبة تنفيذ الإصلاحات التي ينادي بها باسيل، خصوصاً في ظل الخلاف السياسي حيالها، لكنه يريد مسايرة باسيل والرئيس ميشال عون، كما لن يتحمل مسؤولية إطاحة الإصلاحات أمام الرأي العام ومن هذا المنطلق يقف في الوسط أمام الخلاف القائم ويسعى جهده لتأمين توافق سياسي حوله».
وأشار مرجع وزاري وأمني سابق ومطلع على ملف الانتخابات، لـ «البناء» الى أن «وزير الداخلية هو الجهة المخوّلة حسم الجدال القائم بين القوى السياسية حول تعديل المهل في قانون الانتخاب وتحديد قدرة وزارة الداخلية تقنياً على إنجاز التعديلات المطلوبة في القانون أم لا شرط أن لا يؤثر أي تعديلٍ على إجراء الانتخابات في موعدها». وأوضح المصدر أن «تعديل مهلة تسجيل المغتربين ممكن شرط أن لا يتضارب الوقت الذي يتطلبه إجراء هذا التعديل مع المهل المحددة في القانون لاجراء الانتخابات».
وأوضح المصدر أن «التسجيل النهائي للمغتربين يجب أن يسبق إعداد الداخلية لوائح الشطب للناخبين في لبنان، وبالتالي لا يجوز حصول أي تضارب بين اللوائح في الداخل والخارج، ما يعني أي تعديل على لوائح المغتربين أو إضافة أسماء جديدة على وزارة الداخلية شطب هذه الأسماء من لوائح الشطب في لبنان لتجنب التزوير».
وأيّد المصدر مخاوف رئيس المجلس النيابي نبيه بري من أن «أي تعديل سيجرّ الى تعديلات جديدة، إذ إن كل طرفٍ سياسي سيطالب بتعديلات وفق مصالحه الانتخابية، الأمر الذي يرهق وزارة الداخلية ويرتب عليها عملاً إدارياً وتقنياً إضافياً»، ولفت الى أن «إضافة تعديلات صعب تقنياً بسبب غياب التوافق السياسي حوله، ولو وُجِد هذا التوافق لأُنجِزت كافة التعديلات في القانون في غضون أيام قليلة».
واستبعد المصدر أن يستطيع «أي طرف داخلي تأجيل الانتخابات والتمديد للمجلس الحالي مرة رابعة، لأن ذلك سيحرّك الشارع في وجه السلطة ويؤدي الى الفوضى فضلاً عن فقدان ثقة المجتمع الدولي بلبنان عشية التحضير للمؤتمرات الدولية لدعم لبنان». وأشار الى أنه «لا يمكن تأجيل الانتخابات إلا بعملٍ أمني كبير كتفجيرات أو اغتيالات أمنية تقوم بها جهات خارجية لا مصلحة لها بإجراء الانتخابات»، ولفت الى أن «الأجهزة الأمنية تستطيع ضبط الامن خلال يوم الانتخابات في كافة المناطق اللبنانية»، لكنه أشار الى صعوبة ضبط عمليات أمنية كهذه مئة في المئة، لا سيما إذا حصلت في يوم الانتخابات أو قبلها بوقت قليل».
هل تُطِيح المادة 84 الانتخابات؟
وفي إطار المخاوف من تطيير الاستحقاق الانتخابي، وفي ظل تعدّد محاور الخلاف السياسي والدستوري الانتخابي الساخن بين بعبدا وعين التينة من جهة والأخيرة والرابية من جهة ثانية، عادت المادة 84 من قانون الانتخاب الى الواجهة. فبعد أن شكلت هذه المادة الذريعة القانونية والإصلاحية للتمديد الثالث لمدة أحد عشر شهراً، تتزايد المخاوف من أن تكون هي الحجة نفسها للتمديد للمجلس النيابي وإطاحة الانتخابات، إما لاستكمال تطبيقها لحماية العملية الانتخابية من الطعن أمام المجلس الدستوري وإما لإعداد الإجراءات القانونية والدستورية اللازمة لتعديلها في المجلس النيابي.
وتتحدّث المادة 84 في متن القانون أن «على الحكومة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين، بناء على اقتراح الوزير، اتخاذ الإجراءات الآيلة إلى اعتماد البطاقة الإلكترونية الممغنطة في العملية الانتخابية المقبلة، وأن تقترح على مجلس النواب التعديلات اللازمة على هذا القانون، التي يقتضيها اعتماد البطاقة الإلكترونية الممغنطة».
مصادر قانونية أوضحت لـ «البناء» أن «الخلاف الدائر اليوم بين الوزير جبران باسيل والرئيس نبيه بري يكمن في أن الأول يعتبر أن المادة 84 جاءت بصيغة الإلزام. الأمر الذي يفرض على مجلس الوزراء ومجلس النواب إقرار التعديلات اللازمة لاستخدام البطاقة الممغنطة، بيد أن الرئيس بري يرى أن المادة 94 الاستناد الى بطاقة الهوية أو جواز السفر جاءت كـ «احتياط» لعدم استخدام البطاقة البيومترية. رغم ذلك فإن القانون بحسب المصادر يؤكد ضرورة أن تضع الحكومة التعديلات وتقرّها وترسلها إلى المجلس النيابي الذي يفترض أن يدعو رئيسه الى جلسه لإقرار التعديلات. لكن المصادر نفسها، تخشى أن يتم الطعن بـ»صحة الانتخابات أمام ما ينقل عن الرئيس بري أنه غير مستعدّ لفتح باب المجلس لإجراء تعديلات».
بعبدا: مرسوم الأقدمية نافذ
ومن إشكالية «القانون» الى أزمة مرسوم الأقدمية، ففي حين قالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن «حل أزمة المرسوم مؤجل الى ما بعد الانتخابات النيابية وسط انسداد أفق الحل، واعتبار بعبدا أن الأمر منتهٍ والمرسوم نافذ»، لفت مستشار رئيس الجمهورية جان عزيز في تصريح الى أن «مرسوم الأقدمية قد أصبح نافذاً منذ لحظة توقيعه من قبل المعنيين دستورياً وحتى ولو لم ينشر في الجريدة الرسمية»، مشيراً الى أن «العالق هو مرسوم ترقيات كل القوى العسكرية اللبنانية نتيجة عدم توقيع وزير المال علي حسن خليل عليه»، ومضيفاً: «رئيس الجمهورية ميشال عون لم يطلب رأي هيئة الاستشارات بل وزير العدل سليم جريصاتي هو مَن طلبها». وأشار عزيز الى أن «المطلوب من هيئة الاستشارات كان أن تقول إذا كانت تترتب على مرسوم الأقدمية أعباء مالية أم لا وليس تفسير المادة 54»، مؤكداً أنه «وفي شهر آذار الماضي وفي الحكومة الحالية وقع وزير المال وقع مرسوم ترقية العميد سعد الله الحمد الى رتبة لواء بالاستناد الى مرسوم أقدمية غير موقع منه».
الملفات الحياتية تحاصر بيت الوسط
بيت الوسط العالق بين أزمات المراسيم والقوانين، تحاصره الملفات الحياتية من كل جانب على مسافة شهور قليلة من الانتخابات التي ستكون حاسمة لجهة عودة الرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة، حيث يعمل تيار المستقبل على الاستفادة من أي ملف «شعبوي» لاستقطاب الناخبين لا سيما في طرابلس.
وفيما وجّه أهالي الموقوفين الإسلاميين كلمة من رياض الصلح حملت رسالة انتخابية حازمة الى بيت الوسط، يطالبونه بالعفو العام عن أبنائهم، نفّذ الناجحون في مجلس الخدمة المدنية اعتصاماً في رياض الصلح معترضين على تقاعس المسؤولين عن إدراج مراسيم تعيينهم، وحاولوا التوجه إلى بيت الوسط للقاء الحريري، إلا أن القوى الامنية منعتهم وهددتهم باستعمال القوة، بحسب مصادر المعتصمين الذين علّقوا إضرابهم لاحقاً بعد الاتفاق مع المعنيين على لقاء رئيس الحكومة الأسبوع المقبل.
ولاحقاً أوضح الوزير باسيل في تصريح أن «عدم صدور مرسوم الفائزين بمباراة مجلس الخدمة المدنية ليس بسبب التوازن الطائفي ، بل لمرور مدة سنتين على المباراة من دون إصدار مرسوم فيها، تصبح نتيجة المباراة غير ملزمة». وأشار الى «أننا اتفقنا مع وزير الزراعة غازي زعيتر في جلسة الحكومة الأخيرة على أن عدد حراس الأحراج الذين سيتم تعيينهم يقتضي زيادة 39 مسيحياً، ويجب أن يكونوا من أبناء مناطقهم».
الى ذلك، تنفذ الثانويات والمدارس الرسمية بدعوة من لجنة المتعاقدين في التعليم الأساسي وحراك المتعاقدين الثانويين، إضرابا عاماً يوم غدٍ استنكاراً لقرار إجراء مباراة مفتوحة للمتعاقدين، بالتزامن مع الاعتصام المركزي امام وزارة التربية.
سفير لبنان في دمشق: سورية انتصرت
على صعيد آخر، وفي أول موقفٍ سياسي له منذ تعيينه، اعتبر السفير اللبناني في سورية سعد زخيا أن «الحرب على سورية كانت كبيرة وأثرت على جميع مناحي الحياة»، مؤكداً خلال لقائه وزير التعليم العالي السوري عاطف نداف أن «مخططات التقسيم فشلت وسورية صمدت وانتصرت وستعود افضل مما كانت عليه»، لافتاً إلى ضرورة مواصلة العمل والتعاون الدائم لإحياء العلاقات المشتركة بين البلدين على مختلف الصعد وبذل الجهود الحثيثة لتعزيزها وتمتينها».