العدوان التركي على عفرين… حلفاء أميركا يتقاتلون… وسورية تتفرّغ للقضاء على النصرة
حسن حردان
بعد طول انتظار تنفيذ تركيا تهديداتها المتتالية بضرب قوات الحماية الكردية في عفرين السورية القريبة من الحدود التركية، قرّر الرئيس التركي رجب أردوغان شنّ عدوان جديد على الأراضي السورية تحت ذريعة منع إقامة كيان كردي يحظى باستقلالية عن الدولة السورية، مما يشكّل تهديداً للأمن القومي التركي ووحدة تركيا، حيث سيؤدّي ذلك إلى نقل العدوى إلى أكراد تركيا الذين يشكّلون نسبة تفوق الـ 20 في المئة من سكان تركيا ويتركز وجودهم في جنوب شرق الأناضول المحاذية للحدود مع سورية والعراق ولديهم الحق المشروع في الحصول على حكم ذاتي. وهو أمر لا يملكه أكراد سورية لأنهم لا يشكلون أكثرية في المناطق التي يوجدون فيها في شمال سورية، في حين أنهم غير موجودين في مناطق متصلة خالصة كردياً كما هو حال الأناضول التركية وإقليم كردستان العراق.
ولوحظ أنّ توقيت العدوان التركي تزامن مع ثلاثة تطوّرات مهمة ولافتة في دلالاتها:
التطوّر الأول: إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن قرار بإنشاء قوات حرس حدود في شمال شرق سورية مكوّنة من 30 ألف عسكري معظمهم من قوات «قسد» الكردية التي بدأت إثر ذلك حملة لتجنيد الشباب في مناطق سيطرتها، في وقت عمدت فيه إلى إنشاء مؤسّسات كردية لإدارة هذه المناطق بديلاً عن مؤسّسات الدولة السورية في مؤشر على إصرار حزب الاتحاد الوطني الكردي وقوات «قسد» في المراهنة على الدعم الأميركي ولعب دور وظيفي في خدمة الاستراتيجية الأميركية في محاولة ابتزاز الدولة السورية وفرض الشروط السياسية عليها مقابل تسهيل إنجاز الحلّ السياسي وإنهاء الحرب. هذا الإعلان الأميركي اعتبرته تركيا خطراً عليها وإمعاناً أميركياً في تجاهل مصالحها وأمنها القومي. وطبعاً أعلنت سورية بأنّ كلّ مَن يتعاون مع قوات الاحتلال الأميركية سيعتبر خائناً وطنه وسيُعامَل على هذا الأساس.
التطوّر الثاني: رفض قوات الحماية الكردية، ممثلة بحزب الاتحاد الوطني، اقتراحاً روسياً سورياً بقبول نشر قوات من الجيش السوري في عفرين لتجنيبها العدوان التركي. لأنّ نشر القوات السورية يُبطل ذريعة أردوغان للقيام بالهجوم لوضع حدّ لما يعتبره خطر إقامة كيان كردي في شمال سورية ستكون عفرين جزءاً منه. وكان من نتيجة هذا الرفض الكردي إقدام روسيا على سحب شرطة الحراسة الروسية التي كانت موجودة في عفرين، مما اعتبر بمثابة رفع الغطاء الروسي عن أكراد عفرين.
التطوّر الثالث: تكلل المرحلة الأولى من عملية الجيش السوري وحلفائه في محور المقاومة بتحرير مطار أبو الضهور في ريف إدلب بعد تحرير 300 بلدة وقرية في مثلث أرياف إدلب وحماة وحلب من سيطرة تنظيم النصرة الإرهابي، وبدء المرحلة الثانية من عملية تحرير محافظة إدلب والقضاء على تنظيم النصرة والجماعات التي تدور في فلكها.
وكان واضحاً أنّ الدولة الوطنية السورية وحلفاءها يركّزون على أولوية حسم المعركة مع جبهة النصرة في المنطقة بعد أن جرى حسم المعركة مع تنظيم داعش الإرهابي في معاقله الأساسية في دير الزور والميادين والبوكمال والبادية، وأنه بعد الانتهاء من المعركة مع النصرة سوف يتمّ الاتجاه إلى استكمال تحرير واستعادة مدينة الرقة وبقية المناطق في شمال شرق سورية سلماً أو حرباً.
لقد حاولت الدولة السورية وحلفاؤها إعطاء فرصة لقوات الحماية الكردية للعودة إلى كنف الدولة السورية باعتبارها هي الضمانة لحفظ أمنهم وليس المحتلّ الأميركي الذي لن يحرّك ساكناً للدفاع عنهم في مواجهة الهجوم التركي. وهو يستخدمهم فقط لمحاولة تحقيق ما فشلت فيه داعش والنصرة، وما حصل مع مسعود البرزاني في شمال العراق لهو دليل على الخذلان الأميركي له وتركه يواجه الفشل بعد إعلان الاستفتاء. لكن قوات الحماية الكردية رفضت الاتّعاظ والتوقف عن المراهنة على الأميركي، لهذا كان من الطبيعي أن لا تقف الدولة السورية إلى جانب القوات الكردية التي ارتضت أن تبقى تراهن على الحماية الأميركية في مواجهة الهجوم التركي، وفي الوقت نفسه كان من المنطقي أيضاً أن تعلن الدولة السورية إدانتها للعدوان التركي الغاشم على أراضيها، ذلك أنّ تركيا لم تنسّق مسبقاً مع الدولة السورية وتطلب الإذن منها لدخول قوات من الجيش التركي، في وقت أنّ تركيا التي فشلت في تحقيق أهدافها من وراء دعم الإرهابيين لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد أو فرض جماعة الإخوان المسلمين كشريك في الحكومة السورية ومؤسّسات الدولة السورية، لا تزال تسعى لإقامة منطقة حزام أمني بعمق 30 كلم داخل الأراضي السورية، مما يؤكد أنّ النيات التركية أبعد من ضرب أكراد عفرين ومنعهم من إقامة كيان مستقلّ في جوار تركيا، وأنّ أردوغان يسعى في حال نجاحه في السيطرة على عفرين إلى توسيع سيطرة الجماعات الإرهابية الموالية له في شمال غرب سورية والالتفاف على هجوم الجيش السوري وحلفائه والإنجازات التي حققها في زمن قصير في مثلث أرياف إدلب، حلب، حماة، لا سيما أنّ أردوغان حاول من دون جدوى الضغط لوقف هذا التقدّم. لكنه واجه موقفاً حازماً من دمشق والعواصم الحليفة باعتبار أنّ النصرة والتنظيمات الإرهابية المتحالفة معها لا يشملها اتفاق خفض التصعيد الذي وقع في أستانة والذي لم تلتزم تركيا في تنفيذه.
من دون شك إنّ سورية وحلفاءها غير متضرّرين من القتال الدائر بين الجيش التركي والجماعات الموالية له من جهة، وقوات الحماية الكردية من جهة ثانية، فالطرفان حلفاء واشنطن ويعملان على الاستفادة من وجود الإرهابيين لتحقيق أهدافهم على حساب سيادة سورية واستقلالها. وسورية تستفيد من هذا التقاتل لناحيتين:
الناحية الأولى: سحب تركيا عدداً كبيراً من المسلحين التابعين لها من محافظة إدلب للقتال ضدّ قوات الحماية الكردية في عفرين، لأنها لا تريد أن ينخرط الجيش التركي مباشرة في القتال ويدفع خسائر كبيرة، خصوصاً أنّ المعركة مع الأكراد مختلفة كلياً عن المعركة مع داعش في بلدة الباب التي لم تشهد قتالاً حقيقياً من قبل داعش الذي سلّم البلدة للجيش التركي. فالأكراد سيقاتلون بشراسة ويملكون أسلحة نوعية ومضادات للدروع حصلوا عليها من الولايات المتحدة، ولهذا معركة تركيا في عفرين لن تكون نزهة. وهذا الأمر سوف يستفيد منه الجيش السوري والحلفاء لتسريع عملية الحسم مع النصرة في إدلب.
الناحية الثانية: إنّ استمرار الهجوم التركي واحتمال دخول الجيش التركي والمسلحين التابعين له إلى عفرين من دون أن تحرّك الولايات المتحدة ساكناً لمنع ذلك أو حماية أكراد عفرين، قد يدفع حزب الاتحاد الوطني الكردي إلى قبول انتشار الجيش السوري في عفرين لتجنّب دخول الجيش التركي إليها وارتكابه مجزرة بحق الأكراد فيها.