بعد مقاطعة حلفاء أميركا لسوتشي
حميدي العبدالله
القرار الذي اتخذته فصائل المعارضة المرتبطة بالولايات المتحدة وتركيا والسعودية بمقاطعة مؤتمر الحوار في سوتشي يؤكد أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها لن يسهّلوا الوصول إلى أيّ تسوية تنهي الحرب الدائرة في سورية، وهم يصرّون على تحقيق الأهداف والأجندة التي شنّوا الحرب على سورية من أجل تحقيقها، وهذه الأجندة باتت واضحة، وهي الاستيلاء على الدولة في سورية، ولعلّ الوثيقة التي أعدّتها الولايات المتحدة ووقعت عليها كلّ من فرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن تفصح عن الأهداف التي تسعى إليها الولايات المتحدة، وهي ذاتها الأهداف التي كانت معلنة منذ بداية الحرب. التغيير الوحيد الذي عكسته الوثيقة الخماسية، هو التراجع شكلياً عن مطلب تنحّي الرئيس الأسد، ولكن مقابل ذلك السعي للاستيلاء على الدولة السورية ووضعها برمّتها تحت الوصاية الغربية بذريعة إشراف الأمم المتحدة على الحلّ السياسي، وليس صدفةً أن يتزامن الإعلان عن هذه الوثيقة مع موعد انعقاد سوتشي، ومع إعلان المعارضة المرتبطة بالغرب مقاطعة مؤتمر الحوار الوطني.
السؤال المطروح الآن، ما هو ردّ روسيا وسورية وإيران على محاولات إفشال الحلّ السياسي ووضع شروط لحلّ الأزمة في سورية تريد أن تحقق بالسياسة ما عجزت عن تحقيقه في الحرب؟
واضح من الناحية العسكرية أنّ الردّ يكمن في اتجاهين، الاتجاه الأوّل الإسراع في الحسم العسكري ضدّ المواقع التي لا تزال تسيطر عليها الجماعات المسلحة، سواء كانت مصنفة إرهابية أم لا، طالما أنّ هذه الجماعات رفضت الحوار، ولم تسهّل الجهود المبذولة لإيجاد حلّ سياسي سلمي. الاتجاه الثاني تعريض القوات الأميركية التي تنتشر في مناطق سورية للمضايقة ورفع كلفة وجود هذه القوات، لأنه من دون ذلك لن تغيّر الولايات المتحدة مواقفها، ولن تتخذ مواقف مرنة وبناءة تسهّل الوصول إلى الحلّ السياسي المنشود.
على الصعيد السياسي، بات واضحاً أنّ تركيا وهي الشريك الثالث الضامن لمسار أستانة وسوتشي لم تبذل الجهد المطلوب منها لإنجاح هذا المسار، وهي لا تزال تناور لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة وابتزاز الدولة السورية وحلفائها، ولا بدّ من موقف حازم من هذه السياسة التركية، لا سيما أنّ أنقرة الآن تواجه مأزقاً كبيراً بعد غزوها لعفرين، كما لا بدّ من مواصلة العمل في مسار سوتشي بمن حضر، وعدم قبول ارتهان هذا المسار بأيّ جهة أو جماعة، طالما أنه يصعب الاستجابة لمطالب الولايات المتحدة وحلفائها، لأنّ الاستجابة لهذه المطالب يهدر التضحيات الهائلة التي قدّمها الجيش والشعب السوري وحلفاؤهما، وتقود إلى تقويض استقلال وسيادة سورية ووحدة أراضيها التي كانت منذ البداية أحد الخطوط الحمر التي لا يمكن المساومة عليها.