سوتشي: إطلاق مسار وليس إصداراً لقرار
ناصر قنديل
– يحاول البعض تصوير مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري كمجرد احتفالية تريدها روسيا لتأكيد مرجعيتها في الحل السياسي في سورية، أو كمحاولة روسية لتصنيع منصة سياسية تترجم تفوقها العسكري وتشاغب من خلالها على المسار الأممي الذي ينعقد عموماً في جنيف، كما يذهب كثيرون لاختصار سوتشي باستعراض قوة سياسي يقوم به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استباقاً للانتخابات الرئاسية الروسية كورقة انتخابية قوية توظف نتائج حربه على الإرهاب وما قدّمه تحت عنوان شراكة روسيا في هذه الحرب وكانت محور انتقاد خصومه في روسيا ليقول لهم إليكم ما هي حصيلة هذا الدور في السياسة وليس في الميدان فقط، ولذلك يظن هؤلاء أن مقاطعة منصة الرياض للمعارضة هي حرمان لروسيا ولرئيسها مما رسموه لهذا المؤتمر والمكانة التي أرادوها لها في كل هذه العناوين.
– ليس قضيتنا أن نناقش هذه الفرضيات ونفيها، بقدر ما هي مناقشة الموقع الحقيقي لسوتشي في سياق الحرب السورية والتأسيس للحل السياسي في سورية، من دون أن يكون محرّماً على روسيا كدولة قائدة في هذين المسارين السياسي والعسكري أن تجني بعضاً من عائدات دورها. فالقضية هي ببساطة هل يخدم سوتشي طريق نهاية الحرب والأزمة في سورية؟ وهل يخدم مقاطعوه بالمقابل مسعى آخر للحرب والأزمة؟ وما هي طبيعته؟
– الأكيد أنه لولا المداخلة العسكرية الروسية في سورية لما خرجت الحرب في سورية من دائرة حرب الاستنزاف التي فرضها الحلف الذي تقوده واشنطن وكانت تجنّد له مقدرات تركيا والسعودية و«إسرائيل» وأوروبا بقيادة أميركية، وشاركت فيه القاعدة وداعش معاً تحت إطار هذه الرعاية، وأن هذه المداخلة الروسية فرضت مساراً جديداً للحرب وضع انتصار الجيش السوري وحلفائه عسكرياً خياراً بديلاً، وقدّم الحل السياسي مساراً بديلاً لهذا الانتصار في محطات مختلفة يعرضها الروس على المتورّطين في الحرب باستثناء القاعدة وداعش، حيث لم تتوقف روسيا عن تقديم العروض لواشنطن ومَن قاتل تحت رايتها للتموضع تحت راية الشراكة في الحرب على الإرهاب والسير بحل سياسي بين المختلفين في الحلف المفترض للمشاركين في هذه الحرب. وكثيراً ما تعرّضت روسيا لانتقادات من حلفائها في سورية وإيران والمقاومة لتضييع فرص للحسم العسكري بسبب منحها هذه الفرص للمتورّطين في الحرب وفتحها المجال أمامهم لإثبات صدقية الشراكة في الحرب على الإرهاب والتخلي عن وهم إسقاط سورية أو تقسيمها أو إدارة الفوضى فيها.
– الأكيد أيضاً أنه في كل مرة كانت تثبت التطورات أن المتورطين في الحرب يستثمرون الفرص الروسية المتاحة أمامهم لتنظيم جولات جديدة من الحرب على سورية بالتآمر مع الإرهاب. وكانت روسيا تقود مع حلفائها جولات مواجهة جديدة تسقط المزيد من الأوهام لدى هؤلاء حول قدرتهم على العودة لتهديد ثبات الدولة في سورية، وتعريضها لخطر السقوط أو التقسيم أو حرب الاستنزاف. وهكذا كانت حرب حلب ومن بعدها حرب دير الزور والبادية والبوكمال وها هي اليوم معركة إدلب. والأكيد أن هذه الاستراتيجية الروسية المخلصة لفكرتي ثبات سورية ودولتها وجيشها من جهة، والسعي لاستقطاب الآخرين لمسار سياسي صادق في السعي لإعادة بناء الدولة السورية، وفقاً لمفاهيم تحفظ سيادتها ووحدتها، حققت نجاحات باهرة، وكان النصر على داعش من ثمارها رغم اللعب فوق الطاولة وتحت الطاولة مع الإرهاب الذي شكّل سياسة المتورطين في الحرب على سورية. وجاء مسار أستانة أولى ثمار النجاح السياسي للدور العسكري الروسي في هذه الثنائية، وما تضمّنه مسار أستانة من تغيير في المعادلات وخلط في الأوراق ضمن حلف الحرب تبرز بعض نتائجه اليوم في الارتباك بالعلاقات الأميركية التركية والحرب بين الأتراك والأكراد.
– سوتشي هو التتمة السياسية التي تريد أن تقول إن السير نحو إعادة بناء الدولة السورية السيدة والموحّدة ليس خياراً يمكن القبول به أو منعه، بل هو مسار حتمي سيتحقق، وما يملكه الآخرون أن يكونوا ضمنه أو خارجه، فينالون ثمن حسن الاختيار أو يدفعون ثمن سوء الخيار. والمسار السياسي هنا يواكبه مسار عسكري يترجم في إدلب وسيترجم لاحقاً إذا بقيت الممانعة للمسار السياسي، كما حدث سابقاً في مواقع عديدة ربما لا يتوقعها كثيرون. وهذا المسار هو الرد على المشروع الذي أعلنه الخماسي الذي تقوده واشنطن ويضم فرنسا وبريطانيا والسعودية والأدرن ويقوم على تكريس إدارة الفوضى والتقسيم ويدعو روسيا وإيران لحفلة تقاسم نفوذ للدول الأجنبية على حساب سيادة سورية ووحدتها، والذين وضعوا أنفسهم خارج سوتشي من السوريين أعلنوا انضمامهم لمسار الخمسة كعملاء للأجانب يرتضون شراكة في فتات مناطق نفوذ لهذا وذاك، بديلاً عن دور في بناء دولة سورية موحّدة وسيّدة. وهذه هو التوصيف الوحيد لجماعة الرياض في موقفهم المتراجع عن المشاركة في سوتشي.
– ليس في سوتشي قرار بل مسار، وهو مسار متلازم مع السير بتحرير كامل سورية من الاحتلالين الأميركي والتركي ومشروع الانفصال الكردي بعد نهاية الحرب على النصرة والفصائل الإرهابية في إدلب وسواها، إلا إذا سمع المعنيون صوت العقل وقرروا وقف التلاعب ببعض الجغرافيا السورية كإطار لمقايضات وتقاسم نفوذ أو كيانات وكانتونات.