ما هو سقف توقعات «سوتشي 1»؟
زهير فياض
تبلغ الأزمة السورية في هذه الأيام منعطفاً هاماً مع تطوّرات العملية السياسية وما تشهده من تجاذبات ومناورات لتحسين شروط الأطراف التي تشارك فيها انطلاقاً من الوقائع الميدانية، والتداخلات الإقليمية والدولية التي تحيط بتطوّرات هذه العملية المستمرة من جنيف إلى اليوم، وذلك لرسم مستقبل «الدولة السورية» بعد 7 أعوام من الحرب المدمّرة التي دمّرت العمران والبنى التحتية ومفاصل هامة من المنشآت الاقتصادية السورية وحاولت الضرب في عمق النسيج الشعبي السوري في الشام، مما أدّى إلى تصدّعات سياسية واجتماعية تحتاج إلى الكثير من العناية والاهتمام والعمل الجادّ لإعادة وصل ما انقطع، وإعادة ترميم للبنية الشعبية الاجتماعية باتجاه تأكيد وحدتها على قاعدة الحياة الواحدة ودورتها الاقتصادية الاجتماعية التي تحتضن في ثناياها شعبنا سواء في الشام أو في باقي الكيانات السياسية على الأرض السورية كاملة.
لقد سقطت السيناريوات الأخطر التي عملت القوى المعادية على تنفيذها في ساحات الأمة، وهي تحاول الآن تنفيذ الخطط البديلة لتطويع شعبنا وقواه الحية وضرب إرادة الصراع لديه. ونهض محور المقاومة قوياً متماسكاً يفرض معادلاته ومنطقه بما يتلاءم وضرورات المرحلة وعلى الصعد كافة، اذ انّ التطوّرات التي حصلت خلال العام المنصرم وتحديداً خلال الأشهر القليلة الماضية والتي تجسّدت سواء في دكّ وضرب قواعد الإرهاب في الشام، وفي العراق ولبنان وإنهاء وجود دولة داعش وتحرير مناطق شاسعة في العراق والشام ولبنان وغيرها من المناطق، كلّ هذه التطورات تؤشر الى بداية مرحلة جديدة مختلفة كلياً في مضامينها وسياقاتها.
إنّ أهمية المرحلة تتمثل في مدى القدرة على تثمير إنجازات الميدان في بناء واقع استراتيجي سياسي عسكري اقتصادي جديد لمواجهة تحديات الوحدة والتكامل والنهوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي كما مواجهة الخطر الوجودي المستمرّ والمتمثل في الكيان الاستيطاني الاغتصابي الصهيوني على أرض فلسطين.
وقد شكّلت هذه الإنجازات مظلة حماية للمنطقة كاملة، وللبيئة القومية الطبيعية كلها، التي شكلت فعلاً، وعلى أرضية الصراع الميداني، وحدة استراتيجية وجغرافية وحياتية واحدة، أعاقت مشاريع التقسيم والفدرلة، وحالت دون تنفيذها على أرض الواقع، وهيّأت الأرضية المناسبة لمواجهة كلّ الخطط البديلة والسيناريوات المفترضة في روزنامة القوى المعادية والتحضير لكلّ ما يُحاك هنا وهناك، في سراديب التآمر الدولي الذي يسعى إلى تحسين شروطه في المعادلات السياسية المقبلة.
في خضم كلّ هذه التطورات، يتمّ التحضير لما يسمّى «مؤتمر الحوار الوطني» في سوتشي والذي سينعقد يومي 29 و 30 كانون الثاني الحالي، حيث تشارك فيه إضافة إلى الحكومة السورية مجموعات من «المعارضة السورية»، فيما تُطرح أسئلة كثيرة حول سقف التوقعات المأمولة منه في سياق إنهاء الحرب ومفاعيلها والتأسيس لمرحلة سياسية جديدة في سورية الشام ، وتترافق التحضيرات لمؤتمر سوتشي مع أحداث وتطوّرات ميدانية من الاستهداف التركي لمنطقة عفرين، ومع تهديد رئيس الوزراء التركي الطيب رجب أردوغان بإمكانية توسيع نطاق عمليات الجيش التركي لتشمل مناطق منبج وصولاً إلى شرق الفرات، وتتزامن مع هدنة شملت «الغوطة الشرقية»، ومطالبة الوحدات الكردية للحكومة السورية التدخل لحماية الأراضي السورية من الاعتداءات التركية في منطقة عفرين، كلّ هذه الأحداث ستعكس نفسها في المؤتمر المذكور.
بيد أنّ الوقائع والإنجازات الميدانية التي حققتها الدولة السورية مع حلفائها خلال العام المنصرم، ستحدّد مسار التفاوض، ولا يمكن تجاوز هذه الوقائع التي تصبّ في خانة تحصين الموقف الرسمي للحكومة السورية، وبالتالي من المتوقع أن تبقى نتائج المؤتمر محكومة بنتائج هذه الإنجازات ومفاعيلها السياسية، ولعلّ الموقف الرسمي السوري الرافض ورقة «المبادئ» – كورقة غير رسمية – والتي طرحتها واشنطن منذ أيام، والتي تلقى دعم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا والسعودية إضافة إلى الأردن، ينطلق من العناوين التالية:
ـ رفض تضخيم الدور الأممي في عملية الحلّ.
ـ رفض مبدأ الحكومات الإقليمية باعتباره عنواناً مفخخاً وستاراً للتقسيم ومشروع الفدراليات.
ـ رفض التدخل الدولي في تحديد صلاحيات الرئيس والحكومة.
ـ مسألة تعديل الدستور هي مسألة سورية خالصة يقرّرها الشعب السوري وليست أية قوة خارجية أخرى.
ـ إنّ هذه العناوين تشكل السقف السياسي لمؤتمر سوتشي، هذا السقف حدّدته الدولة السورية وكلّ ما سينتج عن مؤتمر سوتشي سيبقى – في حال خروجه بوثيقة سياسية – تحت هذا السقف، أيّ سقف الثوابت الوطنية السورية التي لا حياد عنها.
عميد الثقافة والفنون الجميلة
في الحزب السوري القومي الاجتماعي