روح الكتائب والقوات تحوم في أفق «الخلاف» بين بري وباسيل
روزانا رمّال
في لبنان ما يطيب دائماً للتوتر السياسي خطاباً ونهجاً وفكراً وسلوكاً، وفي لبنان دائماً بوابات ونقليات مؤمنة لإدخال الطابور الخامس من مدخله العريض للعبث بأمن واستقرار البلاد، في لبنان غالباً مستفيد من كل البلبلة الحاصلة حول أي خلاف أو مشارك فيها، والخلاف الأخطر الذي وقع اليوم نتيجة الاحتقان هو بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، أما المستفيد فإثنان: الكتائب اللبنانية ومن ورائها القوات «تصفية الحساب» واجبة قبل بقّ البحصة المفترضة من الحريري في 14 شباط إذا لم يتغير شيء في قراره.
المسؤولة عن نشر الفيديو تصرّفت كأيّ مواطن لبناني يثيره الفضول ويشعر بحماسة ما يمتلك من مادة لتوزيعها على الأحباب والأصحاب، لكنها ليست مشاركة في الحفل المذكور كمنتمية لتيار باسيل أو التيار الوطني الحر، بل هي تشارك فيه كمنتمية لحزب الكتائب. وهنا أصبحت الأمور مختلفة وفرص الاستفادة مضاعفة. تقول من صوّرت الفيديو إن غيرها كان يقوم بذلك، لكن ما نشر جاء عبرها، ربما لأن أصدقاءها «كتائبيون» والآخرين ممن صوّروا مؤيّدون لباسيل ويعرفون أن هذا الكلام ليس لـ «الاستعراض»، أو ربما تمتّعوا بالمسؤولية أكثر منها. وربما هنا لا علاقة للمسؤولية عندما يتعلّق الأمر بالأحزاب. وبالمحصلة يبدو أن الفيديو وصل إلى المسؤولين المعنيين في حزب الكتائب ومؤيّدين من القوات و«ليس مهماً» كيف ومَن؟
الأهم أن المعنيين اتفقوا على الاستفادة من التسريب..
يؤكد مصدر متابع للأزمة لـ «البناء» أن مسؤولين في الكتائب كانوا قد اطلعوا على الفيديو. ويتابع «لا يضرّهم شيء في نشر ما يُعتبر فرصة «ذهبية». فقد حان الوقت لوضع حد لاجتياح باسيل السياسي في البلاد، لقد حان الوقت أيضاً لإزعاج باسيل الذي استطاع أن يحلّ مكانهم ومكان القوات في علاقة متينة وقوية مع رئيس الوزراء سعد الحريري. باسيل استطاع أن ينجح في عزل الكتائب واستطاع أيضاً بحماسته في أزمة الرئيس سعد الحريري في الرياض بالإثبات أنه أوفى الاصدقاء على الرغم من حداثة التفاهم بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر».
أبعد… من أزمة بري – باسيل هي أزمة المستفيدين منها. والمسألة لم تعد تتعلق بسوء العلاقة بين بري وباسيل السيئة أساساً بل تصبّ في ناحية أمرين أساسيين:
الأول إحراج حزب الله وهو حليف حركة امل والتيار الوطني الحر، وما يمكن للأزمة ان تشكل من إرباك قبل الانتخابات النيابية. وبالتالي تؤسس لتهديد للتفاهم الاستراتيجي، على الرغم من ان متانته مع التيار الوطني الحر، حسب المسؤولين في الطرفين تتعدّى التفاصيل إلا أن التوترات المستمرة تؤسس لعلامات استفهام. ففي أزمة اليوم أصدر حزب الله بياناً حازماً أكد فيه رفضه ما جاء على لسان الوزير باسيل رفضاً قاطعاً، معلناً أنه لا يقبل التعرض لمن أسماه الأخ دولة الرئيس نبيه بري أياً كان.
من جهته، ومنذ أسابيع قليلة، قال الرئيس بري إنه وامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله جسدان في قلب واحد من قلب إيران. وهو كلام يؤكد على وحدة الحال بين الطرفين ويزيد من الاستفسارات عند التيار الوطني الحر أنه إذا كان الحزب حليفنا، فلماذا لا يساندنا عندما تتعلّق الأمور بمعارك سياسية مع بري إذاً؟
ثانياً: تستفيد القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية مباشرة كلاعبين أساسيين بوجه مشروع حزب الله وحلفائه. وكانا أول الذاهبين الى الرياض لحظة استدعاء الامير محمد بن سلمان لهما اي رؤساء الحزبين جعجع الجميل. وبالتالي فإن أي خلاف يستطيع تعميق الخلاف بين التيار الوطني الحر وحزب الله لفك التحالف الذي تعمل عليه قوى إقليمية أو عملت ولا تزال عبر لبنانيين لم يوفروا جهداً لنسفها هو موضع ترحيب من القوات والكتائب.
بالتالي، فإن المشكلة لا تتعلّق اليوم فقط بالرئيس بري وباسيل. فالحريري هو أحد الذين تلقوا الرسالة المزعجة من خلال الذين أرادوا إحراج شريكه جبران باسيل الذي استطاع كسب ودّه وأظهر كمية لا يُستهان بها من العاطفة والودّ في سفره إلى دول عدة من أجل معرفة مصير الحريري في وقت كان الكتائبيون والقواتيون يبدأون مرحلة جديدة من التفكير برئيس جديد للحكومة وبمشروع غير سعد الحريري يُعرض على اللبنانيين.
أزمة الحريري عززت العلاقة بين الحريري وباسيل وعززت أيضاً قوة التحالف الانتخابي بينهما في مناطق مسيحية أسست لطريق طويل. التقارب بين الحريري وباسيل يزعج الكتائب والقوات غير المطمئين لنتائج الانتخابات المقبلة بعد كل الانقلابات السياسية الحاصلة.
وأخيراً.. أحد لا يختلف على حفظ المقامات في هذا البلد وربما هو الأمر الذي يبرع فيه كل اللبنانيين مجاملة أو قناعة ومقام الرئيس بري كدور وتاريخ ومكانة، بما يعادل بنظر كل اللبنانيين، إن اتفقوا واختلفوا مقامات لا يُقبل المساس بمهابتها والتمادي في التخاطب معها خارج اللياقات والأصول، كحال مقام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقائد المقاومة السيد حسن نصرالله.