حزب الله، بري «أولاً» و«إسرائيل» تترقب
روزانا رمّال
إذا لم تكن الحروب قد فصلت من اجل النفط في هذه الفترة من بناء استراتيجيات جديدة من عمر المنطقة والعالم، فمن أجل ماذا تكون؟
وإذا كان احتلال الدول وغزواتها ليس من اجل الموارد الطبيعية، فمن اجل ماذا هو اذاً؟
اذا لم تكن الغزوات الأميركية المباشرة وغير المباشرة لمنطقتنا واقعة ضمن إيجاد حلول للضيقة الاقتصادية التي يعيشها الاقتصاد الأميركي المنهك، فمن أجل ماذا استدرجت الدول نحو تحالفات لخوض حروب برهانات عالية السقف حتى آخر الطريق؟
وعن «إسرائيل» نفسها إذا لم يكن حتى الساعة احتلال مزارع شبعا واقعاً ضمن موارد مائية يمتلكها لبنان تسدّ حاجة المنطقة الشمالية في «إسرائيل» ومعها دراسات حول الغاز في تلك المرتفعات، فلماذا هو الاحتلال بعد تحرير الجنوب بأغلبه؟
سمع اللبنانيون بالأمس تهديد وزير الدفاع «الإسرائيلي» افيغدور ليبرمان بإعلانه أن «بلوك الغاز في البحر رقم 9 هو لنا»، أي لـ»إسرائيل» وتابع «مع ذلك أعلن لبنان مناقصة بشأنه… الجميع يدرك أن الجبهة الداخلية هي التحدي الأكبر الذي نواجهه في الحرب المقبلة».. الحديث عن لبنان لم ينتهِ والأطماع المتراكمة في العقلية «الإسرائيلية» المرتبطة بما يتعلق بفكرة الاستقرار الامني في لبنان هي معرض أخذ ورد، لأن «مسألة الاستقرار الأمني في لبنان هي فشل «إسرائيلي» استخباري ذريع في نسف الحالة القادرة على تعزيز موقع المقاومة بدلاً من إرباكها»، يقول ليبرمان في خطابه نفسه «ممنوع أن يكون هناك أشخاص يلهون على البحر في بيروت وأشخاص ينامون في الملاجئ في تل أبيب».
كلام مباشر يستهدف الأمن اللبناني والتهديد الذي بات يشكله على الأمن «الإسرائيلي» وبدون شك المقصود حزب الله.
بالعودة الى حقل النفط البحري block 9 كشف ليبرمان ان إسرائيل لن تتنازل عن هذه الحصة. والكلام جاء عن وزير الدفاع «الإسرائيلي» بالتالي فإنه يشبه التهديد غير المباشر للحكومة اللبنانية التي تسعى بعد ايام لتوقيع عقود التلزيم، على الرغم من أن الشركات المعنية ستباشر بالعمل في حقل واحد غير المتنازع عليه اذا صحت التسمية block 9 بين «إسرائيل» ولبنان لتبقى وسائل المواجهة اللبنانية دولياً هي أبرز ما يخطط له مسؤولوه، بالاستناد الى المجتمع الدولي لكن احداً لا يشك في أن الانحياز الكامل لتل ابيب سيد المواقف وبكل الأحوال التفكير بالتصدي يحتاج مجدداً لدفاعات حزب الله غير الشرعية لدى من يريدون اقتسام حصة النفط. فربما يصبح شرعياً بنظرهم اذا حافظ على هذه الغنيمة. وعلى أي حال أصدر حزب الله بيانا جاء فيه «نجدّد موقفنا في التصدي الحازم لأي اعتداء على حقوقنا النفطية والغازية..». كلام تعرفه «إسرائيل»، لكن ما لم تكن تعرفه هو أن تولد ظروف ملائمة لشن حرب على لبنان مثل الموقف الذي يعيشه اللبنانيون في ما عرف بخلاف «بري – باسيل» الذي تصدّر المشهد نظراً لتداعيات صارت خطيرة على المكون اللبناني المكبل بين خلافات السلطتين، التنفيذية والتشريعية.
دفعت «إسرائيل» بمخططات مباشرة وغير مباشرة أموالاً ومعارك، وراهنت من أجل فكّ تحالف استراتيجي هو نصف الحرب في البلاد، وأكبر ضمانات حزب الله في تحرّكه في الداخل اللبناني الكثير التعقيدات هو التفاهم مع «التيار الوطني الحر « التيار المسيحي العريض الذي استطاع ان يكسر أحادية التأييد الاسلامي او الشيعي تحديداً لحزب الله الخارج من اتهامات، ليس أقلها اغتيال الرئيس رفيق الحريري مع حلفائه السوريين. نجح هذا التحالف بالتأكيد لـ»إسرائيل» أن جهدها المبذول لإثبات استحالة تعايش الاقليات في المنطقة، الا اذا وقع التقسيم صار سراباً، وأن التفاهم خير دليل على ذلك، خصوصاً أن حزب الله هو عبارة عن حزب عقائدي واضح الانتماءات.
الخلاف بين بري وباسيل أخذ الأزمة الى ما هو أعمق بكثير بعد الكلام الذي صدر عن باسيل في حق بري في التسريب الشهير، وصار الحديث اهتزاز التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر هو الغالب، لان حزب الله في موقف حساس كهذا أصدر بياناً حاسماً لجهة رفضه رفضاً قاطعاً التعرّض لبري من أية جهة كانت، في اشارة الى انه لن يساير حتى حليفه التيار الوطني الحر في هذا.
ليس مهماً مَن الذي أخذ التفاهم نحو هذا الخطر، فربما يكون حزب الله نفسه الذي اضطر الى هذا الموقف، لكنه كشف للتيار الوطني الحر ما كان يوماً ما موضع التباس بالنسبة للبعض، وهو «أن بري أولاً» أو قبل اي شيء آخر بالنسبة لحزب الله. والعلاقة مع بري لا تخضع للتأويلات. كيف لا؟ وهو شريكه الأساسي بمواجهة «إسرائيل» وظهير الطائفة في الازمات؟ حزب الله جاهز للتضحية، اذا صح التعبير، بسوء علاقة مع التيار أو سوء تفاهم ليس معروفاً الى أين تصل تداعياته.
الذي يدور في لبنان اليوم هو فرصة تنتظرها «إسرائيل». والذي يدور اليوم يستدعي القلق ان مواجهة مقبلة قد تكون عسكرية، إذا كانت «إسرائيل» قد قررت فتح معركة دولية بخصوص الحقل النفطي المذكور. كيف اذا كانت تصريحات اكثر من 3 وزراء «إسرائيليينط ورئيس الأركان ومحللين سياسيين «إسرائيليين» يدعون لتحرك عسكري باتجاه لبنان في حرب استباقية لن تستهدف حزب الله وحده هذه المرة. وهذه وحدها كافية اليوم ليفهمها باقي اللبنانيين أخصهم الحلفاء في التيار الوطني الحر.
«إسرائيل» تتحيّن الفرصة المؤاتية لشنّ هجومها الذي يتعلق هذه المرة بحسابات المنطقة كلها. ويُخشى أن يكون الخلاف بين بري وباسيل مقدمة تستغلها «إسرائيل» في حرب مباغتة تضغط فيها حزب الله بالداخل، خصوصاً أن حقل النفط التاسع هو طريق واضح بالنسبة لحزب الله نحو اشتباك صار مسألة وقت بمعرفته بـ»إسرائيل» وتعدياتها.