جعجع ينبّه لعدم الالتفاف حول «حزب الله» بملف النفط
روزانا رمّال
يتسابق اللبنانيون في إطلاق مواقف موحّدة تجاه الردّ على وزير «الدفاع» «الإسرائيلي» افيغدور ليبرمان حول اعتباره أن البلوك 9 البحري هو من حق «إسرائيل» وأن لبنان يباشر بالتلزيم دون التوقف عند هذا الأمر. ليبرمان خاطب «الإسرائيليين» كوزير دفاع اراد التمسك بحق حكومته. وبالتالي فإن هذا الملف الحساس يشرع لوزير الدفاع طرح الإشكالية على الأجهزة العسكرية التي تدرس سبل المواجهة في «إسرائيل».
الصحافة «الإسرائيلية» منشغلة بشرح معالم الحرب الجديدة وشرارتها. فبين من يتحدّث عن اندلاعها من غزة بسبب ترقب حراك فلسطيني متصاعد مع تمسك ترامب بموقفه، يتحدث آخرون عن أن الحرب الثالثة مع لبنان صارت أقرب، خصوصاً أن خطر حزب الله يتصاعد وتمدد ايران في المنطقة يتزايد، وعلى الأخص بعد أن نجحت القوات العسكرية المؤيدة لطهران في كل من العراق واليمن بتقوية الإيرانيين. بكل الأحوال لا يتعاطى حزب الله مع الدعوات «الإسرائيلية» على انها دعوات جديدة. فالحذر دائم بالنسبة للقيادات العسكرية وكوادره التي تدرك جيداً ان التفوق على «إسرائيل» يبدأ من الترقب والتعقب لنياتها اتجاه لبنان من دون استسهال عشر سنوات من الاستقرار الامني اي من ردع «إسرائيل» عن شن حرب.
وإذا كان هذا الردع مرده لشيء، فإنه بدون شك عائد الى ما نجحت حرب تموز في تكريسه والى درجة عالية من النزف الذي أحدثته تلك الحرب في الجسم العسكري «الإسرائيلي». وربما تكون المرة الاولى التي تتأخر «إسرائيل» عن شن عدوان على لبنان يصل الى أكثر من عشر سنوات. والسبب هو «عدم الثقة» بإمكانية تحقيق نتيجة مغايرة هذه المرة، ولأن الحرب صارت مكلفة مع حزب الله الذي اكتسب خبرة عالية في الميدان نتيجة مشاركته بحروب جديدة، فيها القتال العبثي والمنظم مع تكفيريين ومتطرفين تمّ تدريبهم على يد الاستخبارات الاميركية و«الإسرائيلية»، وقد استعملوا ايضاً سلاحاً تبين ان تل ابيب زودتهم به في حروب برية كانت تتحضّر لخوضها وتمّ اختبار اسلحة جديدة عبرها واختبار قدرات حزب الله على القتال بوجه عقائديين، لأنها المرة الاولى التي يواجه فيها حزب الله معارك بوجه مقاتلين يعتنقون ايديولوجية تسمح لهم بالتخلي او فداءها بـ«أرواحهم». فشكلت خلايا انتحارية عديدة قاتلت حزب الله بدون أن تتمكن من الانتصار عليه.
بعد حرب سورية ليس كما قبلها ميدانياً بالنسبة لـ«الإسرائيليين»، لان العسكري المقاتل في حزب الله هو أكثر نباهة وقدرة على صد اي تفكير إسرائيلي بالهجوم البري على قرى الجنوب أو حتى اللجوء الى منافذ أخرى تصل الجنوب السوري بالاراضي اللبنانية.
الحرب المقبلة بالنسبة لـ«إسرائيل» اكثر الحروب خطورة. وهي تعني مقتلاً بحال الخسارة مجدداً. لكنها بالنسبة لحزب الله تحدٍّ ومسؤولية جديدة تؤكد انها لن تكون بمنأى عن الأراضي المحتلة ولم يعد سراً انها ستحمل المقاتلين الى معارك تبدأ من «الجليل الأعلى» ولا يعرف أين تنتهي. كيف بالحال اليوم والفلسطينيون ينتظرون مدّ اليد اليهم في مواجهة مشروع تهويد القدس.
يمكن لليبرمان الحديث عن حرب «إسرائيلية» على لبنان هرباً من المأزق الذي تواجهه بلاده امام العالم في ما يتعلق بالقدس والإحراج في عدم دعم الخطوة الأميركية، لكن ليس بإمكان «إسرائيل» ضمان عدم تدهور الأمور في حال شنّت فعلاً حرباً على لبنان في محاولة لفتح معركة النفط البحرية وحقوق يعتبر الجانب اللبناني أنها موثقة وواضحة.
حاول رئيس مجلس النواب نبيه بري استباق الأمر منذ ما يعود لأكثر من سنة ونبّه لخطورة الوضع وللأطماع «الإسرائيلية». واليوم يبدو الأمر جدياً وحروب النفط ليست بعيدة عن منطقة الشرق الاوسط، بل هي الأكثر منطقية بالنسبة لشرح اسباب الحروب غالباً. لكن هذا وإن حصل يتطلب دفاعات لبنانية قوية تكون سداً منيعاً باتجاه النيات «الإسرائيلية»، فماذا عساها تكون خصوصاً أن المواقف المحلية تتسارع وتركّز على ان لبنان سيبذل قصارى جهده في ملف إثبات أن البلوك التاسع هو من حقه. مصدر سياسي بارز قال لـ «البناء» إن الوسائل المتاحة هي الوسائل المشروعة دولياً عبر مطالبة المجتمع الدولي بالوقوف مع الجانب اللبناني وحقوقه بهذا وفق الوثائق التي عاينها معنيون وخبراء، وعما اذا كان هناك تفاؤل في المجتمع الدولي ومواقفه حيال لبنان وعدم الانحياز لـ«إسرائيل» أكد المصدر أن هناك «تفاؤلاً بأن المعركة سيربحها لبنان وأن الجهات اللبنانية على ثقة بأنها ستحمي حقوقها».
ربما يكون هذا الكلام ليس منطقياً بالنسبة للكثير من اللبنانيين، لكنه أحد «الآراء» المتداولة هذه الايام. فوزير الطاقة يقول إن لبنان لن يوفر جهداً في كل الوسائل المتاحة لحماية حقوقة وآخرون أيضاً يتحدثون عن هذا، لكن الابرز ما جاء على لسان سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية الذي أطلق موقفاً بنيات مغايرة أراد فيها ظاهراً تأكيد حق لبنان في البلوك التاسع، بينما باطناً أراد التذكير بأن هذه المعركة لن تكون معركة حزب الله هذه المرة بل الدولة اللبنانية.
قائلاً «من المهم أن تتولى الحكومة اللبنانية بوكالتها عن الشعب اللبناني بأسره، وحصراً معالجة هذا الملف، وعدم تدخل أي طرف آخر لبناني أو غير لبناني فيه، لتبقى المسألة مسألة حقوق وطنية لبنانية بدلاً من أن تنقلب جزءاً من الصراع الكبير في الشرق الأوسط».
كلام جعجع استباقي قبل التفاف لبنان حول المقاومة في هذا الأمر القادرة وحدها على ردع «إسرائيل» حالياً في ملف قادر أن يشكل إجماعاً، خصوصاً أنه ملف يحمل عائداً مالياً ضخماً على كل مَن ينتظر تقسيم الحصص والمنافع ولن يعارض حينها أن يحمي حزب الله هذه الثروة!