العبرة في ما حصل.. إيجابياتٌ ستٌ
روزانا رمّال
كشف مصدر متابع أزمة التسريب الأخيرة لـ «البناء» أن الاتصال الذي أجراه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله برئيس الجمهورية ميشال عون تمحور في جلّه حول فكرة حماية إنجازات لبنان الوطنية والكاملة التي حمت التعايش والسلم الأهلي في البلاد وقطع الطريق أمام مَن أراد نسف الاستقرار أكثر من مرة لغايات معروفة. وأكد المصدر «أن أبرز ما يمكن الحديث عنه اليوم وبثقة أن فكرة تهدئة النفوس التي أعقبت اتصال عون بالرئيس نبيه بري تعني أن نيّات القيادات كافة اتجهت نحو هدف واحد هو حماية استقرار لبنان وان الجميع أراد التناغم مع مبادرة الرئيس عون والمسارعة إلى تلقيها وأولهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أكد رفضه امام زواره لكل ما يجري في الشارع».
وأضاف المصدر «حزب الله الذي أوصل رسائل حاسمة لمن يعنيهم الأمر انطلق من استحالة أن يسمح بإهدار دماء شهداء ارتضت الموت على الفوضى في لبنان وبثّ الإرهاب ولا يمكن العبث بمسألة من هذا النوع، فمن الذي يستطيع تحمّل هذا؟ وماذا بعد أن تُشحن النفوس ويتغلّب التعصب الطائفي على العقل؟».
ويختم المصدر «لبنان بخير بعد هذا الاختبار الأصعب فأحد لا ينتظر أكثر لدراسة مؤشرات الاستقرار فيه. والذي جرى أكد شيئاً واحداً لم يعُد فيه لبسٌ هو أن نصرالله صاحب الكلمة الفصل واليد الطولى في الأمور المصيرية».
لكن، وعلى الرغم مما جرى ولعدم استغلال المشهد للتهويل، فإن الأخذ بعين الاعتبار أنه كان اختباراً محلياً وخارجياً وجسّ نبض ممتازاً لمؤشر الأمن في لبنان يضع نتائج هامة امام اللبنانيين:
أولها: عدم قدرة المتحمّسين خارجياً لضرب حزب الله واستغلال الخلاف بين الحركة والتيار الوطني الحر على التحرك ضمن هوامش واسعة لتنفيذ خطط قادرة على إرباكه وإفشال مساعي المصالحة.
ثانياً: يبقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون صوت العقل والضامن الأول في حال أي خلاف بين التيار الوطني الحر وحركة أمل أو أي تيار آخر، فيما بدت رئاسة الجمهورية غير منحازة للتيار الوطني الحر الذي انبثقت عنه بما رتّب على رئيس الجمهورية التجاوب مع المبادرة التي طرحها أمين عام حزب الله فوراً، ومن موقع المسؤولية الوطنية لا الحسابات الحزبية، خصوصاً أن البلد مقبل على استحقاق انتخابي.
ثالثاً: وعي اللبنانيين اليوم رفع من نسبة التأهب من اليوم حتى تاريخ إجراء الانتخابات النيابية في 7 أيار بما يعني تأمين أكبر قدر ممكن من الأمن المحلي في كل القرى والبلدات مساهمة في إنجاح الاستحقاق، وابتعاداً عن مخاطر الحشد والحشد المضاد في أي عملية انتخابية دقيقة. وبالتالي فإن الفرق المعنية بالانضباط والتدريب في كل الأحزاب مدعوة للالتفات من اليوم الى ضرورة تعزيز قدراتها وتعاونها مع القوى الامنية كي يقطع الطريق على اي متربص يريد افشال الاستحقاق الانتخابي او استغلال هذه الفترة بعمليات شغب او بحادث كبير يؤجل الانتخابات برمتها.
رابعاً: في قراءة سياسية مجملة يكشف حزب الله عن مدى قدرة أمينه العام على فرض حالة واضحة الأطر تجمع ما بين الحسم وسرعة التجاوب مع مبادراته، والتي تشكل وحدها شبكة أمان محلي أبعد من الخلافات وأقرب الى مخاطبة العقول بالوقائع التي تحيط باللبنانيين، بما يرفع نسبة المسؤولية. وبالتالي فإن مستوى الثقة بأمين عام حزب الله بين اللبنانيين ارتفع اليوم، خصوصاً أن فترة الهدوء التي عاشتها الأطراف كلها واعتادت عليها كميزة يتّسمُ بها لبنان عن الجوار جعلت من أي مبادرة للهدوء موضع ترحيب حتى ولو أتت عن نصرالله الذي يعتبره البعض خصماً سياسياً كبيراً.
خامساً: رسم سياسة متوازنة لبعض وسائل الإعلام التي تسهم في تحريض النفوس وتأجيج الأزمات بدلاً من لعب دور معاكس.
سادساً: أبرز إيجابيات ما جرى يكمن في التصدي لتحين «إسرائيل» فرصة مناسبة للانقضاض على لبنان من بوابة فك التحالفات ليس فقط حزب الله والتيار الوطني الحر، وإنما أي حلف يصبّ في مصلحة الاستقرار الوطني. وبالتالي فإن تصريح افيغدور ليبرمان حول البلوك التاسع وأحقية «إسرائيل» به، جاء على شكل فرصة استغلها الاطراف لاستخدامها باباً لحل الخلاف، على اساس ان هناك اولوية كبرى تكمن في ضرورة التوحد ضد «إسرائيل». وهذا يؤكد ان درس حرب تموز أثمر وعياً كبيراً وأن احداً ليس مستعداً لفتح الطريق امام إسرائيل نحو انتصار سهل يطيح بكل ما أُنجز..
العبرة في ما حصل. والجميع يأخذ عبرة من هذه الأيام. هذا هو رأي الرئيس ميشال عون من بعبدا وكأنه يقول «رب ضارة نافعة» وأنه مستعد لتحمل كل ما يرتب عليه صون السلم الأهلي وحمايته من دون أي تذمر على قاعدة «بي الكل يحضن الكل». وبالتالي يبقى شعاع للنور من كل أزمة وفي كل ازمة بصمة لرجال ومواقف يمكن البناء على اساسها أن يكون عنواناً عريضاً للمرحلة المقبلة التي صار الكل يتوجّس فيها الإساءة لأي طرف سياسي كان تحت طائلة هزّ السلم الأهلي وتهديد العيش المشترك في البلاد.