لا إنقاذ إلا بمشروع قومي نهضوي جديد
زهير فياض
إنّ ما نحياه اليوم يقع في دائرة «اللحظة التاريخية» الحاسمة ويُنذر بتداعيات خطيرة ستترك – بلا شك – انعكاساتها على الحاضر والمستقبل.
إنّ مسار التفكّك والانحلال والتفتّت والتشظّي والانفلات والفوضى قد اتخذ منحىً تصاعدياً تجاوز فيه كلّ الحدود والخطوط الحمراء، وبتنا قاب قوسين من الدمار المحقق على مستوى «المجتمع» و»الدولة» على مساحة الوطن كله.
«الدولة» مفهوم تطوّر تاريخياً وعبّر في كلّ مرحلة عن مستوى التطوّر السياسي والاجتماعي والثقافي للمجتمع الذي تؤطره وتنظم حياته. وهذه «الدولة»، وبالرغم من الأعطاب التي اعترتها في بلادنا، شكّلت مظلة حماية نسبية للمجتمع وضامناً لأمنه واستقراره وتطوّره باتجاه الأفضل.
سايكس بيكو برمزيّتها، عند تقسيم بلادنا الواحدة ومجتمعنا الواحد في دورة حياته الاقتصادية والاجتماعية الى كيانات سياسية شكّلت معاقل حدّت من التطوّر الطبيعي والتقدّم الاجتماعي لكامل الأمة، وأعاقت مشاريع التنمية والتقدّم والازدهار بمندرجاتها المختلفة.
بيد أنّ حيوية مجتمعنا وإرادة الحياة فيه كانت أقوى من المعوقات والحدود والتقسيمات والفواصل والعوازل كلّها، وتمكّن شعبنا من كسر «التجزئة» السياسية، ولم تستطع إرادة المستعمر من تقطيع شرايين الحياة الواحدة، ولا استطاعت الحدّ من التفاعل الاقتصادي الاجتماعي الحياتي على كامل البيئة القومية الطبيعية في بلادنا، بالرغم من كلّ التآمر والضغوط التي اتخذت أشكالاً متعدّدة ومتنوعة.
أما اليوم، فنحن نشهد ما هو أدهى وأخطر، إنها «الفوضى» التي تشكل مفهوماً تدميرياً للذات الوطنية والقومية. وهي تُنذر بخطر داهم وكبير، إذ إنها تطلّ برأسها في سياق منظم وممنهج لتدمير البنى التحتية لمجتمعنا، وضرب كلّ قواعد الاستقرار التي ترتكز على وحدة المجتمع والأمة والوطن، وعلى مفهوم «الدولة» الحاضنة والراعية التي تظلّل بالأمان الناس وتقدّم لهم عوامل الاستمرار والتقدّم.
هذا ما أُريد فعله في العراق الذي تجاوز مراحل صعبة منذ الاحتلال الأميركي إلى اليوم، مع تعدّد السيناريوات المعادية التي اتخذت بعداً طائفياً ومذهبياً وعرقياً خطيراً، وما زال إلى الآن يحيا في عين العاصفة والفوضى، بالرغم من بقع ضوء هنا وهناك تُعيد الأمل بإمكان قلب المعادلة، وإعادة وصل ما انقطع على مستوى العراق كله، وإعادة بناء العراق الموحّد الديمقراطي والمقاوم.
وهذا ما أريد له في لبنان منذ عقود والذي تجسّد حرباً داخلية يعود خطر تجدّدها اليوم، وما المقدّمات الطائفية التي نشهدها اليوم إلا نذير شؤم بإعادة عقارب الزمن الى الوراء.
وأما الوضع في الشام، فيمثل عقدة «الصراع» الأساسية في بلادنا، إذ إنّ نتيجة الصراع القائم فيها، ستترك بصماتها على المشهد القومي كاملاً.
وبات واضحاً أنّ ما يحصل فيها اليوم هو استهداف للدولة برمزيتها الحاضنة لأطياف المجتمع كله، بالطبع بالرغم من الحاجة العميقة للإصلاح الذي بلغ مبلغاً خطيراً في السنوات الأخيرة، وساهم بشكل أساسي في «الانفجار الحاصل» على مستوى الكيان.
في هذه اللحظة بالذات، يبرز مفهوم «المقاومة» للخطر الصهيوني الأجنبي ببعدها المجتمعي أيّ مقاومة المجتمع ومناعته الداخلية التي تتعذّر صياغتها خارج إطار منظومة فكرية شاملة هي منظومة الفكر القومي الاجتماعي الإنساني الرحب، الذي يشكل البديل الجذري لمشاريع التفتيت والانهيار المجتمعي.
يبدو واضحاً في هذه اللحظة المصيرية أنّ المقاومة إضافة إلى كونها سلاحاً، هي أيضاً بنية اجتماعية متراصة تحمي السلاح وتحمي المجتمع بأسره.
إنّ المستهدف اليوم في بلادنا إحداث انقسامات جديدة خطيرة للغاية على قاعدة طائفية ومذهبية تفتيتية لضرب روح المقاومة في مجتمعنا المثخن بالجراح، ولإضعاف مناعته، ولتحقيق الهدف الصهيوني الأساسي أيّ «الانحلال» وضياع الهوية القومية، وتشتّت الوعي، وخروج مجتمعنا من معادلة الصراع معه، والدخول في نفق مظلم من الصراعات العبثية المتناسلة والمدمّرة في آن.
خلاصة القول، نجد أنفسنا من جديد اليوم في مواجهة كلّ هذه «الفوضى» المدمّرة، حيث لا خلاص إلا بإعادة صياغة المشروع القومي النهضوي بعد إعادة ترشيقه وصياغة خطته النظامية الدقيقة بعد الاستفادة طبعاً من الدروس والعبر المستقاة من تجارب الماضي.
عميد الثقافة والفنون الجميلة
في الحزب السوري القومي الاجتماعي