أميركا تبتزّ لبنان: مفاوضات مع «إسرائيل» بوساطتنا أو الحرب؟
محمد حميّة
ليست صدفة أن تُرسل الولايات المتحدة الأميركية نائب مساعد وزير خارجيتها السفير ديفيد ساترفيلد الى بيروت على وقع التوتر الحدودي البحري والبري بين لبنان و«إسرائيل»، وتهديدات كيان الاحتلال المتكررة بشن حربٍ عسكرية على لبنان.
وما يثير التساؤل أكثر هو الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الى بيروت منتصف الشهر الحالي بحسب المعلومات، فماذا تريد واشنطن من لبنان؟
السفير الأميركي السابق في لبنان بين العام 1998 و2001، والمعروف بعلاقته الجيدة مع «إسرائيل» وتأييده للمصالح «الإسرائيلية»، شغل منصب مستشار وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس ابان حرب تموز، يحاول ساترفيلد دفع لبنان للتفاوض مع «إسرائيل» في القضايا المتنازع عليها على الحدود.
مصادر مطلعة ربطت بين زيارة ساترفيلد وبعده رئيس الدبلوماسية الأميركية، وبين التصعيد «الإسرائيلي» على الحدود مع فلسطين المحتلة، مشيرة لـ«البناء» الى أن «ما يجري سيناريو أميركي «إسرائيلي» مخطط ومرسوم لمحاولة فرض أمر واقع جديد على الحدود البرية والنفطية بين لبنان و«إسرائيل». وأوضحت المصادر أن «الولايات المتحدة تدفع لبنان الى فتح باب التفاوض مع تل أبيب بحجة منع اندلاع حرب على الحدود، وبالتالي تقدم نفسها وسيطاً نزيهاً لقيادة هذه المفاوضات».
وما يؤكد التنسيق بين واشنطن وحليفتها «إسرائيل» هو إعلان وزير الطاقة «الإسرائيلي» بالتزامن مع زيارة ساترفيلد «استعداد تل أبيب لقبول وساطة مع لبنان حول حدود المياه الاقتصادية».
وبحسب معلومات «البناء» فإن المسؤول الأميركي أبلغ المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم أمس، ضرورة إجراء مفاوضات بين الجانبين على القضايا المتنازع عليها لمنع أي احتكاكٍ عسكري حدودي يؤدي الى إشعال حرب شاملة بين لبنان و«إسرائيل». ولفتت المعلومات الى أن «الدبلوماسية الأميركية تحاول إحراج لبنان لإجباره على الانخراط في المفاوضات وتخييره بين التفاوض وبين الحرب، علماً أن «إسرائيل» هي المعتدية على لبنان إن في الجدار الفاصل المزمع بناؤه على الحدود وشموله نقاطاً تقع داخل الأراضي اللبنانية وضمن الخط الأزرق وإن في ادعاء ملكيتها البلوك الغازي 9 والواقع ايضاً ضمن المياه الإقليمية اللبنانية باعتراف الأمم المتحدة.
إذاً، لماذا تريد أميركا التفاوض مع لبنان؟
تشير مصادر «البناء» الى أن «إسرائيل تحاول استدراج لبنان إلى مستنقع مفاوضات تقودها الولايات المتحدة لتحقق بالدبلوماسية أهدافاً عجزت عن تحقيقها في الحرب العسكرية لا سيما على صعيد أطماعها في الثروة النفطية في لبنان وقضم مزيدٍ من الأرض على الحدود».
وفي حين لم يعطِ لبنان قراراً حاسماً للمسؤول الأميركي بشأن الوساطة الأميركية ولا في مبدأ التفاوض، أكد مصدر سياسي وعسكري لـ«البناء» أن «الحكومة اللبنانية لن تخضع للابتزاز الأميركي ولا للتهديدات الإسرائيلية، وإن قرّرت التفاوض في إطار تجنب أي احتكاك عسكري على الحدود مع فلسطين المحتلة فستختار وسيطاً نزيهاً وقد لا يكون الولايات المتحدة»، مشيرة الى أن «المفاوضات لا تعني التفاوض على حقوق لبنان المكتسبة بل على الأراضي اللبنانية المحتلة لا سيما مزارع شبعا والجزء اللبناني من قرية الغجر وتوقف إسرائيل عن سرقة المياه اللبنانية ووقف اعتداءاتها الجوية والأمنية على لبنان، وبالتالي لبنان لن يقدم أي تنازلات عن أي شبر من أرضه وأي قطرة من نفطه وغازه»، مشيرة الى أن «لبنان متمسك بحقوقه المشروعة ومستعدّ للمواجهة بكافة الوسائل لحماية أرضه ونفطه ومائه، وهذا موضع إجماع رئاسي وسياسي ووطني لبناني».
وتأتي زيارة ساترفيلد بعد زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي الأسبوع الماضي، ما يطرح علامات استفهام عدة إزاء التدخل الأميركي المتكرر في الشؤون الداخلية وانتهاك السيادة اللبنانية، حيث تتدخّل واشنطن بشكل دائم للدفاع عن مصالح «إسرائيل» وأمنها القومي، بينما لا تتدخل ولا تعرض وساطتها عندما يتعلق الأمر بالمصالح اللبنانية أو بالأمن والاستقرار في لبنان.
مصادر مطلعة في فريق المقاومة تشير الى أن «حزب الله يراقب كل الحركة الدبلوماسية الأميركية باتجاه بيروت، ويضعها في إطار الحرب الأميركية المستمرّة على حزب الله والمقاومة والتي لم تتوقف منذ عقود، حيث تعمل أميركا على ممارسة الضغط الدبلوماسي والتشويه الإعلامي للمقاومة مستفيدة من الحضور الأميركي المتنوع الاشكال في الداخل».
وتحاول أميركا التسلل الى الواقع الاستراتيجي في لبنان عبر وسائل متعددة وتستغل الخلافات الداخلية تارة وتستغل نفوذها في الدولة وعلاقاتها بالجيش اللبناني والخلافات بين لبنان و«إسرائيل» لابتزاز الحكومة طوراً.
لذلك تعمل الإدارة الأميركية الجديدة على تعزيز حضورها العسكري عبر عددٍ كبير من المستشارين وحضورها السياسي والدبلوماسي عبر بعض حلفائها في لبنان والحضور الاقتصادي عبر المساعدات الأميركية للمؤسسات العسكرية اللبنانية.
ورغم أن جميع الإدارات السابقة في أميركا كانت شديدة الحريص للحفاظ على التواصل مع لبنان، لكن إدارة الرئيس دونالد ترامب هي الادارة الأولى التي ترسل وزير خارجيتها الى لبنان، فواشنطن حريصة أن تطل على مصالحها في المنطقة من البوابة اللبنانية، لذلك ستضاعف تفعيل حضورها للتأثير على الدولة والنظام السياسي في لبنان، عبر دعم الجيش والتزام لبنان بالقرار 1701 وتطبيق القرار 1559، ما تفسّره مصادر على أن «الضغط الأميركي على حزب الله لا سيما المالي سيتصاعد في المستقبل، لكن دون الوصول الى الاشتباك المباشر، بل استخدام القوة الناعمة من الدبلوماسية الى المساعدات المالية والعسكرية الى التدخل في القطاعين المالي والنفطي للدخول الى أحد المعاقل الأساسية للمقاومة التي لعبت وتلعب دوراً حاسماً في قلب المشهد الإقليمي وموازين القوى في المنطقة لصالح محور المقاومة؟».