في ذكرى اغتيال «العماد».. تُغتال «إسرائيل»
روزانا رمّال
من دمشق، من هناك حيث اغتيل عماد الاستراتيجيا في حزب الله وقائد الانتصارين، انتصار العام 2000 وعام 2006، من هناك حيث القرار الكبير الذي اتخذ لأول مرة بعد غياب طويل كان الضغط على الزناد لإطلاق الدفاعات السورية شرارة المعادلة الجديدة.
لقد سقطت طائرة الأميركيين f 16 فخر سلاح الجو الذي تتباهى به أروقة البنتاغون امام السلاح الروسي الذي قرّر خوض التجربة والتقدم العسكري نحو الشرق الأوسط، لكن هذه المرة بدون تفسير جديد للثغرة التقنية التي غدرت بواشنطن بعد أن أصابها صاروخ سام بأمر سوري وقرار غرفة عمليات مشتركة للمحور الحليف، حسب معلومات «البناء».
في ذكرى اغتيال العماد.. عماد مغنية.. عماد «الروح» التي تحدث عنها قواماً وأساساً لبناء العقيدة القتالية ونجاحها… «اغتيلت» «إسرائيل» بصفعة لن تستفيق منها قريباً، وسقطت بسقوط الطائرة فصول كثيرة من المؤامرات التي خاضتها على اساس التفوق الجوي الذي تفرّدت به من دون اي منازع. وعلى هذا الاساس صار امام القيادات «الإسرائيلية» التعايش مع الهاجس الأكبر بعد ان سقطت أهم اجزاء اللعبة القذرة التي استطاعت البطش بالعرب والإمعان بتدمير قراهم وبلداتهم وسفك دمائهم من دون رحمة مستغلة بذلك جزءاً لا يتجزأ من العقيدة «الإسرائيلية» التي تعتمد على التفوق بـ «الترهيب» للحفاظ على الهالة والمكانة التي تضمن لها اخضاع الشارع العربي الذي استسلم لفكرة التفوق العسكري «الإسرائيلي» لسنوات.
قبل الحديث عن الشارع السوري او اللبناني او الحليف لمحور قتال على مدى أعوام من الحرب السورية كتفاً الى كتف، يكفي السؤال عن نبض الشارع العربي بعد سماع نبأ اسقاط الطائرة «الإسرائيلية» فأين منه «إسرائيل»؟ أين منه نبض الشارع المصري الذي يضحك في سرّه وعلنه فرحاً ويعلن استرجاع أمجاد عبدالناصر من الباب العريض وهو أكثر من دعا الى تصغير هذه الهالة التي حملها الحكام الخليجيون أكثر مما تحتمل؟ أين «إسرائيل» من نبض الشارع الأردني الذي ضاق ذرعاً بممارسات «الإسرائيليين» في التدخل بالشؤون الأمنية وفرض التطبيع وطريق التهديد للتوطين وبيع القضية الفلسطينية؟ أين «إسرائيل» من الشارع الخليجي الذي صار مرتبكاً بين دعوات حكامه للتطبيع وخجل شعبه من فكرة الخضوع والخيانة؟
في ذكرى اغتيال العماد تسقط الأسطورة «الإسرائيلية»، لكن الأبعد من هذا كله الإخفاق العسكري الأميركي الكبير الذي وضع واشنطن اليوم أمام ضرورة الانكفاء والتفكير أكثر بجدوى تأجيل انسحابها من المنطقة بعد أن اقتربت من التعادل مع موسكو في المخاطر التي صار يجب الوقوف عندها فعندما تفقد واشنطن التفوق العسكري تصيب حلفاءها بمقتل يسحب الثقة من قدرتها على ضمان أمن مشاريعهم. وأول ما يمكن التفكير فيه اليوم هو المعارضة السورية التي صارت عند مفترق طرق بعد حجم الإحباط الذي تسبب به سقوط طائرة «أف 16» التي كانت تستعين بها من أجل مؤازة المجموعات المسلحة ضد الجيش السوري وحلفائه، فانكشف ظهر المعارضة من الباب العريض.
ليس مهماً بعد الآن مهما حاولت «إسرائيل» تغطية الكارثة ونثر الغبار حولها بإعلانها أنها أصابت بغاراتها خلال الأيام السابقة على الاراضي السورية أهدافاً هامة جداً لحزب الله ولإيران، وليس مهماً أن تحسب هذه نقاطاً لصالحها، لأن الحاصل النهائي يضعها امام مسؤولية أكبر بكثير. فبعد الآن لن تكون هناك إمكانية من ضمان تحليق مقاتلاتها بأمان لا فوق سورية ولا لبنان ولا فلسطين في حال أي تدهور أمني. صارت هي أكثر الراغبين بالابتعاد عنه.
مصدر دبلوماسي غربي رفيع قال لـ «البناء» إنه وقبل حادثة اسقاط الطائرة لم تكن «إسرائيل» جاهزة لحرب مع سورية او لبنان. هكذا هي أجواء الدبلوماسيين الذين سارعوا الى نفي اي معلومة حول استعداد دولي لدعم «إسرائيل» في أي حرب، خصوصاً بعد تكثيف طلعاتها الاخيرة في سورية، فكيف بالحال اليوم بعد إسقاط الطائرة «الإسرائيلية» المقاتلة؟
المعضلة الاساسية هنا ليست استرجاع هالة او مهابة سقطت، بل الأساس هو العودة الى نقطة البداية: كيف يمكن حماية «إسرائيل» مجدداً ومع العجز التقني الأخير عن حماية المقاتلات «الإسرائيلية» صار الدخول في معارك عبثية تحدياً بالغنى عنه؟
تلاميذ عماد مغنية صاروا يوماً أسياد «البر» ومنعوا دبابات الميركافا من احتلال جنوب لبنان من جديد، بنسف التقنية المحدثة للجيل الخامس منها، وحتى اليوم تقول التقارير «الإسرائيلية» إن احد اسباب عدم اقدام «إسرائيل» على معارك برية في جنوب لبنان هو عدم التمكن من الحصول على ما يضمن أمن وسلامة الدبابات. وفي اللحظة التي يتم هذا فإن الدخول الى الأراضي اللبنانية من جديد سيكون هدفاً مطروحاً، ثم صار التلامذة أنفسهم أسياد البحر بضرب البارجة «الإسرائيلية» ساعر في عمق البحر خلال حرب تموز وإبعادها عن الشواطئ اللبنانية. واليوم تلاميذ عماد وحلفاؤهم السوريون يدخلون من الباب العريض المجال الجوي ويحفظون الامن القومي المشترك هذه المرّة. نعم ربما صاروا اسياد «الجو» بعد أن التقطت «إسرائيل» انفاسها وصار الشك أقوى من يقين التفوق العسكري الجوي الذي ساد لعقود!
«إسرائيل» تتكبّل وتزداد القيود. وشهر شباط الذي حمل الكثير من دمشق لحظة اغتيال العماد، حمل منها مجدداً روحية الانتصار التي علّمها لتلامذته، فردّت دمشق التحية له بأكبر منها..