حرب في الفضاء… ساحة مواجهة مقبلة محتملة
تشتدّ المنافسة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في واشنطن، على خلفية الجدل المواكب لمذكرات لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، وسعي الديمقراطيين للردّ على ملخص مذكرة أعلن عنها قادة الحزب الجمهوري تثير الشبهة حول أداء مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل، على السواء، باستغلال القوانين السارية للحصول على إذن قضائي بمراقبة مواطن ما، وعدم الامتثال التامّ لشروطها.
في البعد الاستراتيجي العام، سيستعرض قسم التحليل احتمال نشوب حرب في الفضاء الخارجي، بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين على الطرف المقابل واللتين تحثان الخطى للحاق والتقدّم على منجزات التقنية الأميركية في الفضاء الخارجي، وتداعيات أيّ مواجهة محتملة في الفضاء على أميركا.
أميركا تنشط لعسكرة الفضاء
استعرضت مؤسسة هاريتاج الخطط الأميركية طويلة الأمد لاستثمار التفوق العسكري في مجالات شتى والتي كان لها «بعداً للأمن القومي منذ ما ينوف عن ثلاثة عقود». وشدّدت على أنّ تقنية الأقمار الإصطناعية رمت لتحقيق جملة أهداف منها «تبوّؤ موقع مرتفع متقدّم لمراقبة القوات العسكرية ومراكمة معلومات استخباراتية فضلاً عن تعزيز الهيبة الأميركية في الصراع الايديولوجي ابان الحرب الباردة». وأضافت أنّ جداراً سميكاً من السرية فرض على طبيعة عمل «أقمار الاستطلاع الأميركية» خلال الحرب الباردة وتلاشت بعض التصنيفات السرية منذ عام 1991 عقب انتشار صور فوتوغرافية التقطتها أقمار اصطناعية لمجريات حرب الخليج وانتشارها بشكل واسع.
مؤشر القوة العسكرية الأميركية
أكدت مؤسسة هاريتاج، في مساهمة أخرى، على المهام المنوطة بالقوات العسكرية الأميركية التي تتجاوز المألوف في «الدفاع عن البلاد.. بل مهمتها الأساسية هي إتاحة الفرصة للقادة السياسيين فرض قراراتهم بشكل مباشر» على خصوم الولايات المتحدة. واستطردت أنّ تحقيق ذلك يستدعي «استخدام القوة العسكرية للاتساق مع المصالح القومية الحيوية بالتصدّي للتهديدات الماثلة وفي سياق أرسال الرسائل المطلوبة للآخرين». وأوضحت أنّ المتغيّرات في «ساحات العمليات وحجم التهديدات ونشر القوات العسكرية الأميركية» تخضع لمراجعة مستمرة لتلائم السياسات الدفاعية وحجم الاستثمارات».
تناولت مؤسسة هاريتاج، ايضاً وثيقة الإدارة الأميركية «استعراض الموقف النووي، وما رافقها من نسج أساطير حول «نشوب حرب نووية احتكرت التغطية الإعلامية»، وفق وصف المؤسسة. وأوضحت أنّ الوثيقة جاءت ثمرة مراجعات مستفيضة «للتطورات الدولية الخطرة مثل عودة روسيا للمسرح الدولي والتهديد الذي تمثله الصين على وضعية القوات النووية الأميركية». وشدّدت على أنّ المقترحات والتوصيات المتضمنة في الوثيقة «أن تمّت ترجمتها فستؤدي إلى مستقبل عالمي أكثر أمناً».
أعرب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عن اعتقادة بأنّ الوثيقة النووية المذكورة «هي الأطول تمهيدياً في تاريخ استعراض وضعية القوات النووية.. بل جاءت مطابقة للنسخة المسرّبة لوسائل الإعلام الشهر الماضي». وأضاف أنّ الوثيقة مليئة بالمفارقات استناداً إلى ردود الأفعال الأولية إذ «تفتح الباب مشرعاً أمام نشوب حرب نووية أو إغلاقه ترفع سقف الأسلحة النووية وفي نفس الوقت تخفضه.. تجنح بعيداً في الإيحاء بنهج تصعيدي مع روسيا والصين، وفي نفس الآونة لا تذهب بعيداً كما يجب» في التفاصيل.
استهلّ معهد كارنيغي استعراض وثيقة «استراتيجية الأمن القومي» المعلن عنها نهاية العام الماضي برصد سيل من الانتقادات التي اعتبرتها انتقاصاً من التشديد على «القضايا الحاسمة.. كدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارج». واستشهد المعهد بانتقادات وجهتها مستشارة الأمن القومي السابق، سوزان رايس، إذ تضمّنت «قصوراً في تضمين مصطلح حقوق الإنسان» إضافة لهيئة تحرير يومية «واشنطن بوست» التي اعتبرت الوثيقة «خالية من أيّ التزامات لنشر الديمقراطية وحقوق الانسان»، والتي لا ينبغي التغاضي عنها.
سورية
اعتبر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية انقضاء عام 2017 بأنه أرسى «تحوّلاً هاماً» في الحرب على سورية تمثل «بطرد داعش من عاصمة خلافته في الرقة.. واستعادة الرئيس بشار الأسد مناطق سكنية أساسية ومواقع استراتيجية في وسط البلاد وعلى ساحلها، والتمدّد الى الحدود الشرقية لتيسير سبل الاتصالات واللوجستيات للميليشيات المؤيدة لإيران». واستطرد بالقول انّ المحصلة العامة لتلك الإنجازات «لا تزال غير حاسمة.. إذ أنّ بسط الأمن في المناطق المحرّرة من داعش يستند إلى آلية الحكم واستعادة عمل الخدمات العامة». وحذر المركز من تداعيات التدخل التركي في مناطق يقطنها سوريون أكراد والذين «قد يلجأون الى الابتعاد عن الانخراط بمهام مكافحة الإرهاب وبسط الاستقرار لمواجهة تركيا، حليفة الولايات المتحدة».
دشن إطلاق الاتحاد السوفياتي لقمر «سبوتنيك»، 1957، بدء مرحلة مواجهة بين القوّتين العظميين، في ساحة جديدة، تستخدم للأغراض العسكرية بالدرجة الأولى. وانضمّت الصين مؤخراً الى نادي «استعمار الفضاء» بإرسالها قمر «جاوفن 4»، في كانون الأول/ ديسمبر 2015. وبالرغم من احتراق «سبوتنيك» بعد نحو شهرين من إطلاقه إلا أنه كان الشرارة التي أطلقت المنافسة والسباق المحموم بين القوى الدولية، برزت فيها الولايات المتحدة في المرتبة الأولى يليها الاتحاد السوفياتي سابقاً ، ثم تبادلا الموقع الأوّل لفترة قريبة.
المواجهة في الفضاء تستدعي توفر أسلحة متطوّرة تمكّنها من العمل خارج المجال الجوي للكرة الأرضية، وما يرافقها من تصاعد منسوب التعقيدات التقنية مقارنة بالأسلحة الأرضية المنصوبة جواً وبراً وبحراً ويلقي بعض الضوء على اشتداد المنافسة الدولية مؤخراً بانضمام اليابان والهند وربما إيران.
إطلاق شركة «سبايس إكس»، الأميركية مؤخراً صاروخاً هو الأحدث والأقوى في عِلم الفضاء فالكون هيفي أعاد الحيوية لجدل استغلال الفضاء لأغراض عسكرية، لا سيما لميزته الفريدة في وضع حمولة يصل وزنها إلى 70 طناً في مدار قريب من الأرض لأول مرة مما يعادل ضعفي الحمولة المتوفرة راهناً في أسطول «دلتا 4» الأميركي.
رئيس شركة «سبايس إكس»، ايلون ماسك، أفصح عن نواياه الخاصة ولخدمة الاستراتيجية الأميركية عقب الإطلاق الناجح بالقول «نحن بحاجة لرسم سباق في الفضاء. السباقات هذه مثيرة.. الصاروخ فالكون هيفي باستطاعته إطلاق وتوجيه الحمولة مباشرة لكوكب بلوتو وما بعده، دون توقف». كما أنه منكبّ على تصميم صاروخ أكبر حجماً وقدرة تحميلية أكبر، بيغ فالكون، ينطلق للقمر أو كوكب المريخ في المدى المنظور.
وعليه، فإنّ تزايد الاهتمام بشمل الفضاء الخارجي لأغراض عسكرية، خاصة أنّ سبايس إكس حققت انجازاً معتبراً بكلفة ضئيلة نسبياً لما هو الحال في برنامج الفضاء الأميركي، ويعزز طموحاتها للتعاقد مع القوات المسلحة الأميركية حمل وإطلاق تقنية متطورة في الفضاء الخارجي.
من نافل القول انّ المدارات المنخفضة حول الكرة الأرضية تعجّ بالأجسام الاصطناعية بما فيها أقمار متعدّدة المهامّ، عسكرية ومدنية فضلاً عن اجسام أخرى تسبح في الفضاء كنفايات من مخلفات بشرية استنفذت عمرها الافتراضي.
صرح مكتب الأمم المتحدة للفضاء الخارجي، المختص بتتبّع ومراقبة ما تطلقه الدول المتعدّدة في مدارات الأرض، بأنّ عدد الأقمار الإصطناعية العاملة حاليا آب/ أغسطس 2017 تبلغ 738 مملوكة لعدة دول، بينما بلغ مجموع ما أطلق في الفضاء الخارجي نحو7.900 «جسم» متنوّع.
بيد أنّ بيانات الهيئة الأميركية المرموقة، إتحاد العلماء المهنيين Union of Concerned Scientists، أشارت مؤخراً إلى أنّ إجمالي عدد الأقمار الإصطناعية الموجودة في مداراتها المختلفة بلغت 1.419 قمراً من بينها 146 قمراً للأغراض العسكرية الصرفة.
توزيع الأقمار العاملة في الفضاء، وفق بيانات مكتب الأمم المتحدة، تشير إلى أن الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى بنحو 803 قمر متعدد المهام، تليها الصين بمعدل 204، وفي المرتبة الثالثة جاءت روسيا بمعدل 142.
قوانين الفيزياء في حرب الفضاء
من الثابت انّ الحروب الحديثة تخاض في عمق وسقف ارتفاع محدودين، بضع مئات الأمتار من قاع البحار إلى علوّ يبلغ نحو 12 كلم. أما حروب الفضاء المرتقبة فقد تجري في مدارات بارتفاع أدناه يبلغ 160 كلم عن سطح البحر، وأقصاه 42 ألف كيلو متر، لأقمار الاتصالات في مدار متزامن مع مدار الأرض. يشار إلى أنّ محطة الفضاء الدولية تحلق على ارتفاع يبلغ نحو 400 كلم عن سطح الكرة الأرضية.
إطلاق قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض يتطلب قوة دفع وطاقة عالية تصل إلى 24000 كلم/ الساعة، والتي تقترب من الطاقة المطلوبة لإطلاق صواريخ باليستية. بيد أنّ بلوغ المدارات الأرضية الأعلى يتطلب قدراً أكبر من الطاقة المولدة للوصول إلى الهدف.
واستناداً إلى ذلك فإنّ الأسلحة المطلوبة لمهام اصطياد الأقمار الإصطناعية تتطلب توليد طاقة عالية مشابهة. باستطاعة طائرة تحلق على ارتفاعات عالية، مثلاً، تحمل صواريخ معينة اطلاقها على قمر إصطناعي يحلق في مدار منخفض بيد أنّ إنتاج سلاح مضادّ للأقمار من شأنه الوصول لأقمار الاتصالات التي تدور بالتزامن مع كوكب الأرض ينبغي أن يتوفر لديه طاقة أعلى وحجم مناسب.
التقنيات الحديثة تنطوي على مواطن ضعف هيكلية، ومنها الأقمار الإصطناعية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة بشكل واسع للملاحة الجوية، مدنية وعسكرية، ولأهداف استخباراتية.
القيادات العسكرية الأميركية تدقّ ناقوس الخطر من تطوّر الصناعات المماثلة في كل من روسيا والصين، واللتين اعتبرهما قائد سلاح الجو الأميركي، جون هايتن، منخرطة في إنتاج أسلحة تعمل في الفضاء الخارجي وتشكلان «تحدّياً ناشئاً» للوجود الأميركي في الفضاء الخارجي. وأوضح أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ مؤخراً أنّ البنتاغون تضاعف جهودها للتصدّي للخطر مؤكداً أنه «ينبغي علينا الانطلاق بثبات لتطوير سبل للردّ على التحديات الآتية من الصين وروسيا.. وإنه لأمر بديهي أن نسارع الخطى في طبيعة ردّنا».
في وقت متزامن، استعرض معهد أمن أميركا الجديدة نقاط الضعف للتقنية الأميركية في الفضاء الخارجي، وطالب بإجراء مراجعة استراتيجية لتوفير الحماية الضرورية والإعداد للمواجهة هناك. وأوضح أنّ كلّ من الصين وروسيا استطاعت تحديد مدى إعتماد الولايات المتحدة على «مواردها الفضائية»، كعب أخيل بالنسبة إليها، وباشرتا العمل على إيجاد سبل وموارد لتحييدها ومواجهتها.
تسخير الفضاء كساحة حرب ومواجهة ينطوي على الأخذ بعين الاعتبار الرقعة «الفضائية» الشاسعة مما يستوجب على الصين وروسيا تطوير وإنتاج أسلحة مضادة للأقمار الإصطناعية كفيلة بتحييد والتغلب على الأسطول الأميركي في الفضاء الخارجي، تتضمّن نماذج متعدّدة من الصواريخ وتسخير الفضاء الإلكتروني لذات الغرض أيضاً.
ما يتوفر من بيانات في هذا الشأن يشير الى تعدّد الوسائل وتطوّرها بالتدريج، بدءاً بالأسهل اقتراب مركبة فضائية من القمر الهدف ورش مادة طلاء على أجهزة الاستشعار البصرية أو نزع هوائيات الإتصالات من على متنها يدوياً أو التحكم بسيره المداري لتحييده. سلاح شعاع الليزر، متوفر لدى كافة الأطراف، أيضاً يمكن استخدامه لتعطيل عمل القمر أو الحاق ضرر دائم ببعض مكوّناته خاصة أجهزة الإستشعار الدقيقة، واعتراض الاتصالات عبر تسليط موجات الراديو أو أشعّة المايكروويف ضدّ الهدف من مكان ثابت على سطح الأرض.
أسلحة الفضاء
تجمع النخب العلمية على أنّ روسيا تحظى بأكبر عدد من الأسلحة المتطوّرة المضادة لنظم الأقمار الإصطناعية بدءاً من عقد السبعينيات من القرن الماضي بإنتاج مدفع رشاش اوتوماتيكي عيار 23 ملم نُصب على متن مركبة ألماز الفضائية. أفادت المواصفات المتوفرة آنذاك أنّ المدفع باستطاعته تدمير أقمار اصطناعية بنجاح وكذلك تدمير المكوك الفضائي الأميركي.
استطاعت روسيا الاتحاد السوفياتي تطوير نموذج سلاح اعتراضي أكثر تطوّراً من سلفه ألماز بعد عقد من الزمن، بداية الثمانينيات من القرن الماضي، يُدار من محطة أرضية ثابتة برأس حربي يحمل كرويات رصاصية يصيب الهدف كما هي الحال مع بندقية الصيد. يصل مدى دقة إصابة السلاح إلى 4.800 كلم، لكن تصميمه أخذ بعين الاعتبار استخدامه في المدارات الأرضية المنخفضة باستهداف أقمار التجسّس التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية.
التطوّر السوفياتي/ الروسي واكبه عزم القيادة العسكرية الأميركية على مجاراته بقدرات أكبر، وعمد سلاحها الجوي على استخدام مقاتلة حربية من طراز أف – 15 لإطلاق صاروخ دمّر قمراً أميركياً معطلاً في المدار المنخفض. وفي عام 2008، قام سلاح البحرية الأميركي بإطلاق صاروخ باليستي من على فرقاطة حربية لإسقاط قمر معطل للأغراض العسكرية، قبل وقت قصير من دخوله المجال الجوي.
أما روسيا في الألفية الثالثة فقد تمّ رصد إطلاقها حمولة «غامضة» على متن مركبة تجارية تحمل قمر إصطناعي، تمّ رصدها من قبل أجهزة رادار سلاح الجو الأميركي موضحاً أنّ «جسماً صغير الحجم» إنطلق بعيداً عن الصاروخ الداعم وما لبث أن عاد محلقاً في مداره المحدّد. وألقى سلاح الجو عليه تسمية «كوزموس 2491، 2499, 2504».
ويرجّح قيام الجانب الأميركي إطلاق سلاح سري مضاد للأقمار الإصطناعية على متن مركبة فضائية «سرية إكس 37»، ويخضع ذلك البرنامج لسيطرة سلاح الجو.
كما تتعزّز التكهنات حول إطلاق الولايات المتحدة أقماراً احتياطية بديلة بشكل سري تتخذ شكل النفايات الفضائية، وتفعيلها عند الضرورة.
التقدّم العلمي المتسارع للجانبين، الأميركي والروسي، يدلّ على قيامهما بتسخير تقنية شعاع الليزر لتدمير أقمار أو إصابتها بالعمى، تطلق من مسافات بعيدة. وتمّ رصد أجراء أبحاث على سلاح ليزري ينصب على طائرة تحلق على ارتفاعات عالية لدرء تأثير المجال الجوي على الشعاع.
تقنية شعاع الليزر لا تزال في بداياتها ومحفوفة بالمخاطر والصعاب، لا سيما عند الأخذ بعين الإعتبار استخدام مادة طلاء عاكس للضوء على جسم القمر مما يحصّنه ضدّ هجوم بالليزر الذي يتطلب توليد طاقة عالية.
رؤيا الحرب الفضائية
باستطاعة المرء التكهّن بطبيعة الحرب الفضائية التي قد تتمّ على نطاق شبيه بالهجوم الياباني على «بيرل هاربر»، بحيث تشنّ الصين أو روسيا هجوماً شاملاً ضدّ أسطول الفضاء الأميركي، أو بعضاً منه كي يتمّ احتواء ردّ فعل أميركي محتوم.
من الثابت أنّ أيّ هجوم يشنّ في المدار الأرضي المنخفض باستطاعته «إلحاق العمى» بوسائل التجسّس الأميركية لمراقبة التحركات العسكرية أو الصواريخ الباليستية. بيد أنّ الترسانة الأميركية لديها طائرات استطلاع تحلق على ارتفاعات عالية باستطاعتها تعويض النقص التقني مؤقتاً. في تلك الأثناء من العمى التقني، ستتمتع الصين أو روسيا بميزة أجدى نفعاً. والهدف الأميركي الآخر هو إلحاق الضرر بالأقمار ونظم تحديد المواقع العالمية والتي تحلق على ارتفاعات شاهقة تصل إلى 19.000 كلم.
في هذا الصدد، يعزى لدى بعض الخبراء حادث اصدام لسفن البحرية الأميركية مؤخراً إلى هجوم إلكتروني على نظم الملاحة على متنها وليس لعامل أو خطأ بشري، مما يدلّ على فرط اعتماد كافة أفرع القوات المسلحة، سلاح الجو والجيش وسلاح المدفعية، على تلك النظم في تحركاتها المتعدّدة حول العالم.
المجتمع المدني الأميركي ايضاً يعتمد على تلك النظم لتحديد تحركات مرافقه المتعدّدة، لا سيما في شبكات المواصلات وما سيتركه من تداعيات على البنى التحتية في حال تمّ استهدافها.
من شأن هجوم يستهدف أقمار الإتصالات الأميركية إعاقة عمل نظام «السيطرة والتحكم»، الذي يعتبر الأفضل في العالم، ويؤدّي إلى عدم إحاطة القيادات الأميركية المختلفة بحقيقة ما يجري في الميدان وشلّ قدرة التحكم بتوجيه قوات لساحات معينة فضلاً عما سيخلفه من فوضى في القطاعات المدنية: المعاملات المالية وبطاقات الإئتمان وتوقف الحسابات المصرفية عن العمل، عدا عن أجهزة الهواتف المحمولة.
يجري الإعداد لتلك الاحتمالات على قدم وساق، بتصدّر سلاح الجو الأميركي تلك الجهود وتعزيز الخيارات والمرونة العملية للخدمات المتعددة لفترة تمتدّ على سنوات عدة. الأمر الذي انعكس في بنود الميزانية المقترحة لعام 2019 المقدمة للكونغرس.
من بينها، شراء سلاح الجو لأقمار إصطناعية أصغر حجماً وأقلّ كلفة مهمتها كشف محاولات إطلاق أسلحة معادية، وتحصين البيانات ووسائل الإتصالات، ومراكمة المعلومات الإستخباراتية. الهدف الرئيس لذلك التوجه هو إيجاد بدائل للأجهزة والمعدات العملاقة في حال تعرضها الى ضرر.
من بين البدائل الأخرى، تدرس قيادة القوات الفضائية إطلاق أقمار إصطناعية تبعد خمس مرات عن مدار الأرض المستخدم حالياً، وتعزيز قدرتها على المناورة مما يتطلب توفير مصادر طاقة عالية إضافية للوصول إلى تلك المدارات البعيدة واستهدافها، وما سينتج عنها من سدّ نقاط الضعف أمام روسيا والصين في هذا المضمار.
في الشقّ العملياتي، مشاريع طموحة لأقمار إصطناعية بمواصفات متطوّرة يستغرق تطبيقها نحو عقد من الزمن، ونحو خمس سنوات إضافية من تجارب واختبارات قبل اعتمادها في ترسانة سلاح الجو. وعليه، فإن المدى المنظور لذلك الطموح الأميركي يستدعي إدامة الإعتماد على الأسطول الراهن ومشتقاته والصمود بوجه حرب فضائية محتملة.
نشرة دورية تصدر عن وحدة «رصد النخب الفكرية» في مركز الدراسات الأميركية والعربية.