تيلرسون يربط النزاع ويرحل… والسفيران الروسي والسوري: تراجع احتمالات الحرب الحريري يقدّم مشروعه الانتخابي اليوم… والسيد نصرالله الجمعة لمشهدَيْن محلّي وإقليمي
كتب المحرّر السياسي
حملت الخطوات التي بدأها المبعوث الأممي الخاص إلى سورية تحت شعار الجمع بين مساري سوتشي وجنيف من بوابة تشكيل اللجنة الخاصة بالدستور، تساؤلات كبيرة حول النيات المبيّتة لدي ميستورا بنصب كمين يستهدف الانقلاب على المسارين معاً، لصالح تعويم مضمون وثيقة الخمسة التي أعلنتها واشنطن بالشراكة مع باريس ولندن والرياض وعمان، عبر جعل رئاسته للجنة ومنحها صلاحيات وضع دستور جديد، بحيث ينتقل عملياً الملف الدستوري من صفة كونه ملفاً سورياً ـ سورياً، وحصر دور الأمم المتحدة بالمساعدة في الحوار وتقريب الآراء لا الوصاية، لتنتقل الخلاصات إلى الأطر التي يعتمدها الدستور السوري لإدخال تعديلات عليه وفقاً لمسار يترجم نهايات الحلّ السياسي، لتصير سورية عملياً تحت انتداب غير معلن ينزع سيادتها، وينقل مهمة وضع دستور جديد من السوريين إلى الأمم المتحدة، كما نصّت وثيقة الخمسة.
الخارجية السورية سارعت لتسجيل رفضها لصيغة دي ميستورا وإعلان تمسّكها بما تمّ إقراره في سوتشي عبر تصويت المشاركين، والذي لا يمنح دي ميستورا صفة رئاسة لجنة الحوار، ولا يفوّض اللجنة بوضع دستور جديد بل بمناقشة الملف الدستوري، باعتبار مهمة وضع دستور جديد وفقاً للقرار 2254 عائدة للحكومة المنبثقة عن الحلّ السياسي، واعتبار هذا الدستور خلاصة توافق سوري ـ سوري. والخطير هنا هو في الاستدلال الذي تقدّمه خطوة دي ميستورا المشبوهة على كيف سيتمّ التعامل مع ملف الانتخابات عند فتحه كملف موازٍ للحوار السوري ـ السوري، فيقدّم صيغة متمّمة لما بدأه مع الدستور بجعلها تحت انتداب أممي، بدلاً من أن يكون الدور الأممي مساعداً لهيئات سيادية سورية.
على خلفية هذا التصعيد السياسي، الذي حاول تعويض الفشل في التصعيد العسكري الذي أسقط الفرصة التي كان ينتظرها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لزياراته في المنطقة، تحوّلت زيارة تيلرسون إلى مشروع ربط نزاع من دون التقدّم بمشاريع حلول، وطرح معادلات التهديد التي بشّر بها موفده دايفيد ساترفيلد، بقوله للرؤساء الثلاثة في لبنان، إما أن تقبلوا التقاسم مع «إسرائيل» في منتصف الحقوق أو تحمّلوا نتائج تصعيد تنوي «إسرائيل» القيام به. وتحت عنوان مواجهة التهديدات بالثبات على التمسك بالحقوق كانت نتائج الاجتماعات الرئاسية والمواقف الحكومية، هي الحاضرة في رسم موقف لبنان، وقد منحته القدرة السورية على ردع الاعتداءات «الإسرائيلية» مزيداً من الثقة بأنّ «إسرائيل» قد تلقت رسالة قوية تحدّ من فعالية قدرتها على ترجمة تهديداتها، مع تكامل موقف لبنان وقدراته التي تتمثل بما يمكن لثنائية الجيش والمقاومة فعلها بدعم شعبي وسياسي.
تراجع مخاطر التصعيد ترجمه كلام السفيرين الروسي والسوري في لبنان في حوار تلفزيوني، حيث توافقا على الثقة بأنّ إسقاط سورية لطائرة «أف 16» «الإسرائيلية»، أضعف فرص الحرب ومخاطرها، ولم يزد من احتمالاتها كما يفترض البعض. وفيما أكد السفير السوري علي عبد الكريم علي الطبيعة السيادية للقرار السوري المدعوم كما دائماً من الحلفاء، قال السفير الروسي ألكسندر زاسيبكين إنّ موسكو تدعم الممارسة السيادية للدولة السورية وترى في ما فعلته «إسرائيل» عدواناً على السيادة السورية والردّ على العدوان دفاع مشروع عن النفس.
لبنان المنشغل بما سيحمله تيلرسون، يستعدّ لملاقاة الاستحقاق الانتخابي، الذي ستكون مضامينه السياسية وتحالفاته موضع ترقب في مضمون الكلمة التي سيلقيها رئيس الحكومة سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، وكذلك في طبيعة المشاركين ومستوى المشاركة والحشود ومكوّناتها بينما ستكون كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعد غد الجمعة في ذكرى القادة الشهداء مناسبة لرسم صورة جديدة للمشهدَيْن الإقليمي والمحلي سواء في ضوء إسقاط الدفاعات السورية للطائرة «الإسرائيلية» وصيغة معادلة الردع الجديدة وقواعد الاشتباك التي سيعتمدها محور المقاومة، خصوصاً تجاه التمادي «الإسرائيلي» في انتهاك الأجواء اللبنانية والسورية، وهذا ما سينتظر سماعه الأميركيون و»الإسرائيليون»، ومن جهة مقابلة ما سيقوله السيد نصرالله حول الداخل اللبناني والعملية الانتخابية المرتقبة، وما بينهما زيارة تيلرسون ومهمة ساترفيلد، وما تسرّب عن مشاريع مقايضة أميركية عُرِضَت على لبنان، النفط مقابل المقاومة.
إسقاط الـ«أف – 16» قرار سوريّ
أكد السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسيبكين أن ردة الفعل السورية على العدوان «الإسرائيلي» الذي استهدف سورية طبيعية ولا تحتاج الدولة السورية الى إذن من روسيا لردع هذا العدوان، وأوضح أن «ما قامت به سورية يندرج في إطار الدفاع المشروع عن النفس ومن الحقوق السيادية السورية».
وأشار زاسيبكين الى أن «الدور الروسي في سورية يأتي في إطار مكافحة الإرهاب والتنسيق مستمر بين الدولتين الروسية والسورية لتحقيق هذا الهدف والقضاء على الإرهاب على كامل الجغرافيا السورية»، أما الصراع مع «إسرائيل» فـ»القرار بالمواجهة يعود لسورية ولمحور المقاومة»، وانتقد السفير الروسي الدور «الإسرائيلي» في سورية الذي يأتي تحت عنوان لجم التمدّد الإيراني في سورية، مجدّداً التأكيد بأن روسيا لم تتدخل بقرار سورية إسقاط الطائرة «الإسرائيلية».
بدوره جزم السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي أن إسقاط الطائرة «الإسرائيلية»f16 هو قرار سوري بامتياز وأن سورية تملك إرادة الرد والمواجهة.
وفي حوار مع برنامج «الدبلوماسية» على قناة «أو تي في» جمع السفيرين الروسي والسوري في السفارة السورية في لبنان، ويُبث اليوم العاشرة والنصف مساءً على شاشة «أو تي في»، شدّد عبد الكريم علي على «وجود قرار لدى القيادة والجيش والشعب في سورية بالردّ على أيّ عدوان «إسرائيلي»، وإذ لفت الى أن سورية تضع الاحتمالات كافة ومستعدة لأي حرب مقبلة، استبعد عبد الكريم علي في المقابل أن «تذهب إسرائيل للحرب وهي غير مستعدّة لخوضها والتي ستشعل المنطقة برمّتها ولا تستطيع تحمل تبعاتها ونتائجها، فضلاً عن أن لا مصلحة أميركية في هذه الحرب».
ترقبٌ داخلي لزيارة تيلرسون
في وقتٍ رفع لبنان سقف مواقفه في مواجهة التهديدات «الإسرائيلية» والمتمسكة بحقوقه البرية والبحرية عشية زيارة وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون الذي يصل غداً الخميس الى بيروت، في إطار زيارة يقوم بها الى المنطقة، تترقب الأوساط الرسمية ما سيحمله تيلرسون من ملفات خلال مباحثاته مع الرؤساء الثلاثة والمسؤولين اللبنانيين.
ويطرح تيلرسون بحسب معلومات «البناء» مسألة الجدار الفاصل الذي تنوي «إسرائيل» بناءه على الشريط الحدودي مع لبنان، الى جانب الملف النفطي وتحديداً في البلوك 9 الذي أعلن لبنان أنه يقع داخل المياه الإقليمية اللبنانية فيما يدّعي كيان الاحتلال امتلاكه. كما سيطرح رئيس الدبلوماسية الأميركية مسألة حزب الله وسلاحه والعقوبات المالية على الحزب، كما سيتطرّق الى الاستحقاق الانتخابي. وقالت مصادر مطلعة لــ «البناء» إن «تيلرسون سيلتقي معظم أطراف ما تبقى من 14 آذار وسيبلغهم ضرورة توحيد صفوفهم في تحالف انتخابي موحّد لمواجهة حزب الله وفريقه السياسي ومنعه من السيطرة على البرلمان من خلال حصد حصة وازنة ومقرّرة في المجلس النيابي». كما لفتت المصادر الى أن «تيلرسون سيكرر تحريضه على حزب الله ويواصل مسلسل الضغوط الأميركية على الحزب على صعيد دوره العسكري في سورية وسلاحه في جنوب لبنان وسيطالب الحكومة اللبنانية التشدّد بتطبيق قانون العقوبات الأميركية على الحزب».
وشدّدت المصادر على أن «لبنان لن يخضع للابتزاز والضغوط الأميركية والتهديد بالحرب للتنازل عن حقوقه في النفط والغاز ولا في أرضه، لكنّها تخوفت من أن «تحاول الولايات المتحدة عرقلة مسار التنقيب من خلال الضغط على الشركات بوسائلها الدولية القانونية والسياسية لدفعها لفض العقد مع لبنان».
الحريري وجنبلاط إلى التحالف انتخابياً
ووسط الانشغال المحلي بالتطورات الإقليمية، بدأت ملامح مشهد التحالفات الانتخابية بالتبلور، وقد زار رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط بيت الوسط أمس، والتقى رئيس الحكومة سعد الحريري وقد شكل الملف الانتخابي العنوان الأبرز في اللقاء، بحسب مصادر مطلعة لـ»البناء» التي أكدت أن «الأجواء كانت إيجابية والأمور ذاهبة الى التحالف الانتخابي بين المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي»، حيث استبقى الحريري جنبلاط على العشاء وتابعا الحديث عن الانتخابات والوضع الحكومي والوضع الإقليمي.
وأوضحت المصادر أن العلاقة بين الحريري وجنبلاط طبيعية وجيدة وستبقى هكذا الى ما بعد الانتخابات النيابية، كما أكدت أن علاقة الحريري مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري عادت الى طبيعتها بعد اللقاء الذي حصل بينهما أمس الأول.
وقد شدّد جنبلاط في تصريح له بعد اللقاء على ضرورة الحفاظ على الاستقرار الداخلي ، وقال «اليوم عشية 14 شباط الذي اغتيل فيه رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ولاحقاً كانت دوامة الدم التي ذهب ضحيتها خيرة الساسة والصحافيين والنواب ورجال الفكر، لكن إذا استعرضنا هذا الماضي المخيف نرى أننا صمدنا، ومع هذا كله شعار رئيس الحكومة سعد الحريري والذي هو شعار الاستقرار تغلّب على شعارات الفوضى وسرنا معه، صحيح أننا كنا نختلف لكن في النهاية شعار الاستقرار هو الذي يجب أن يبقى». ورأى أنه «لا بد في يوم ما أن تتحقق العدالة، لذلك هذه العلاقة وإن مرت ببعض التموجات تبقى علاقة ثابتة بأساسها مبنية على أرض صلبة. أرض الحرية والتنوع والاستقرار ولا بدّ أن يصل لبنان يوماً إلى السيادة الكاملة والاستقرار الكامل».
وكان الحريري قد أكد أن «تيار المستقبل سيكمل المشوار مع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ، لأن العلاقة السياسية والأهم العائلية بيننا وبينه هي علاقة تاريخية، بدأها رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وسيكملها سعد الحريري إن شاء الله مع وليد بك ومع أخي تيمور».
وخلال تسلّمه شعلة الوفاء لرفيق الحريري قدّمها له عداؤون من تيار المستقبل من منطقة إقليم الخروب، قال الحريري: «نحن ووليد بك سنكمل المشوار مع بعضنا البعض. صحيح أننا نختلف في بعض المواقف، ولكن هذا هو وليد بك، أليس كذلك. ورفيق الحريري أحبّ وليد بك منذ أن كان يتفق أو يختلف معه. ونحن سنستمر بهذه العلاقة».
وتحت سقف الاستقرار الذي تحدّث عنه جنبلاط يحيي تيار المستقبل اليوم الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد الرئيس الحريري ورفاقه في الرابعة عصراً في مجمّع «البيال»، تحت عنوان «المستقبل عنوان حماية لبنان».
وسيعلن رئيس المستقبل موقف «التيار» من الاستحقاقات المقبلة، لا سيما منها الانتخابات وسيشدد على المحافظة على الاستقرار والتمسّك بالتسوية الرئاسية القائمة وسيجدد التزام الحكومة بالنأي بالنفس.
.. وإطلالة لنصرالله بعد غدٍ
في المقابل تتجه الأنظار الى الضاحية الجنوبية، حيث يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عصر الجمعة المقبل في احتفال يقيمه حزب الله في ذكرى الشهداء القادة السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والقائد الجهادي عماد مغنية، حيث سيحدّد السيد نصرالله موقف الحزب من التطوّرات الأخيرة في سورية وإسقاط الطائرة «الإسرائيلية» وسيردّ على التهديدات «الإسرائيلية» للبنان وسيتناول زيارة وزير الخارجية الأميركي ومساعده للبنان، كما سيتطرق الى الملفات الداخلية وسيشدد على أهمية الحفاظ على الموقف الرسمي الموحّد والتوافق الرئاسي وتمسك لبنان بحقوقه وعلى الاستقرار الداخلي لإنجاز الاستحقاق النيابي.
جلسة حكومية في بعبدا غداً
ويعقد مجلس الوزراء جلسة عادية غداً في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على جدول أعمالها 66 بنداً. أبرزها بحسب معلومات «البناء»، تعيين سفراء غير مقيمين وبنودٌ عادية مالية وإدارية واقتصادية.
وطلب الرئيس عون من جمعية مصارف لبنان المحافظة على استمرارية العمل الاقتصادي، واستمرار التسليفات التي من شأنها ان تدعم الطبقة الوسطى في لبنان.
وخلال لقائه رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه على رأس وفد من الجمعية، أكد المجتمعون دور المصارف في المحافظة على الاستقرار المالي. كما تم التطرق الى الإجراءات التي تتخذها المصارف بالتنسيق مع مصرف لبنان، والتي كانت موضع بحث في زيارة نائب وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب مارشال بيلنغسلي. وأثار رئيس الجمعية واعضاء الوفد موضوع الرسوم المطروحة على القطاع المصرفي والازدواج الضريبي والرسوم على الفوائد، مشددين على اعتماد العدالة في تطبيق الضرائب. وتم بحث عدد من الاقتراحات التي وعد عون بدرسها مع المعنيين.
باسيل: لن ينتهي الإرهاب بلا عودة النازحين
الى ذلك عاد ملف النزوح السوري الى الواجهة، حيث أكد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ، في كلمة له خلال اجتماع دول التحالف ضدّ الإرهاب في الكويت ، أنّ «الإرهاب لن ينتهي ما لم تفتحوا طريق عودة النازحين الكريمة والآمنة إلى بلادهم».
وشدّد باسيل على أنّ «الإرهاب سيبقى يهدّدنا ويهدّد بلدانكم عبر بحرنا المتوسط ما لم تقتنعوا أنّ الاندماج لا يصحّ عندما يكون جماعيّاً إلا بعودة تأقلم شعب مع ظروف بلده الجديدة وليس باندماجه في بلدٍ غير بلده، سيبقى الإرهاب قائماً ما لم يعد النازحون إلى بلدانهم».