نصرالله: فاوضوا من موقع «القوة».. ونتنياهو إلى البيت الأبيض
روزانا رمّال
غادر وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بيروت من دون أن تغادر معه ملفات بعث مساعده دايفيد ساترفيلد لأجلها وكلها تحتاج إجابات واضحة، يسعى ساترفيلد الى التوصل الى خلاصات واضحة بشأنها قبل اجتماعاته المقرّرة بالمسؤولين الاسرائيليين في الساعات المقبلة. وبين هذه الملفات ما هو اكثرها حساسية والذي بنى الأميركيون على أساسها الخطة الدفاعية الجديدة التي أطلقها مايك بنس منذ أسابيع وجلها يعتمد على مبدأ التفوق مجدداً وعدم إفساح المجال لمشاركة قوى عظمى بمفاصل استراتيجية من المحطات الدولية وهي روسيا والصين حسب الوثيقة الأميركية. وعلى أن الاستراتيجية الجديدة تحتاج الى موارد وبيانات واضحة للتطبيق فإن أسباباً كثيرة يجب ان تتوضح قبل المباشرة بالتطبيق، فهل يمكن للأميركيين البقاء بالمنطقة فعلاً ووفق أي منظور؟ كيف يمكن اعتبار الخطوة الجديدة التي يبتغي ترامب تحويلها واقعاً في تعزيز حضور بلاده مجدداً في المنطقة طرحاً حيوياً بعد أن أسهبت الادارة السابقة بالشرح حول مخاطر خوض الحروب وتكاليف دفعتها واشنطن في حربي العراق وأفغانستان صار يستوجب ضبطها بالانسحاب الذي كان متوقعاً وصار تمديداً إضافياً للقوات الأميركية مع توسع جديد وصل الى سورية؟
رجل الاعمال دونالد ترامب المحاط في ادارته بمجموعة من رجال أعمال أتوا لاستجرار موارد تنقذ الاقتصاد الأميركي بينهم ريكس تيلرسون وغيره من رجال الأعمال النافذين يجد في المنطقة من السعودية فالعراق واليمن وسورية واليوم لبنان البيضة «الذهبية» القادرة على تحسين أوضاع الاقتصاد الأميركي والبناء عليها دورة جديدة تضمن فوزه مجدداً لأربع سنوات مقبلة.
الثقل الأساسي الذي يقع على عاتق ترامب هو في هذه السنوات الاولى من عهده، ففيها ترسم كل آفاق هذا التطوير وتنفيذ الخطط وفيها يرسم الفشل أيضاً وعلى هذا الأساس فإن حملة المليارات التي بدأ بها من السعودية مستمرّة بأشكال أخرى من وسائل الاستيلاء على أموال العرب ومواردهم.
الأميركيون الذين كانوا يعلنون الرغبة بالانسحاب من المنطقة مدّدوا إقامتهم فيها بعد أن تبين لهم ان الصراع على الثروات النفطية بحراً وبراً هو الصراع الذي دخلت عليه روسيا، وبعد أن تبين أنها ثروة هائلة تسمع للأميركيين باتخاذ قرار من هذا النوع، وإلا لما كانت المخاطرة ولا التدخل على خط الصراع اللبناني «الاسرائيلي» في ترسيم الحدود البحرية ومن دون اعتبارات سيادية. فإن اعتبار واشنطن الأساسي يتعلّق بقدرة موسكو على التفرّد بالسيطرة على المنافذ البحرية في كل مرة يتعزز دورها بسورية وأحد أسباب الاستنزاف في الشمال وإرباك المتحاورين من سوتشي لأستانة هو إطالة عمر الأزمة والتضييق من أماكن تحسم على روسيا الخسارة فمن يربح النفط يربح الحرب ومن يكسب البحر يكسب المفاوضات.
«اسرائيل» التي حرّكت الملف بتهويل على الشركات التي ترغب التلزيم لا تزال تحاول التوصل لحلول وسطية مع روسيا كطرف قادر على الفصل بالنزاع، فيما يبدو الأميركي أكثر تمسكاً بطرح احتمالات تنزع حق لبنان وتحرمه ثروته، فيما يتصاعد الخطر الذي يشكله الاتفاق بين قبرص والأميركيين. وهنا تصبح الأمور أعقد.
الحريري الذي التقى بالرئيس القبرصي قبل أشهر التقى بمسؤولين آخرين معنيين بالملف. وهذا يدل على ان هذه العقدة لم تبدأ من أسابيع بل من شهور وأن كواليس المحادثات تتمحور حول مسار ومصير الثروة النفطية. ومن غير المتوقع ان تصل طاولات التفاوض الى خواتيم واضحة بدون معرفة اتجاه المنطقة بملف الثورة النفطية: هل ستندلع مواجهات عسكرية؟ مَن سيغطيها وضمن أي محاذير؟
امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يدرك أن الضغط الذي سيتعرض له المسؤولون اللبنانيون كبير جداً وهو محاط باجواء اقليمية وافرة تجعل من ملف المواجهة بالنسبة للحزب أكثر وضوحاً. وعلى هذا الاساس شدد على اهمية ان تفاوض الدولة اللبنانية من موقع القوة وليس موقع التفاوض لاجتناب معركة لأن اسرائيل اليوم هي التي تستنجد وسطاء لإبعاد الملف عن الحرب قدر الإمكان بعد ان انكشف سلاحها الجوي وانكفأت الجيوش المقاتلة من الميادين عند أي استحقاق، وبالنسبة للمواجهة البحرية لم تكن حرب تموز سوى مؤشر واضح على إخفاق البحرية الإسرائيلية بحماية قطعها بوجه صواريخ صار بالتأكيد موضوع امتلاك حزب الله لأحدث منها محسوماً، وبالتالي فإن المقاومة التي قال نصرالله إنها وحدها القادرة على حماية هذا الحق هي وحدها مَن تحسب «اسرائيل» إمكانية ان تهزمها في المعركة النفطية.
مسألة هزيمة حزب الله بالمقابل انتخابياً هي أهم ما يمكن للأميركي أن يركّز عليه بالأشهر المقبلة مع العلم ان الافق مسدودة أمامه، لكن من جهة اخرى هناك ما يمكن العمل عليه، وهو فك الوحدة من حول حزب الله وصيغة التوافق التي تعتبر الأشد خطراً على أي قرار تفاوضي لبناني والحريري الذي راهنت عليه واشنطن أثبت أنه غير معني بالخروج عن الإجماع الوطني بهذا الملف.
ينصح نصرالله اللبنانيين بالتفاوض من موقع القوي. هذه القوة التي يبدو الرئيس ميشال عون أكثر من يقدر على ترجمتها في المحافل الدولية. ويصبح هنا السؤال جدياً في ما لو كان الرئيس الحالي في قصر بعبدا مسلوب الإرادة امام الأميركيين وتتوضح أكثر المعضلة الأميركية تجاه التعامل مع المسؤولين اللبنانيين من رأس الهرم الى اصغر موظف يحلم بتحسين الاقتصاد عبر هذه الفرصة التاريخية.
مستوى القلق البالغ يأخذ نتنياهو الى البيت الابيض الشهر المقبل لحسم المواجهة هذه المرة وأشكالها ليبنى على الشيء مقتضاه. وهي مواجهة بدأت إشاراتها السياسية بين المسؤولين اللبنانيين والأميركيين بوضوح.