معركة الوجود: أميركا وإيران في سورية
روزانا رمّال
كان أغلب الظن أن تنجح روسيا بإبعاد إيران عن الساحة السورية وتسلّم زمام الأمور لحظة اقتراب المعارك على نهايتها وبدء عملية التفاوض. وكان أغلب الظن أيضاً ان روسيا تستخدم القوة الإيرانية كقوة مكمّلة لقتال الإرهاب من دون ان تراعي مصالح إيران في سورية. وهو الأمر الذي ينفيه دبلوماسي روسي لـ «البناء» بجزمه أن روسيا تعمل في سورية على قاعدة حفظ مصالح حلفائها. الأمر نفسه ترجمته حادثة اسقاط المقاتلة الإسرائيلية الأميركية الصنع «اف 16» منذ أيام، حيث أكد الروس أن القرار سيادي سوري يقع ضمن واجب الدفاع عن النفس. وهو يفسّر أيضاً مراعاة روسيا مصالح حلفائها في الميدان السوري مع كل تداعياته وتطوراته.
حادثة إسقاط الطائرة الإسرائيلية لا تزال الأكثر حضوراً في الاروقة السياسية والعسكرية والتقارير الإسرائيلية. وبعد ان فُتح ملف النفط وتقاسم الحصة مع لبنان وكشفت سورية عن إمكانية اسقاط المقاتلات الإسرائيلية التي لن تستطيع حماية محطات التنقيب تغيّر كل شيء. وصارت الأمور أعقد بالنسبة لـ»إسرائيل»، لكن التوجّه نحو اتهام «إسرائيل» لإيران كان سريعاً جداً وكذلك تفادي اتهام روسيا بإسقاط الطائرة، رغم أن التحالف المتين في مجال السلاح، خصوصاً الدفاع الجوي لسورية هو مع روسيا وليس مع إيران، ذلك لأن أي تعريض لعلاقة «إسرائيل» بروسيا للخطر، يعني أن تنفرد إيران وسورية بإدارة العمليات العسكرية من دون قواعد ولا ضوابط ولا قيود. هذا بالإضافة الى اعتبار إسقاط الطائرة عملاً إرهابياً يختص بإيران وحلفائها، فكيف لروسيا الحليفة الاساسية لـ»إسرائيل» أن تستهدف رمز القتال الإسرائيلي والتفوق في المنطقة. وإذا كان هذا صحيحاً فإن هذا يعني قطع كل العلاقات المبنية على اساس إنشاء أرضية مفاوضة واضحة المعالم في المنطقة بين موسكو وتل أبيب.
لكن وبالرغم من كل هذا أيقنت «إسرائيل» ان روسيا لم تستطع، وربما لم ترغب أن تلعب دوراً مباشراً على صعيد تطمين «إسرائيل» حول وجود إيران في سورية. وهي تدرك أن وجود إيران مبني على اساس موافقة الدولة السورية تماماً كما هو الوجود الروسي على الارض السورية. وبالتالي فإن الضغط بهذا الاتجاه على الدولة السورية يشبه نسفاً لشراكة محور بأكمله ولاستراتيجية بُني على اساسها الأمن الحيوي لروسيا ومنطقة البحر المتوسط. وبهذا صار واضحاً عند الأميركيين والإسرائيليين أن مسألة الوجود الإيراني هي المعضلة التي ستواجه الحلف الأميركي في سورية والتي ستجبر واشنطن على الانسحاب مباشرة أو الطلب من حلفائها الاتراك الانسحاب قبل أي حديث عن خروج إيراني. وهذا ما لن تقوم به واشنطن على أساس ان هذا سيكون مؤشراً كبيراً على التفوق الإيراني في سورية والعجز الأميركي المقابل.
يزور نتنياهو واشنطن قريباً وهو يحمل للبيت الابيض طروحات تطلب إجابات سريعة باتجاه التمدد الإيراني الذي صار أقرب الى الحدود مع إسرائيل مع تهديد بإمكانية أن تنتقل المواجهة الى داخل إيران، كما صرح نتنياهو بالأمس، معتبراً إيران خطراً على السلم الدولي وشاركه وزير الخارجية السعودية عادل الجبير ليس فقط مواجهة الحلفاء أي حزب الله وسورية.
وفي الوقت الذي يهدّد نتنياهو فيه إيران ويخلق نوعاً جديداً من الصراع وهو مسألة «الوجود في سورية» سارعت واشنطن الى الأعلان ان مسالة بقائها في المنطقة صارت محسومة بلسان دايفد ماتيس وزير الدفاع. فكان الرد الإيراني على لسان مستشار السيد علي خامنئي علي اكبر ولايتي أن إيران لن تسمح بالانتشار الأميركي شرق الفرات. وهو كلام يعني نسف معادلة البقاء في المنطقة ولو طالت بنية إيرانية واضحة وربما رسالة لإعادة واشنطن النظر حول البقاء في سورية.
معركة الوجود في سورية صارت أميركية – إيرانية وصار أكيداً بعد كل التجارب والأحداث بدراسة الموقف الروسي وإمكانية التأثير في هذا الملف أن الخلاف المصطنع بين إيران وروسيا أو بالأحرى المختلق، لم يكن سوى إحدى وسائل الضغط لإحداث خلل في العلاقة قادر أن يجعل الوجود الروسي مرهوناً بخروج إيران من أكثر من نقطة. وهذا ما لم يحصل ولو مرة واحدة. وبالعودة للهاجس الإسرائيلي ومسألة الجنوب السوري وهي أكثر ما يعني «إسرائيل» فإن الحديث ازداد تعقيداً بعد أن صار السلاح المتطور بيد سورية وحزب الله قادراً على اختراق المنظومة الأمنية الإسرائيلية من دون الحاجة للاستعانة بإيران.
ربما تكون المرة الأولى التي يقف فيها الأميركيون والإسرائيليون امام خيارات معقدة تتعلق بمهابة الدولة العظمى التي تتجه نحو إعلان القدس عاصمة إسرائيلية ونقل السفارة اليها، بدون ان تحسم مسألة القدرة على حماية وجودها وقواعدها في سورية وفي العراق. وبالتالي حماية «إسرائيل» فيما لو تطور المشهد مع الفلسطينيين، وربما هي الفترة الأكثر حساسية في عمر الصراع بعد أن صارت المعادلة وجودية عند الأميركي نفسه بعد أن كانت إسرائيلية بحتة.