وما قيمة الكلام؟ فالسيادة أفعال
ناصر قنديل
– تحت هذا العنوان يرد الكثير من المواقف التي تستهتر بالمواقف السياسية التي ترد في معرض الدفاع عن السيادة بوجه ما تتعرّض له من انتهاك. ففي لبنان كما في سورية سجال لا يتوقف حول مفهوم صيانة السيادة، وها هم دعاة حزب السعودية في لبنان ومحازبوها ووسائل إعلامها يتحدّثون علناً عن تشاور مع السعودية في شأن سياديّ صاف لا مجال للتشارك مع غير اللبنانيين فيه هو الانتخابات النيابية، ويضربون عرض الحائط بنص القانون الذي صاغوه وصوّتوا عليه، وهو يحرّم تحريماً كاملاً، كلّ تلقّ لمال من غير لبناني. وهم يقولون في منابرهم العلنية إنّ التمويل السعودي للانتخابات ينتظر نتائج جولة الموفد السعودي وزيارة رئيس الحكومة إلى السعودية.
– في سورية، وحتى تاريخ إسقاط الدفاعات الجوية السورية لطائرة الـ أف16 الإسرائيلية بالدفاعات الجوية السورية وتاريخ انتشار القوات الشعبية شبه الحكومية في عفرين بوجه العدوان التركي، وإعلان تشكيل فصائل المقاومة الشعبية السورية في الرقة ودير الزور بوجه الاحتلال الأميركي، ونحن نسمع معزوفة متصلة تنتقد المواقف السورية الرسمية التي تصرّ على وصف كلّ عمل عسكري إسرائيلي أو أميركي أو تركي بصفته عداوناً على السيادة، ومبرّر الانتقاد أنّ الكلام بلا قيمة ما لم تسنده الأفعال، والقيمة أولاً وأخيراً هي للفعل لا للقول.
– في لبنان يقول البعض إنّ التدخلات قائمة ومعلومة والتمويل حاصل، ومعلوم المصادر على ضفتي التنافس الانتخابي. وهو ليس لبنانياً فلماذا تفتعلون قضية من الكلام، اللعب على المكشوف أفضل من التستر على ما نعلم أنه حقيقة. ويذهب هؤلاء لتسخيف كلّ انتقاد للكلام العلني عن التمويل السعودي وعن التدخّل السعودي، وربما يعتبره البعض فضيلة غداً ويقول على الأقلّ جماعة السعودية يتكلّمون بينما جماعة إيران لا يتكلمون.
– القضية هنا هي غاية في الخطورة، لأنها تتصل بتشريع الفعل، فالكلام الرسمي والعلني هو مصدر الشرعية التي تنالها الأفعال. فالعدوان التركي إذا وصف من الحكومة السورية بالعمل العسكري صار شرعياً، والاحتلال التركي والأميركي إذا وصف بالوجود صار شرعياً، والشرعية أصل التأسيس في قانونية الفعل. فمناهضة العدوان ومقاومة الاحتلال تبدآن من التوصيف القانوني والتوصيف كلام، ومهما طال الوقت اللازم لبدء الفعل فيجب أن يبقى ما هو غير شرعي غير شرعي، حتى تتوافر ظروف وشروط إزالته. والتوصيف الذي ينزع الشرعية عن الانتشار الاحتلالي والعمل العدواني هو الذي يمنح الشرعية للمقاومة.
– القضية في لبنان مشابهة، ففعل التدخّل في الانتخابات وتمويلها من الخارج منافٍ للقانون وانتهاك للسيادة، مهما كان مصدره وأياً كان الفاعل، لكن المجاهرة بذلك هي فعل أشدّ خطورة، لأنها محاولة تشريع هذا الانتهاك، ودعوة للرأي العام لتقبّل هذا الانتهاك وتخفيف وطأة الشعور بالمهانة الوطنية مع حدوثه وتكرار الحدوث وتراكم الكلام. فيصير التطبيع مع الفعل المشين بالكلام الشائن، وكلّ منهما بذاته انتهاك للسيادة وانتهاك للقانون ولعلّ الكلام أخطر من الفعل هنا، لأنه مصدر شرعية شعبية وسياسية.
– يكفي القول في هذه الحالة إذا ارتكبتم المعاصي فاستتروا ، وليبقَ توصيف المعصية معصية والخطيئة خطيئة، والمخالفة مخالفة، حتى لو تكون الظروف مهيأة لإيقافها والأخذ على يد مرتكبيها.
– السيادة أفعال يشرعنها الكلام، وانتهاك السيادة أفعال يُسقط شرعيتها ويمهّد لمقاومتها كلام آخر.