التعنت الأميركي يرفع من جهوزية النووي الروسي
سماهر الخطيب
تتجه روسيا نحو تغييرات عميقة في عقيدتها الدفاعية، بعدما اعتبرتها الولايات المتحدة الخطر الرئيس، في إعلانها عن استراتيجيتها الدفاعية للعام 2018.
ما استلزم ذلك زيادة الميزانية العسكرية والتوجه نحو التفوق العسكري الذي طالما توجّس منه البنتاغون وكان في مرمى زيادة الميزانية الدفاعية له بحجة مواجهة ذاك التطور، بالإضافة إلى انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة ABM الموقعة عليها مع الاتحاد السوفياتي ورفضها المقترحات الروسية كافة لتسوية قضية منظومة الدرع الصاروخية. وكذلك محاولاتها في تجاوز معاهدة سارت.
كأننا بتنا اليوم في إعادة لسيناريو سباق التسلّح إنما بصيغة مغايرة عبر افتعال بؤر الصراع وتأجيجها تبعاً للمصالح المتنافسة في سياق هجوم منسق على الغلاف الجيوبولوتيكي لكلتا الدولتين.
إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس، أنّ «روسيا تقوم بتطوير أنظمة أسلحة استراتيجية» هو رد على «انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من معاهدة الدفاع الصاروخي المضاد ونشرها عناصر منظومة الدرع الصاروخية على الأراضي الأميركية وفي أوروبا وفي المياه بالقرب من السواحل الروسية، بالإضافة إلى خططها لنشر صواريخ في اليابان وكوريا الجنوبية».
وفي سياق برنامج الناتو لتقاسم الأسلحة النووية نشرت واشنطن ما يفوق 200 من القنابل النووية الأميركية «بي 61»، في ألمانيا وبلجيكا وإيطاليا وهولندا وتركيا ودول أوروبية أخرى. وهذا ما تعتبره موسكو تهديداً لأمنها القومي.
ففي أوكرانيا مثلاً حيث باتت صواريخ وأسلحة وجنود الناتو على الحدود في مسعى لحصار عسكري يرافق الحصار الاقتصادي، بذلك لا تعود الحرب الباردة فقط، بل حرب نصف ساخنة. مقابل سورية كمثال.
هذه التطورات استحدثت عقيدة دفاعية جديدة، مترافقة مع عقيدة اقتصادية، تقوم على نمط الشراكات الدولية وتسريع الإطار الاقتصادي الدولي المنافس للغرب، كـ «بريكس»، والشراكة مع دول أخرى، إيران، مصر، وحتى السعودية وتركيا مؤخراً.
كما أنّ محاولة واشنطن دفع بحرب نووية ضدّ موسكو وتدريب حليفها الأوروبي على استخدام أسلحتها النووية، هو الدافع وراء تطوير روسيا لسلاحها النووي طالما أنّ «الردع النووي» هو الوسيلة الأنجح لمواجهة التهديدات وإلا فإن الدمار سيكون نهاية البشرية عن بكرة أبيها.
ويأتي كشف بوتين عن «تطوير بلاده صاروخاً باليستياً جديداً عابراً للقارات من الصعب على الأنظمة المضادة للصواريخ اعتراضه ويمكنه أن يصل إلى أي مكان في العالم تقريباً» رداً على تلك المحاولة واستكمالاً لسيناريو «الردع الجبولوتيكي – النووي».
حيث إنّ روسيا هي في المنطقة «الأوراسية» ما يعطيها ميزة دفاعية، في حين لا تتمتع القارة الأميركية الشمالية بتلك الميزة الدفاعية الأمر الذي سيعرضها لتصدّع إذا تلقت ضربة نووية روسية مضادة. وهذا ما يدفع واشنطن لاحتساب خطواتها وتفعيل براغمياتها بإثارة الخطر دون تحديد مكامنه الروسية وهو «التفوق التكنولوجي والعسكري».
رغم أنّ الأميركيين في الأيام السابقة حاولوا التقليل من أهمية العقيدة العسكرية الروسية التي «ستعتمد بدرجة أقل على الأسلحة النووية مقابل تطوير أسلحة غير استراتيجية»، معتبرينها مجرد «أقوال لا تعكس الأفعال». جاء إعلان بوتين أنّه «تمّ بنجاح إنهاء تجارب مجمعات صاروخية عابرة للقارات فوق صوتية لا مثيل لها في العالم» تأكيداً على أن «الأفعال تعكس الأقوال».
وقال بوتين «بدأنا بتطوير جيل جديد من الصواريخ. وقد باشرت وزارة الدفاع، في الوقت الحالي، بالاشتراك مع الشركات العاملة في مجال صناعة الصواريخ والفضاء، بالمرحلة النشطة من اختبارات منظومة الصواريخ الجديدة، المجهزة بصاروخ ثقيل عابر للقارات، وأطلق عليه اسم سارمات ».
كذلك، كشف بوتين أن «روسيا طوّرت رأساً حربياً نووياً صغيراً يمكن أن تحمله صواريخ كروز ولا يمكن للأنظمة المضادة للصواريخ أن تعترضه»، بالإضافة إلى «اختبارها غواصات آلية يمكن أن تحمل رؤوساً نووية وغير مأهولة مزوّدة بصواريخ طوربيد نووية يستحيل اكتشافها». كما بدأت روسيا بـ»تصميم أسلحة استراتيجية لا تتبع مساراً بالستياً»، وامتلاكها سلاحاً فرط صوتي، يمنحها تفوقاً جدياً.
وفيما يستعر التوهج الاستراتيجي الأميركي يرافقه لهيب التأهب الروسي لمواجهته، إذ تحدث الرئيس فلاديمير بوتين عن استعداد قواته المسلحة لكل شيء في مناسبات عديدة. إلا أنّ الرد أمس كان صارماً ومحدداً فإنّ «أيّ استخدام للأسلحة النووية ضد روسيا أو حلفائها ستراه كضربة تجاهها وسيكون الردّ سريعاً».
تصريحات بوتين أمس، بأنّ «روسيا لا تهدد أحداً ولا تخطط لاستخدام قدراتها العسكرية المتنامية للاعتداء على أحد». إنما هي تحثّ الغربيين على «التفاوض والإصغاء إلى التحذيرات الروسية»، بعد فشل العقوبات والقيود التي فرضت عليها، وكل محاولات الهادفة إلى ردع التطور الروسي، بما فيه التطور العسكري.
فهل ستبقي واشنطن على إعلانها «أن تحديث روسيا لإمكاناتها النووية يتحدث عن عزمها للعودة إلى مركز قوة عظمى» وموقفها الرافض لعالم متعدد الأقطاب متوجهة نحو الإخلال بميزان القوى الاستراتيجي في العالم، أم أنّ المنطقة برمّتها ستتجه نحو «سباق تسلح» حتى تدرك أميركا «التعددية القطبية»؟…