معادلة ابتزاز جديدة عرابتها الأمم المتحدة
سعد الله الخليل
بقي معبر مخيم الوافدين ستة أيام تحت رحمة قذائف الهاون، وسط استنفار الدولة السورية المتسلحة بقرار مجلس الأمن وإجماع دولي ودعم الدول الضامنة لوقف إطلاق النار، مع الفشل بإخراج مدني واحد من المعبر، باستثناء طفلين غامرا بحياتهما للوصول إلى المعبر وسقط والداهما أمام أعينهما شهيدين أثناء محاولة الوصول، ومعها سقطت كلّ المواثيق والأعراف وحتى أخلاقيات الحرب، التي لا يمكن أن تبرّر استهداف عائلة هاربة من الموت بالموت المجاني أمام أعين أطفالهما مع العجز التامّ بمنع نزيف الدم في الغوطة الشرقية. فما قيمة القرارات الدولية أمام روح إنسانية تهدر فقط لإصرار قاتل على المضيّ بلعبة الموت العبثي؟ سؤال بسيط لكنه في زمان الحرب شديد التعقيد.
في اليوم السابع للهدنة أعلن إرهابيّو الغوطة الشرقية نيتهم السماح للمدنيين الراغبين بالخروج من مناطق سيطرتهم إلى معبر مخيم الوافدين، وإنهاء حالة حضر التجوّل المفروضة من التنظيمات المسلحة من النصرة وأخواتها على الأهالي لمنعهم من مجرد التفكير بالمغادرة.
لم تصح الإنسانية في ضمير التنظيمات الإرهابية فجأة لتغيّر قرارها… ولن تصحو… فكان المقابل الاشتراط بدخول الدفعة الأولى من قافلة المساعدات الغذائية إلى دوما في الغوطة الشرقية، وبالفعل وصلت القافلة المكوّنة من 46 شاحنة يرأسها علي الزعتري منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية، لضمان وصولها وإدخالها مدينة دوما التي يسيطر عليها ما يسمّى «جيش الإسلام» الذي يمطر مدينة دمشق وريفها بالقذائف.
بعد ستة أيام من رفض الإرهابيين خروج المدنين واستهداف مدينة دمشق بالقذائف، سقط عملياً قرار مجلس الأمن 2401 الخاص بالهدنة، بسقوط الشقّ الأول من المادة الأولى بوقف العمليات العدائية، وبالتالي يأتي شرط إدخال المساعدات للسماح لهم بالمغادرة عملية ابتزاز للسلطات السورية وللطرف الروسي الضامن للدولة السورية، باعتبار أنّ إدخال المساعدات إجراء نصّ عليه القرار وبالتالي على الدولة السورية ضمان التطبيق، وإلا ستكون شريكةً في إسقاط القرار، من منطق أنّ المجموعات نسفت الجزء الأول من المادة والدولة أكملت عليها.
بالسماح لقافلة المساعدات الدخول إلى دوما تضرب الدولة السورية عصفورين بحجر، فتنزع مبرّرات نسف القرار الأممي، وتبقي الجماعات المسلحة ومن يدعمها في خانة معطلي القرارات الأممية من جهة، وتعتبرها فرصة مواتية لوصول القليل مما ستحمله القافلة من مساعدات للمدنيين القابعين تحت رحمة تلك التنظيمات المسلحة، رغم قناعتها التامة بأنّ ما سيصل للمدنيين جزء بسيط من حمولة الشاحنات، لتبقي تلك التنظيمات في مخازنها الجزء الأكبر من المساعدات، لضمان بيعها في سوق اقتصاد الحرب لتمويل معاركها، وفي تجارب الوعر في حمص وريف حماه العبر، وما كشفته مستودعات تلك التنظيمات قبل مغادرتها دروس لا تنسى في امتهان إذلال المدنيين بلقمة عيشهم.
عسكرياً وبعيداً عن هدنة الساعات الخمس والتي التزمت بها دمشق، ووقفت طواقمها الطبية بانتظار الخارجين من الغوطة الشرقية، وأمّنت مقرّات الإقامة المؤقتة لاستقبالهم دون أيّ التزام من التنظيمات المسلحة، فقد قطعت العملية العسكرية الواسعة التي أطلقها الجيش السوري في الغوطة الشرقية أشواطاً متقدّمة، بالسيطرة على ثلث الغوطة باستعادة حوالي 25 من الجيب الذي كان تحت سيطرة المجموعات المسلحة بالوصول حتى مشارف مسرابا، مقترباً من نقطة الالتقاء بالقوات التي تقدّمت من إدارة المركبات في حرستا غرباً لإكمال الطوق حول دوما، بعد سيطرتها على المنطقة الممتدة من جنوب بلدة الشيفونية وصولاً إلى شمال بلدة حوش الأشعري، بالسيطرة على بلدة النشابية وقرى ومزارع أوتايا وحوش الصالحية وحوش خرابو وحزرما وبيت نايم ومزارع العب وكتيبة الدفاع الجوي وفوج النقل بتقدمه على جبهات عدة، حيث باتت قوات الجيش على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات عن دوما أبرز مدن الغوطة الشرقية، وعلى أطراف بلدتي بيت سوى والأشعري بحسب تأكيد الإعلام الحربي، واعتراف فصائل «جيش الإسلام» بخسارتها لمناطق عدة أمام تقدّم الجيش السوري وتعهّدها باستعادة السيطرة على المواقع التي خسرتها في الغوطة الشرقية، في موقف لا تحسد عليه بعد أن بات الجيش على مسافة أقلّ من 4 كيلومترات فقط لتفصل القوات المتقدّمة من شرق القطاع الأوسط للغوطة، عن القوات التي تقدّمت من إدارة المركبات، لتقسم القوات بعد التلاقي الجيب الذي تتواجد فيه الميليشيات المسلحة إلى منطقة شمالية تضمّ دوما وحرستا وجنوبية تضمّ عربين وزملكا وجسرين وعين ترما في مسعى لفصل مدينتي دوما وحرستا.
على أبواب دوما وقفت الأمم المتحدة لإدخال قوافل مساعدات عنوانها العريض إنساني، حيث أعلنت أنها ستكفي سبعة وعشرين ألفاً وخمسمئة شخص من المدنيين، ولكن هل ستضمّن الأمم المتحدة ممثلة بشخص الزعتري وفريقه وصول المدنيين الراغبين بالخروج من الغوطة إلى المعبر، وتطبيق الشق الثاني من معادلة الأمر الواقع التي فرضتها التنظيمات الإرهابية وقوامها الغذاء مقابل أمن المدنين، وهي معادلة ابتزاز جديدة على الأرض السورية ستكون عرابتها الأمم المتحدة؟