النسيان مُنتج المجتمعات المُنكسرة.. ولن ننسى مجزرة بئر العبد 1985
هادي حسين
بين الحضور الفيزيائي والغياب الحضاري لأمتنا أستذكر كلمات الفيلسوف الألماني نيتشه، رغم أنّ قراءتي له كانت قبل ثماني سنوات تقريباً عندما كان يستوطنني هوس الأسماء الكبيرة والمصطلحات العجيبة ذات الصدى الرنان. غير أنّ غرفة في الدور السادس وسط بيروت جمعتني بكاتب وصحافي من جيل «الكبار» حملتني على أجنحة الكلمات إلى حيث حطّ العالمان العربي والإسلامي برحالهما على رُكام ما تبقى مما تركته الولايات المتحدة الأميركية ودول الاستعمار التي نهبت وسرقت وسلبت حتى معالم الهوية.
إنه الأستاذ إبراهيم الأمين. فالرجل خلطة فلسفية واقعية فريدة.
وبالعودة للفيلسوف الألماني، قال نيتشه: «إننا في حاجة إلى التاريخ، لأنّ الإنسان كائن تاريخي…».
السقوط في اللاتاريخ هو المحظور الذي تصيّد سُكان هذه البلاد والأمصار التي كانت في يومٍ من الأيام قلب الحضارة النابض، لكن البحث عن الاستمرار التاريخي والثقافي هو الذي شغل الإمام الخميني قائد الثورة الإسلامية في إيران بكلّ كيانه، الفقيه الثائر، المخلص لقضايا الأمة، وفلسطين.
نعم، في حاجة دائمة ومستمرة لاسترجاع الماضي، كي لا ننسى.
النسيان مُنتج المجتمعات المنكسرة. هو حيلة الجبناء، حيلة الكسالى الذين استسلموا لتدفق الزمن الأسود.
أما أمة الشهداء وحسن نصرالله ففي حالة استذكار دائم. حيث إنّ الاستذكار فعل مقاومة. مقاومة النسيان والغفلة. إنه التنبّه الدائم واليقظة لمخططات الاستكبار والإمبريالية.
صحيح، يجب أن لا ننسى الثامن من آذار/ مارس 1985، فظهيرة ذلك اليوم تشهد على بشاعة الوجه الداعشي للولايات المتحدة الأميركية.
تفجير بئر العبد، الذي كان يهدف لاغتيال الفقيه المقاوم السيد محمد حسين فضل الله، ثبت تورّط جهاز إحدى الدول العربية التي أخذت على عاتقها تقديم اعتماد مالي مفتوح، أما الاستخبارات الأميركية فكانت هي مَن خطط وجنّد وأشرف على التنفيذ لأهداف سياسية وأمنية غير بعيدة عن الانتقام للتفجيرات التي واجهت قوات المارينز عندما غزت بيروت بداية الثمانينيات.
فالسيد فضل الله الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام لقب الزعيم الروحي لحزب الله رغم نفيه لأيّ علاقة رسمية له بالحزب نجا من الانفجار، الذي راح ضحيته أكثر من ثمانين شخصاً، وأصاب ما يزيد على مئتين.
كاتب وباحث باكستاني