خطاب بوتين ولقاء ترامب ـ جونغ أون
ناصر قنديل
– ليس مهمّاً كيف تصوغ واشنطن تعاملها مع خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أعلن نهاية زمن التفرّد الأميركي بالقوة التقليدية والنووية، أو كيف ستسوّق لقاء القمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. وهي في الحالين ما يهمّها هو الفصل بين الحدثين أكثر مما يهمّها تصديق روايتها لكلّ منهما، ففي الشأن العسكري قالت وزارة الخارجية الأميركية، الخميس، إنّ خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يؤكد أنّ بلاده «تطوّر أسلحة مزعزعة للاستقرار، وهو ما يتعارض مع التزاماتها». وأوضحت المتحدثة باسم الوزارة هيزير ناورت، في مؤتمر صحافي، أنّ «بوتين أكد ما كانت تعلمه الحكومة الأميركية منذ زمن، إلاّ أنّ روسيا كانت تنفي ذلك، وهو قيامها بتطوير منظومات أسلحة مزعزعة للاستقرار لأكثر من 10 سنوات منتهكة بشكل مباشر التزاماتها الدولية» بينما قالت المتحدثة باسم البنتاغون، دانا وايت، خلال مؤتمر صحافي «لم نتفاجأ بهذه التصريحات، وعلى الشعب الأميركي أن يكون متأكداً من أننا جاهزون تماماً، ودفاعاتنا الصاروخية لا تستهدف روسيا». وبقي التهوين من قيمة كلام بوتين حتى اعترف نائب وزير الحرب الأميركي جون رود بأنّ الدفاع الصاروخي التابع لواشنطن غير قادر على مواجهة القوة الاستراتيجية لروسيا والصين، ورداً على سؤال لأعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في لجنة القوات المسلحة حول ما إذا كان نظام الدفاع الصاروخي الأميركي قادراً على مقاومة أحدث الأسلحة الروسية التي استعرضها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال رود: إنّ نظام الدفاع الصاروخي لبلاده غير مخصص لهذا الغرض، مشيراً الى أنّ «نظام الدفاع الصاروخي الأميركي بالشكل الذي تمّ تطويره ونشره في الوقت الحالي، لم تتح له الفرصة لإبطال الترسانة النووية الاستراتيجية لروسيا أو الصين».
– أما في الحدث المفاجئ، كما وصفه أركان إدارة ترامب، بالبدء بتنسيق لقاء قمة بين ترامب وكيم جونغ أون، فقد تفاوتت كلمات الأميركيين من لغة التعجرف لنائب الرئيس ولغة الواقعية مع بعض التعالي في كلام وزير الخارجية، وسط كلام له معنى صدر عن ترامب نفسه في اتصال بالرئيس الصيني. ففيما قال نائب الرئيس مايك بنس إنّ كوريا الشمالية تنهزم بسبب سياسة ترامب وتقبل الشروط الأميركية، من دون أن ينتبه أنه كان قبل أقلّ من شهر قد تحدّث عن خطة لعزل كوريا الشمالية بالتنسيق مع كوريا الجنوبية، بينما كانت كوريا الجنوبية تهندس مع روسيا والصين مشروع التسوية، لكن ريكس تيلرسون وزير الخارجية كان أشدّ واقعية، فقال إنه فوجئ بقبول ترامب عرض كيم جونغ أون للقاء القمة، بينما قال ترامب إنه فرح باللقاء لأنّ كوريا الشمالية مستعدّة لنزع سلاحها النووي، متوجّهاً بالشكر للصين على دورها في التمهيد لتسوية سلمية للملف النووي لكوريا الشمالية، لكن الأصل هو كيف ترتّب اللقاء، وهو ما يتجاهله الأميركيون إعلامياً، ففي 11 كانون الثاني، قبل شهرين قال بوتين عن رئيس كوريا الشمالية في لقاء مع رؤساء تحرير وسائل الإعلام «إنه رجل سياسي ماهر تماماً وناضج». وأضاف: «أعتقد أنّ السيد كيم جونغ أون فاز في هذه الجولة. لقد أتمّ مهمته الاستراتيجية: لديه سلاح نووي، صاروخ يصل مداه الإجمالي الى 13 ألف كلم يستطيع عملياً الوصول إلى أيّ مكان على الأرض، أيّ مكان في أراضي عدوّه المحتمل»، وتابع بوتين: «بالتأكيد، لديه مصلحة في تهدئة الوضع»، وتزامن كلام بوتين مع إعلان تجميد كوريا الشمالية لتجاربها الصاروخية والنووية بمناسبة دورة الألعاب الشتوية في كوريا الجنوبية، بينما أعلنت واشنطن بالتزامن إلغاء مناوراتها العسكرية مع كوريا الجنوبية لسبب نفسه، وقام رئيس مكتب الأمن القومي في كوريا الجنوبية بجولات مكوكية أفضت لترتيب قمة بين زعيمي الكوريتين في نهاية شهر نيسان، بترحيب صيني روسي، أعقبتها موافقة زعيم كوريا الشمالية على لقاء قمة مع الرئيس الأميركي تحت شعار قديم لكوريا الشمالية كانت ترفضه أميركا، وهو شبه جزيرة كورية خالية من السلاح النووي، بما يعني إخلاء واشنطن أسلحتها النووية من كوريا الجنوبية مقابل تخلّي كوريا الشمالية عن سلاحها النووي، وسحب واشنطن منظومة «ثاد» الصاروخية التي تنصبها في كوريا الجنوبية. وهي جميعها مطالب روسية صينية، والمفاجأة لم تغِب عن المسؤول الأمني الكوري الجنوبي شانغ وي يونغ لدى لقائه الرئيس الأميركي في البيت الأبيض أول أمس، وتلقيه الموافقة على القمة.
– التوازنات العالمية التي رسم صورتها خطاب بوتين، تلقّى ترجمتها في سلوك ترامب، وككلّ رئيس أميركي، ترامب يريد إنجازاً تاريخياً يُكتب له. وكما كان إنجاز باراك أوباما الملف النووي الإيراني الذي يصبّ ترامب جامّ غضبه عليه، يريد ترامب أن يكون إنجازه الملف النووي العسكري لكوريا الشمالية. وكوريا لم تكن يوماً هاوية تكديس ثروات شعبها وتعبه في صواريخ لن تُستَخدَم، بل سلكت هذا الطريق لانتزاع حق شعبها بالاعتراف بها دولة سيّدة ومستقلة تنفتح لها الأسواق وتُفتح لها السفارات، مقابل ضمان أمنها بإخلاء شبه الجزيرة الكورية، شمالاً وجنوباً من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل، وها هي تعرض القمة تحت هذا العنوان، فيقبل ترامب مفاجئاً وزير خارجيته، لأنّ المعادلات الدولية قالت له، إنّ أميركا صارت البلد الثاني في العالم في القوة العسكرية، وعليها أن تسارع في قبول المعروض عليها بوساطة روسية صينية، وأن تكتفي بالصراخ مع حلفائها المهزومين في ميادين القتال، خصوصاً في سورية، وتقبل حقيقة أنّ النصر سيُصنع ضدّهم وستقول لهم إنّ الحرب ليست ضمن أولوياتها. وها هي الغوطة تتكلّم كما تكلّمت حلب من قبل، وستقول عفرين والرقة وإدلب كلاماً مشابهاً وقريباً.