بين سقوط عفرين وتحرير الغوطة: مسارات الزمن المقبل…
زهير فياض
ما زال الحدث السوري في أصل الصورة نظراً لتداعياته وتأثيراته على كامل المشهد القومي، فالحرب الكونية التي خيضت ضدّ سورية لها أبعاد كبرى يتداخل فيها المحلي بالإقليمي بالدولي. ومع دخول الحرب عامها الثامن تتكشف أكثر فأكثر جوانب كانت خفية تجاوزت بأشواط ما كان متوقعاً، وتأكدت معها حقيقة الموقع الاستراتيجي لبلادنا، لهلالنا السوري الخصيب، ولمنطقتنا في حاضر العالم ومستقبله…
هذا «الفيلق الجغرافي» المتفجّر تاريخياً يكتب اليوم صفحةً جديدة من تاريخه، وهذا هو بالضبط، المغزى لكلّ هذا الكمّ الهائل من أحداث وتطوّرات وضغوط ومواقف وتدخلات تزدحم في هذه الرقعة الجغرافية، وفي المنطقة عينها التي كانت تسمّى تاريخياً بـ «العالم القديم»، والتي شكلت الأساس الحضاري لكلّ منظومة «الحضارة الإنسانية العالمية» بكلّ اتجاهاتها وألوانها ومضامينها…
ليس بسيطاً ما يجري، وليس صدفة هذا الاهتمام «النوعي» لقوى عالمية بالحرب في «الشام»، لأنّ المحصلة النهائية للصراع ستفرض نفسها على الأطراف كلّها، وستلزمها بقواعد جديدة في التفاعل السياسي الأمني الاقتصادي الثقافي على مستوى العالم كله…
المسألة «الاستراتيجية» أساسية، في فهم حقائق الصراع الجاري بكلّ تفاصيله ومجرياته، من العراق، إلى الشام، إلى لبنان، وصولاً إلى فلسطين نظراً للتشابكات الحاصلة في أواليات الصراع…
أين نحن الآن؟ في أيّ مرحلة؟ ما هي ملامح المرحلة؟ ما هي آفاقها؟ وما التحديات القائمة؟
طبعاً، لقد قطعت الأحداث والتطوّرات شوطاً كبيراً هاماً منذ انطلاقتها الى يومنا هذا. وهذه الأحداث رسمت خطاً بيانياً يؤشر بوضوح إلى مسارات حقيقية تتجه إليها الأمة بكلّ تلاوينها، وتسير باتجاهها المنطقة بأسرها…
تكاد اللحظة السياسية تُختصر اليوم في الشام في المسافة الواقعة بين متغيرين: تحرير الغوطة وسقوط عفرين. فتحرير الغوطة له دلالاته في إفشال أهداف الحرب على سورية، تأمين دمشق عاصمة المقاومة، تجاوز مرحلة إسقاط سورية باعتبارها قلعة من قلاع المقاومة في مواجهة أحلام السيطرة الاستعمارية على بلادنا، وفي مواجهة المخطّط الصهيوني الهادف الى تقسيم بلادنا وإغراقنا في صراعات عبثية تقضي على الهوية وأبعادها، على الكينونة الوطنية والقومية وحدودها، وعلى وجودنا الإنساني والحضاري وصورته المشرقة رغم كلّ المآسي والحروب التي مرّت وتمرّ على بلادنا ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. أما الحدث الثاني في عفرين والمتمثل في أحلام السيطرة التركية وسياسة القضم العثمانية، فهذا بحدّ ذاته يشكل تحدياً أساسياً من تحديات المستقبل، تحدّي رفض الوصايات الأجنبية التي تطلّ برأسها من كل حدب وصوب، تحدّي مواجهة الخطر الخارجي وتزخيم كلّ الجهود لاستعادة الحقوق السليبة في كيليكيا والاسكندرون وعفرين وفي كلّ ذرّة مغتصبة من ترابنا الوطني والقومي… اللحظة موجعة، ولكنّ المستقبل يرسمه الأحرار، والنصر قيد إرادة وفعل!
عميد الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي