هل سيكون العراق مسرح حرب أردوغان ضدّ حزب العمال الكردستاني؟
د. هدى رزق
احتفلت الصحف التركية بسقوط عفرين لتزامنها مع الذكرى 103 لانتصار العثمانيين في معركة جاليبولي خلال الحرب العالمية الأولى. قال أردوغان إنّ عفرين كانت مجرد «فاصلة» في معركة تركيا ضدّ المسلحين الأكراد. وقال إنه سيضيف المحطة الكاملة وسيستمرّ الآن في منبج وعين العرب وتل أبيض ورأس العين والقامشلي إلى أن يختفي الممرّ الإرهابي إلى شمال إقليم سنجار، حيث يتمركز مقاتلو حزب العمال الكردستاني.
التوغّل في عمق سورية قد يضع تركيا بالقرب من نحو 2000 عنصر من القوات الخاصة الأميركية، التي تتمركز قرب مدينة منبج. واجهت تركيا بالفعل انتقادات من حلفائها الغربيين لتجاهلها وقف إطلاق النار الذي أقرته الأمم المتحدة ليكون مرعيّ الإجراء في كلّ سورية الشهر الماضي. لكنها أصرّت على أنها لم تتخذ حتى أصغر خطوة من شأنها أن تؤدّي إلى مقتل أيّ من المدنيين!
يأتي كلام أردوغان بعد رحيل تيلرسون في الوقت الذي كانت فيه واشنطن وأنقرة في خضمّ محادثات لإنقاذ علاقتهما، لكن وزير خارجية تركيا أكد أنّ ما بين تركيا ووزير الخارجية المُقال ما ينطوي على انسحاب كامل لعناصر وحدات حماية الشعب من منبج التي تقطنها أغلبية عربية، ومن مجالسها العسكرية والحكومية، التي ستشرف عليها القوات الأميركية والتركية. لكن «قوات سورية الديمقراطية» بقيادة قوات حماية الشعب، نفت التوصل إلى أيّ اتفاق من هذا القبيل وأصرّت على أنها انسحبت من منبج منذ فترة طويلة. هذه التأكيدات كانت مدعومة من قبل متحدّث باسم مجلس منبج العسكري أنّ أفراد وحدات حماية الشعب قد غادروا البلدة بعد تحريرها من مقاتلي داعش في عام 2016. وأصرّ على أنّ القوات المحلية الموجودة الآن في منبج تتعاون بشكل وثيق مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، بما في ذلك الدوريات المشتركة. التي يقوم بها الفريقان.
رغم ذلك يستمرّ أردوغان في التهديد بإخراج وحدات حماية الشعب من منبج وتوسيع نطاق هذه العمليات حتى الحدود العراقية، وأوضح أحد قادة «قوات سورية الديمقراطية» أنّ الولايات المتحدة كانت دائماً تخبرهم أنّ عفرين ليست تحت سلطتها، ولكنها ستدافع عنهم في منبج. وهم ينتظرون إنْ كانت ستحترم كلمتها في حال هاجمت القوات التركية المنطقة. حديث أردوغان عن استعادة عفرين إلى «أصحابها الشرعيين» أثار مخاوف من أنّ أنقرة سوف تقوم بتغيير ديمغرافي لتخفيف السكان الأكراد على طول الحدود التركية. إذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن يشمل ذلك إعادة توطين الآلاف من العرب الذين نزحوا بسبب الحرب في سورية والتي مضى عليها سبع سنوات، والذين لجأوا إلى تركيا.
يمكن القول إنّ الكرد اليوم هم في حالة سيئة جداً، لذلك هم بحاجة لوضع كلّ قواتهم في مواجهة مع تركيا لمنع درع فرات جديد كالذي حصل في الباب وجرابلس، وليس في عفرين التي فقدت. وبعدما تركّزت الحملة على عفرين، في شمال سورية، واستهدفت وحدات حماية الشعب الكردية السورية، التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني، بدأت تلوح في الأفق العملية المشتركة مع الجيش العراقي ضدّ حزب العمال الكردستاني بعد اجتماع قيادتي الأركان التركية والعراقية في أوائل آذار/ مارس 2018، وكان أردوغان قد أشاد بنجاح الجيش العراقي ضدّ داعش واقترح على العبادي رئيس وزراء العراق خلال زيارة هذا الأخير إلى أنقرة التعاون لتطهير منطقة وجود حزب العمال الكردستاني في مناطق مثل قنديل وسنجار، وتجاوب معه العبادي.
كانت تركيا قد بدأت حشد القوات المسلحة التركية على الأراضي المتاخمة لشمال العراق بعد إقامة مناورة عسكرية مشتركة مع الجيش العراقي وبعد أن بلغ التقارب ذروته بإعلان تركيا عن قرض بقيمة 5 مليارات دولار لإعادة إعمار العراق بعد هزيمة داعش.
تحاول أنقرة الاستفادة من المشاعر القومية الواسعة التي أوجدتها حملة عفرين. إذ دعمت هذه العملية شعبية حزب العدالة والتنمية، بعد أن كانت قد انخفضت إلى 40 في المئة، وارتفعت إلى 55 في المئة عقب إطلاق عملية عفرين. ويرى 88 في المئة من الجمهور التركي انّ وحدات حماية الشعب هي امتداد لحزب العمال الكردستاني وتمثل تهديداً لتركيا، لكن لا يمكن توقع عملية في جبال قنديل ضدّ حزب العمال الكردستاني مباشرة بعد الانتخابات العراقية، لأنّ البرلمان العراقي الجديد سيعقد بعد الانتخابات وينشئ حكومة جديدة، وهذا سيستغرق بعض الوقت. أما رئيس الوزراء العبادي المقرّب من الولايات المتحدة لا يمكن أن يتصرّف من دون ان يحصل على ضوء أخضر منها.
وبما أنّ هناك تعاوناً بين الجيش التركي والجيش العراقي، والجيشان يجريان تمارين مشتركة. سيكون من الممكن للجيشين التعاون من أجل عملية مشتركة في شمال العراق. لأنّ الحكومة العراقية غير راضية عن الوجود الكردي في تلك المنطقة خوفاً من أن تصبح سنجار قنديل جديدة.
تسعى تركيا بعد عفرين إلى وضع يدها على منبج في سورية وسنجار في العراق، وإلا فهي ستعتبر انّ عمليتها ستكون غير مكتملة، لذلك لا يمكنها انتظار الحكومة العراقية الجديدة وقد تذهب بمفردها بعد الاتفاق مع العراق. يرى أردوغان أنّ عملية في شمال العراق ستكون مفيدة له في انتخابات 2019، لذا يرى انّ الحرب يجب ان تستمرّ حتى الانتخابات. علاوة على ذلك، فإنّ عملية في شمال العراق قد تكون في يد الحكومة اليوم.