الغوطة الشرقية كشفت المستور: تورُّط أوروبي فطُرد دبلوماسيون روس
روزانا رمّال
عندما قرّرت روسيا التدخل للقتال في سورية واضعة نصب عينها ضخّ ثقل عسكري روسي لأول مرة الى المنطقة بشكل مفاجئ، كانت تدرك أن الحرب على دمشق هي بوابة الحرب على روسيا وأنها كانت مستهدفة عبر إخضاع حلفائها لتصل النيران الى عقر دارها، بحيث لم يردع احد الارهاب من ضرب العمق الروسي مرة واثنتين وعشرين وشيئاً لم يردع الأميركيين من التدخل بالانتخابات الروسية في وثائق كشفت دور وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بدور قاطع فيها هدّد بوتين على أساسها من تماديها أكثر فيها. وعندما هاجم العالم سورية كان يعرف المسؤولين الروس أنهم مستهدَفُون بالدرجة الأولى لإخراجهم من المنطقة، فتضعف قدرات سورية من ورائها إيران ويتعرّى هذا الحلف بالكامل.. أما في ليبيا فإن الوجود الروسي الذي تمّ التخلص منه منذ بدايات الحرب كان نقطة التحوّل نحو مراجعة روسية في سورية فكان ما كان..
موجة طرد الدبلوماسيين الروس في الدول الغربية تأتي ضمن استكمال تلك الحرب، في وقت تؤكد مصادر روسية أن ما جرى كان متوقعاً وأن فصول مواجهة روسيا هي ردّ على إحرازها تقدماً في أكثر من ملف بمواجهة الأميركيين. من جهته قال وزير الخارجية الفرنسي إن طرد الدبلوماسيين الروس رفضاً لاستخدام سلاح كيميائي في أوروبا، تماماً كما المسؤولين الأميركيين الذين يؤكدون ان السبب «الرئيس» لطرد الدبلوماسيين الروس هو قتل الجاسوس الروسي المزدوج «سكريبال» وابنته. أما موجة المقاطعة، فصارت حصيلتها غربياً طرد الدبلوماسيين الروس من 14 دولة تابعة للاتحاد الأوروبي في أكبر أزمة منذ ضم جزيرة القرم، في طليعة الدول المقاطعة بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا والمانيا، لاتفيا وبولندا وأوكرانيا والدنمارك و..
التزامن بين حسم الغوطة الشرقية والإعلان عن قضية التسميم والرد السريع عليها، وربط مسألة التسميم بدعم روسيا للسلاح الكيميائي في سورية أو بالأحرى دعم النظام الذي يستخدم الكيميائي والزعم بقتله شعبه يؤكد أن معركة الغوطة الشرقية كانت توازي بالنسبة للغرب إعلان انتصار أو انكسار الأسد نظراً لما تشكله من أمن وأمان للعاصمة دمشق، وهي عاصمة النظام التي صارت اليوم بتحرير أغلب الغوطة أكثر أماناً وقوة ليُعاد مشهد الطلعات الجوية الإسرائيلية ودعمها المعارضة المسلحة في محيط دمشق وتعرّضها للانتقادات من دون أن تأبه بذلك، الى الأذهان لتأكيد مصيرية هذه المعركة.
لكن الأهم من كل ذلك ما تؤكده مصادر عسكرية متابعة لـ «البناء» عن كشف دور أوروبي كبير في دعم المسلحين بالغوطة وتورّط ضباط رفيعي المستوى بهذا، بينهم فرنسيون وعن احتجاز عناصر تبين أنهم كانوا تحت العين الروسية منذ زمن. وهذه الخسارة في الغوطة تعني بالنسبة للأميركيين والأروبيين اقتراب إقفال الملف السوري لصالح روسيا وحلفائها. ما يعني أن موسكو ستتوجّه الى طاولة المفاوضات بأوراق قوية جداً صار مطلوباً على اساسها كسرها وكسر هيبتها وعزلها دبلوماسياً واقتصادياً بسلسلة عقوبات بعد العجز عن مواجهتها عسكرياً، وذلك من أجل تقديم التنازلات القادرة على إحداث توازن واضح قبل أن تبدو روسيا أمسكت بمصير المنطقة وحجزت مصالح الغرب فيها ضمن فكي كماشة وصارت أمراً واقعاً.
مستوى وحجم الإجراءات تؤكد على أن شيئاً ما يتحضّر على صعيد ملفات المنطقة التي تعني روسيا مباشرة، أي الملف السوري الذي شاركت فيه كل هذه الدول تماماً، كما تدخّلت في ملف جزيرة القرم، وهو الأخطر بالنسبة للأوروبيين ومسألة الدرع الصاروخية لأن أي انتصار بهذا الحجم في سورية هو مزيد من القوة لموسكو في محيط الدول يُضاف اليها أن هذه الضغوط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأتي بعد فوزه الساحق الذي يتوّجه زعيماً هذه المرة بين شعبه وربما كانت كلها ضربات استباقية قبل إعلان النتيجة اللافتة كي يبدأ الشعب الروسي بالتململ وما مقاطعة المونديال إلا جزء من هذه الحملة لشيطنة روسيا ورئيسها.
طرد الدبلوماسيين اليوم يأتي في وقت يتهم العالم روسيا بدعم الرئيس السوري بشار الأسد في حربه المحلية التي يخوضها جيشه مع المسلحين المعارضين والإرهاب في وقت لم تطرد إحدى الدول أي دبلوماسي روسي بسبب اتهام الغرب للأسد بقتل الشعب السوري، كما ينادون دائماً. وهو ما يؤكد أن المسألة لا تتعلّق بمعادلة «قيم» واضحة بالنسبة للفريق الخصم أما الهجمة الكبيرة فتستحضر مقارنة مشروعة، يلفت فيها الى ان ما يتعرّض له الرئيس بوتين من ضغوط يشكّل بالوقت الراهن أكبر بكثير مما تعرّض له النظام الإيراني دبلوماسياً، بحيث لم يتمّ طرد ممثليه في الدول الغربية. مع العلم أنه متهم بما يُسمّى جماعات إرهابية أولها حزب الله، حسب تصنيف تلك الدول بل إن بريطانيا نفسها أعادت العلاقات مؤخراً مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والأخيرة صارت جاهزة لامتلاك قنبلة نووية بالمفهوم العلمي أو المقدرات المتاحة لهذا الامتلاك. وهذا سببٌ كافٍ للغيض الأميركي والأوروبي ولو أنه ليس انتهاكاً للقانون الدولي كما هي التهمة اليوم لروسيا بلسان تيريزا ماي وأدّت لطرد الدبلوماسيين الروس كرسالة لموسكو بالكفّ عن «انتهاكه».
بالمحصلة لائحة تقديمات ترامب للحصول على براءته محلياً صارت جاهزة، فبعد أن اتهم بأنه فاز بناء على تدخّل روسي بالانتخابات الرئاسية وعلى تهمة تواصل صهره مع سفير روسيا في واشنطن صار اليوم أكثر قدرة على إثبات انتصاره في هذا الملف بعد أن أخذ العلاقة مع روسيا إلى أسوأ أشكالها لكن روسيا وبين هذا وذاك ستردّ بالمثل بعد أيام.