العلاقة الروسية التركية إلى مزيد من التطوّر
د. هدى رزق
على الرغم من الجهود المبذولة في أستانة وسوتشي، لإحياء المفاوضات السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة في جنيف، فإنّ الوضع في سورية يوضح أنّ محادثات جنيف توقفت. وفي اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث روسيا وتركيا وإيران الضامنة لمناطق خفض التوتر شدّد لافروف على أنّ هذه المناطق قد تستمرّ.
عقدت موسكو محادثات مع الأردن الذي يدعم وجود معارضة معتدلة لإبعاد حلفاء سورية المقرّبين من إيران عن حدوده، وهو يعتبر أنه إذا توقفت مناطق التصعيد عن العمل، من المحتمل أن تقوم دمشق وطهران، بممارسة ضغوط مباشرة على الجبهة الجنوبية، وترى انّ استخدام الخلافات بين روسيا والولايات المتحدة. من شأنه أن يعقد الوضع السوري أكثر. لا سيما بعد قصف مدن عدة في محافظة درعا من قبل الجيش السوري وحلفائه في الأسابيع الماضية.
في هذه الأثناء تحوّل تركيا تركيزها من العمل كجزء من الثلاثي الروسي الإيراني في سورية الى محاربة حزب العمال الكردستاني في العراق. وهي تطالب الولايات المتحدة التعامل معها في المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية، علاوة على ذلك، فإنّ النقاش بين واشنطن وأنقرة حول انسحاب عناصر وحدات حماية الشعب الكردية من منبج جار بالفعل.
في هذه الظروف، تسعى روسيا وإيران إلى مواصلة تحفيز تركيا على مواصلة تعاونها من خلال منح أنقرة خيارات لحلّ مشكلتها الكردية في شرق سورية. لكن تركيا الطموحة تستغلّ هذه الحاجة لفرض أجندتها الخاصة، فهي أعلنت انّ قواتها وصلت الى تل رفعت فيما كشف أنّ القوات السورية النظامية قد انسحبت من البلدة. كذلك وحدات حماية الشعب لأنّ القوات التي تقودها تركيا ستصل الى قاعدة مينغ الجوية بالقرب من تل رفعت، بعد توصل الأتراك والروس إلى اتفاق على هذا الأمر. تسيطر روسيا على سماء عفرين وتل رفعت، وقد حلت القوة الجوية التركية بشكل حاسم التوازن ضدّ الأكراد بمساعدة القوة الجوية الروسية، وبذلك يكون وضع اليد على عفرين وتل رفعت ضربة للممرّ الكردي الذي يربط المناطق التي تسيطر عليها وحدات الحماية الكردية من شرق نهر الفرات الى عفرين.
تخطى تحالف روسيا مع تركيا الجهود المبذولة لمساعدة سورية على استعادة حلب والغوطة الشرقية والمعاقل الأخيرة المتبقية في إدلب. تتفق موسكو وأنقرة على استبعاد النفوذ الأميركي، الذي يعتمد على شراكة البنتاغون مع الأكراد السوريين. سلّمت روسيا هذه المنطقة إلى تركيا إذ تسيطر أنقرة الآن على جزء كبير من شمال حلب وترأس مجموعة من المعارضة الذين طلبت منهم التوقف عن قتال الرئيس الأسد والتفرّغ لقتال الأكراد على اعتبار أنهم الأعداء الحقيقيين لوحدة سورية وتركيا.
كما أنّ التهديدات التركية بشنّ الهجوم على سنجار قد دفعت الحكومة العراقية إلى الضغط على حزب العمال الكردستاني من أجل إعلان انسحابه من منطقة سنجار ذات الأغلبية الايزيدية التي تربط العراق بسورية، وهي تشكل خط إمداد تموين بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل المحاذية لإيران وحلفائهم في سورية. استبق العراقيون الهجوم التركي على سنجار فهم لا يريدون ايّ تدخل عسكري تركي على أراضيهم. تشعر إيران بالقلق بشكل متزايد من توسع تركيا العسكري في المنطقة، وهي ضدّ تعاون عسكري بين بغداد وانقرة. فيما حث الرئيس روحاني أنقرة على إنهاء عملياتها في سورية مع اندلاع الاحتجاجات ضدّ «عملية غصن الزيتون» بين السكان الأكراد في إيران.
وبخلاف علاقتها المتوترة مع واشنطن تتعمّق علاقة تركيا مع روسيا التي تحاول إدارة خلافاتها معها في سورية، وعلى تعميق العلاقات الاقتصادية. لا سيما مع شراء تركيا صواريخ «أس 400» الروسية، التي تسبّبت في حدوث انزعاج في واشنطن. كذلك يشترك البلدان في مشروعين كبيرين، الأول محطة نووية روسية الصنع في أكيو، في مقاطعة مرسين التركية، والثاني خط أنابيب الغاز من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود توركيش ستريم. حيث سيكون المصنع النووي الأول في تركيا. كما انّ موسكو مهتمّة بتطوير التعاون العسكري التقني مع أنقرة. وهذا أكبر مشروع مشترك يرمز إلى العلاقات الإستراتيجية بين روسيا وتركيا. وسيكلف حوالي 20 مليار دولار. ولا يزال المسؤولون الأتراك يقولون إنه من المقرّر أن يدخل هذا المشروع الخدمة في عام 2023 ايّ في الذكرى المئوية للجمهورية التركية… تركيا تعتمد بشكل كبير على موسكو لتشغيل المصنع، حيث ستقوم روسيا بتدريب الموظفين وتزويد الوقود النووي. لذا على الرغم من أنّ العلاقة بين روسيا وتركيا قد لا تكون تحالفاً حقيقياً، لكنهما ستصبحان مقرّبتين، الأمر الذي سيوفر لموسكو منافع جيوسياسية قوية.