رسالة تركيا لروسيا: «فتح الله غولن»

روزانا رمّال

في الوقت الذي يتكاتف العالم لإدانة روسيا وتشويه التزامها بشرعة حقوق الإنسان تطلق انقرة موقفاً باتجاه روسيا لافتاً بهذا التوقيت، وفي الوقت الذي يصعّد الرئيس الأميركي حملته بوجه موسكو من جهة ويعلن نية بلاده الانسحاب من سورية تتقدم انقرة نحو إشارات ورسائل توحي بنيات إيجابية تجاه المشاركة مع روسيا في المرحلة المقبلة. وهو ما يفسر إصدار السلطات التركية بهذا التوقيت مذكرات اعتقال بحق الداعية الإسلامي والسياسي التركي المعارض فتح الله غولن و7 من أعضاء تنظيمه في قضية اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف .

وسائل إعلام تركية، قالت إن «السلطات تعتبر غولن المشتبه الرئيسي في قضية اغتيال السفير الروسي في تركيا «. وهو ما يعني أن هذا توجه رسمي من رئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان المنتصر في عفرين، كما يُفترض بالحساب التركي بوجه الأكراد والأميركيين على حد سواء، ومن بين المطلوبين بموجب مذكرات الاعتقال إلى جانب غولن، اثنان من القياديين في تنظيمه هما، شريف علي تيكالان، وإيمري أوسلو غولن، إذ يرجّح التحرّي أن الاغتيال تمّ بناء على أوامر منهم.

بالعودة إلى حادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا فإن المتهم فتح الله غولن المنفي لسنوات في الولايات المتحدة الأميركية هو أبرز المتهمين أيضاً بالانقلاب الذي جرى في منتصف تموز عام 2016 في تركيا والذي كاد يطيح بحكم الرئيس أردوغان لولا اليقظة الروسية الإيرانية، كما تكشّفت المعلومات والاخبار الذي توافرت للقوى الامنية المحيطة بجهاز أمن الرئيس أردوغان وكان لوزير خارجية إيران محمد جواد ظريف كلام مباشر في هذا الاطار. وكل هذا كان من المفترض ان يكون نقطة التقارب الروسية التركية ليأتي اغتيال السفير ليوقع في هذه العلاقة كما يرغب أردوغان اليوم الإيحاء.

المعارض التركي فتح الله غولن المقرب من الخليج والأميركيين والذي يبدو أنه يتم استغلال معارضته لأردوغان لتوظيف غايات خصوم تركيا الإقليميين هو أكثر الجهات التي يرغب أردوغان بتقويضها في البلاد، خصوصاً بعد أن كشفت محاولة الانقلاب العسكرية عن نفوذ كبير لهذا المعارض وعن ارتباطات قادرة على إخضاع البلاد لسيطرة مؤيديه في الداخل الذين كانوا يحتلون وظائف كثيرة داخل المؤسسات التركية العامة، إضافة الى المعارضين من حزب الشعب وغيرهم مما يشكل مجموع كتلة قادرة على الإطاحة بأردوغان فيصبح التخلص من هذا الاسم او الرأس المدبر للانقلاب واجباً محلياً. اما بالنظر لتوقيت هذا الحكم فتصبح الامور اوضح في هذه الايام.

تدخل سورية منعطفاً جديداً لصالح الحكم الذي يشغله الرئيس السوري بشار الاسد الذي كان مهدّداً بالسقوط لأكثر من سبع سنوات وتقترب القضية السورية الى خواتيم أوضح مع تأمين محيط العاصمة السورية بتأمين استعادة الغوطة الشرقية لدمشق والتي شبّهها مصدر سياسي لـ «البناء» بسقوط جدار برلين وما يعنيه ذلك من استعادة القوة والنفوذ للحكم السوري، لكن بين هذا وذاك تحضر كلمات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومواقف الأمير محمد بن سلمان التي تؤكد على بقاء الأسد. وهي كلمات فيها ما يكفي من الاعتراف بسقوط مشروع غربي واضح الاتجاهات بسقوط الغوطة الشرقية نهائياً، وصار بالإمكان ربط الازمة الدبلوماسية الدولية مع روسيا بهذا التقدم لجهة النظام بمساعدة روسية تبين على أساسها ارتباط روسيا بكشف مصير ضباط بريطانيين وفرنسيين متورطين في أحداث محيطة بالعاصمة دمشق كانوا ينتقلون منها وإليها لادارة العمليات باعتبارها البقعة الأهم. واليوم صارت واضحة حسب الخبراء الأهمية العسكرية للغوطة الشرقية التي بآلاف المسلحين وهي التي تعتبر قادرة على هزّ استقرار العاصمة الامر الذي يتكفل بإرسال صورة اهتزاز النظام دائماً الى المجتمع الدولي. وبالتالي فإن قطيعة روسيا دبلوماسياً هي أحد ردود الفعل على الهزيمة الكبيرة ومَن يقرأ الهزيمة الغربية في دمشق يتساءل حول تناقض مواقف ترامب حتماً، باعتبار أنه أعلن نية الانسحاب من سورية كأنه يسلّمها لروسيا نهائياً. روسيا التي من المفترض ان العالم يقاطعها اليوم وعلى رأسها الأميركي ليصبح السؤال حول إمكانية اجتماع الأميركيين والروس حول العملية السياسية بهذه الظروف مشروعاً إلا أن الجواب عليه صعب قبل ان تتلاشى قضية الجاسوس الروسي المزدوج التي توحي جهات دولية بأنها ملف «مفتعل» بالكامل. وهو ما من شأنه حتماً التأخير في العملية السياسية والمزيد من الاستنزاف، لكن هذه المرة على اسس انتهاء الخيارات الأميركية وفرص السيطرة مجدداً في سورية ليبقى عامل الوقت وحده ما يتكفل في إنهاء الازمة بحساباتها.

وبالنسبة للأتراك، فالمطلوب اليوم هو الاصطفاف الاخير لجهة إدارة العملية السياسية في سورية. وإذا كان من شيء على تركيا أن تخشاه فهو سيكون الضمانات التي ستعطيها روسيا لتركيا بشأن الملف الكردي أولاً وبشأن الانتشار على الارض السورية ثانياً. والتسليم الأميركي للوجود الروسي بإعلان الانسحاب هو رسالة مباشرة لتركيا لهذا النفوذ المقبل وما على تركيا إلا التقدم أكثر نحو تحسين هذه العلاقة وتعزيز الثقة. ويسجّل لها كشف ملابسات قتل السفير الروسي في الوقت الذي يقاطع كل العالم الغربي روسيا دبلوماسياً لتصبح الرسالة التركية في التشبث بالعلاقة مع روسيا والتفاوض السياسي معها في سورية، بمعزل عن الغرب هي الأقوى في مثل هذه الأيام. وهي بالتأكيد أرضية لتحضير مسرح واضح للتفاوض مع روسيا بشأن سورية، لكن سقف التفاؤل التركي لجهة البقاء في سورية قد لا يكون بمكانه عملاً برفض روسيا أي جنود أجانب على أرض الدولة السورية من دون اتفاق مباشر معها على ذلك، فكيف بالحال جنوداً أتراكاً؟

اترك تعليقاً

Back to top button