إبن سلمان: الأسد باقٍ ونأمل ابتعاده عن إيران… ونتمنّى على ترامب التمهّل بالانسحاب ايزنكوت يتمنّى إنهاء خدمته بحرب على حزب الله… وسفراء الخليج يلاقونه من بعلبك
كتب المحرّر السياسي
يلتقي غداً الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني والتركي رجب أردوغان، بعدما رسمت معركة تحرير الغوطة إطاراً أحادياً لمستقبل سورية السياسي والعسكري عنوانه الدولة السورية ورئيسها وجيشها، وصار المجال الوحيد المُتاح لحفظ دور شرعي في الأزمة السورية هو الاصطفاف على ضفة تتيح المشاركة في حلّ سياسي وترتيبات أمنية هذه عناوينها، تسمح بحكومة موحّدة تشارك فيه الفصائل الراغبة بالانخراط بتسويات تضمن لها دوراً سياسياً مقابل التخلي عن أجزاء تحتلها من الجغرافيا السورية وعن السلاح الذي ترفعه بوجه الجيش السوري. وهذا ما سيكون موضوع الحوار الروسي التركي الإيراني في مقاربة مستقبل الدور التركي بعد احتلال عفرين، ومستقبل الدور الكردي في ضوء الاستعداد الأميركي للانسحاب، وفرضيات ما بعد تفاهم الأكراد مع دولتهم، كيفية تفادي تركيا مأزقاً آتياً عبر بوابة تطوير مناطق التهدئة وفقاً لنموذج الغوطة، وتزخيم المسار السياسي ضمن مفهوم حكومة الوحدة.
في القمة الثلاثية ستتضح المسافة التي تستطيع تركيا قطعها لتفادي أزمة تشبه مرحلة معارك حلب بينها وبين إيران وروسيا، وسيتضح مدى جهوزية أنقرة لقبول حلّ في سورية يشبه ما جرى في العراق مع تحمّل الدولة العراقية مسؤولية حدودها لوقف التطلعات التركية للتوغّل في الجغرافيا العراقية، كما سيظهر حجم قدرة تركيا على التراجع عن خطاب خشبي بعيد عن الواقع يتناول الوضع في سورية من موقع وصاية يرفضه السوريون، وتمادٍ في التطاول على الدولة السورية يهدّد بتصادم تركيا مع الثنائي الروسي الإيراني المتمسك بالبعد السيادي للدولة السورية في كلّ مقاربة للأدوار غير السورية سياسياً وعسكرياً.
الوضع في سورية مع نصر الغوطة كان بالأهمية نفسها، كما قالت مصادر دبلوماسية مطلعة، وراء موعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن، حيث حضرت معارك الغوطة ومستقبل الدور الأميركي السعودي في سورية في ضوء السقوط السريع لمواقع الجماعات المسلحة في المعقل الذي راهن الأميركيون على ربط بقائهم بصموده مهدّداً العاصمة السورية لسنوات. وصار التفكير جدياً بالانسحاب في ضوء سقوط الأمل ببقاء هذا التهديد. وهو ما ظهر بجدية في الكلام الذي قاله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمجلة التايم الأميركية، عن تمنّيه على الرئيس الأميركي التمهّل بقرار الانسحاب من سورية من جهة، وعن تسليمه ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وما يعنيه ذلك من الاعتراف بالفشل في الحرب التي خاضها السعوديون وواصلوا تشجيع حلفائهم على الأمل بالفوز بها، تحت عنوان إسقاط الرئيس السوري، ليصير سقف تطلعاتهم ما قاله إبن سلمان عن تمنّيه بأن يبتعد الرئيس السوري عن إيران.
لبنانياً، رغم الحماوة الانتخابية إعلاناً للوائح، وخطابات انتخابية يغلب عليها شدّ العصب واستنفار الشارع، والتي لا يخلو بعضها من العزف على أوتار طائفية ومذهبية، واستثمار للمناسبات الدينية وأماكن العبادة والصفات الدبلوماسية، لمحاولة تمرير أجندة غير خافية عبّر عنها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بكلام رسمي قبل شهور، عن التطلع لقانون الانتخابات والانتخابات بعين تنطلق من رؤية مكانة المقاومة في معادلة ما بعد الانتخابات. وهو ما جمع أماكن العبادة والاستثمار للصفات الدبلوماسية والسعي لتعبئة القوى ضدّ المقاومة في زيارة السفير الإماراتي والقائم بالأعمال السعودي إلى بعلبك بمناسبة صلاة الجمعة، للهدف نفسه الذي أعلن عنه رئيس الأركان الإسرائيلي غادي ايزنكوت كحلم يُنهي به فترة خدمته العسكرية في سنته الأخيرة وهو حرب ينتصر فيها على حزب الله.
السعودية تتدخّل مباشرة في الانتخابات
لم تَحجُب فرصة الجمعة العظيمة وعيد الفصح الضجيج والصخب الانتخابي وهدير المواقف والمهرجانات رغم الاسترخاء السياسي الذي عاشته البلاد خلال الأيام الماضية بعد تمرير سلس لقانون موازنة 2018 في المجلس النيابي لتتجه الأنظار هذا الأسبوع الى باريس الذي تشهد انعقاد مؤتمر «سيدر» الجمعة المقبل، على أن يترأس رئيس الحكومة سعد الحريري الوفد اللبناني الى المؤتمر بعد جلسة لمجلس الوزراء تُعقد يوم غدٍ الأربعاء في السراي الحكومي.
غير أن اللافت الذي سُجِل هو الحركة الدبلوماسية السعودية المكثفة في عدد من المناطق اللبنانية والدخول المباشر على خط الاستحقاق الانتخابي من خلال زيارة القائم بأعمال السفارة السعودية الوزير المفوّض وليد البخاري والسفير الإماراتي حمد الشامسي، الى بعلبك واختيار الجامع الأموي الكبير في المدينة لتأدية صلاة الجمعة بحضور مرشح «تيار المستقبل» في دائرة بعلبك الهرمل، ما يُعدّ تدخلاً في الشؤون الداخلية اللبنانية وفي الانتخابات لدعم قوى ولوائح ومرشحين على حساب آخرين؟
مصادر سياسية ومطلعة على الملف الانتخابي في دائرة بعلبك الهرمل أبدت استغرابها الشديد لـ «زيارة المسؤولَيْن السعودي والإماراتي لهذه المنطقة للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات واستخدام دور العبادة منبراً للتحريض الطائفي والمذهبي ضد اللوائح المنافسة»، مشيرة لــ«البناء» الى أن «الهدف خلف الزيارة إثارة النعرات الطائفية والمذهبية في هذه المنطقة التي امتازت عبر تاريخها بالوحدة الوطنية والتعايش المشترك». وأوضحت المصادر أن «السعودية تحاول حشد جميع قواها ونفوذها السياسي والمالي في المنطقة لتسجيل خرق في لائحة المقاومة بمقعدين أو ثلاثة»، غير أن المصادر أوضحت أن «احتمال الخرق يتضاءل في حال ارتفعت نسبة الاقتراع، إذ إن الوصول الى الحاصل الانتخابي في البقاع الذي يقارب 20 ألف صوت أمر صعب للغاية وتعمل السعودية ومَن معها على تقليص نسبة الاقتراع في الشارع الشيعي من جهة من خلال تحريض المواطنين بذريعة ضعف الإنماء، ومن جهة ثانية تحريض الشارع السني والمسيحي المؤيد للمقاومة لعدم الاقتراع للائحة المقاومة وبالتالي الجهد يتركز على خرق اللائحة بالمقعدين السني والماروني في حال العجز عن الخرق بمقعد شيعي»، لكن مصادر أخرى أشارت لـ «البناء» الى أن «استطلاعات الرأي التي كشفت ارتفاعاً في نسبة التوجه للمشاركة في الاقتراع لدى الناخبين الشيعة للائحة المقاومة وتحديداً فئة المتردّدين، وذلك بعد أن توضحت صورة المعركة والاستهداف السياسي للمقاومة بتصريحات قيادات 14 آذار والتدخل السعودي»، مشيرة أيضاً الى حجم التأييد الواسع للمقاومة في البقاع والتقدير لتضحياتها من مختلف الطوائف والمذاهب».
وأكد عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق أن «المال السعودي الذي يمكن أن يشتروا به عواصم وقرارات كبرى، لن يستطيعوا أبداً شراء الشرفاء، وهم يحاولون بالمال والتحريض أن يسيئوا للمقاومة في لبنان، إذ إن التمويل السعودي الذي حُجب عن الجيش اللبناني بدأ يظهر، ليس لبناء دولة المؤسسات أو دعم المؤسسات الرسمية ومساعدة الجيش، إنما من أجل الفتنة وتحريض اللبنانيين على بعضهم البعض، وهو حاضر وبسخاء لاستهداف المقاومة والتحريض عليها. وهذه ليست المرة الاولى، بل إن السعودية منذ عشرات السنين تدفع هذا المال في لبنان لاستهداف المقاومة، ولم تحصد إلا الخيبة، وهذا جهد الضعيف والعاجز».
ولفت الى أن «6 أيار هو موعد لمواجهة التآمر والتحريض والتمويل السعودي الذي يستهدف المقاومة. وإذا كانت السعودية تريد بالمال الانتخابي أن تضعف المقاومة انتخابياً، فإن تصويت جمهور المقاومة في 6 أيار سيكون فعلاً مقاوماً وانتصاراً للمقاومة».
.. وتحاول استرضاء جنبلاط واستمالته
الحركة السعودية لم تنحصر في الإطار الانتخابي، بل تمدّدت باتجاه ترتيب العلاقة مع بعض القيادات اللبنانية، فقد زار البخاري رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، في كليمنصو، بحضور عضوي «اللقاء الديمقراطي» النائبين غازي العريضي ووائل أبو فاعور. وعرض معه التطورات السياسية الراهنة في لبنان والمنطقة. وأكد البخاري أن «العلاقات السعودية اللبنانية تستعيد أمجادها وطبيعتها»، وتأتي الزيارة في إطار سياسة الانفتاح التي تتبعها السعودية في لبنان منذ تعيين سفير جديد لها وبعد توتر العلاقة مع لبنان غداة أزمة الرئيس الحريري وبعد استبعاد جنبلاط عن جدول زيارات الموفد الملكي نزار العلولا. في ما تحاول المملكة اليوم استرضاء جنبلاط واستمالته لصفّها في المعادلة الداخلية، لكن مصادر لاحظت أن البخاري لم يحمل دعوة رسمية لجنبلاط لزيارة المملكة ما يؤشر الى أن السعودية تدرك بأن استمالة جنبلاط الى فريقها السياسي في لبنان لم يعُد ممكناً في ظل تموضع جنلاط الجديد بعيداً عن سياسة المحاور الإقليمية، كما تأتي في إطار التباين في الملف الانتخابي بين تيار المستقبل والحزب الاشتراكي سيما في دائرة البقاع الغربي راشيا حيث استبعد المستقبل النائب أنطوان سعد من لائحته واعتمد المرشح غسان السكاف. وبحسب أوساط نيابية اشتراكية فإن هذا التباين يتطلّب لقاءً بين جنبلاط والحريري قبل موعد الانتخابات لترتيب الملفات بين الفريقين.
خيارات طرابلسية مناوئة لـ «المستقبل»
إلى ذلك، تزيد حدّة السجالات والحماوة الانتخابية في دائرة الشمال الثانية، في ضوء خيارات طرابلسية مناوئة لتيار المستقبل من الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق فيصل كرامي واللواء أشرف ريفي، ما يزيد الوضع الانتخابي لـ «المستقبل» في هذه الدائرة تأزماً. وردّ ميقاتي على الحريري خلال مهرجان شعبي لـ «لائحة العزم»، مشيراً الى أن «طرابلس لا تقبل لا والياً ولا وصياً عليها».
ودعا رئيس لائحة الكرامة الوطنية فيصل كرامي خلال افتتاح قاعة الهدى التابعة لمسجد الهدى في طرابلس إلى إنصاف الموقوفين الإسلاميين وإصدار العفو عنهم وإبعادهم عن السياسة والمصالح الانتخابية.
ومن جهة ثانية توجّه ريفي الى الحريري خلال إعلان لائحته في دائرة طرابلس المنية والضنية، بالقول: «مَن لم يحافظ على كرامتنا الوطنية، لن يستطيع أن يحافظ على كرامة الطائفة السنية، فصوّتوا ضد الانبطاح وصوّتوا لكرامتكم».
ولجأ الحريري على غرار ما فعل في انتخابات 2009 الى تجييش القاعدة السنية خلال زيارته الى البقاع الغربي السبت الماضي وإلى توجيه الاتهامات الى رئيس حزب الاتحاد الوزير عبد الرحيم مراد من دون أن يسمّيه، كما يفعل مع أي شخصية تنافسه على الساحة السنية، إلا أن هذا التجييش ليس فعالاً في البقاع الغربي كما كان في 2009، لأن الصوت التفضيلي في القانون النسبي سيفرض على تيار المستقبل توزيع أصواته بين مرشحيه النائب زياد القادري ومدير مستشفى البقاع محمد القرعاوي، وبالتالي فإن الفوز سيكون لأحد هذين المرشحين مقابل فوز مراد من اللائحة التي يترأسها رئيس حزب الاتحاد، وعلماً بحسب خبراء انتخابيين، فإن النتيجة في البقاع الغربي ستتوزّع مناصفة بين اللائحتين.
الى ذلك، واصل وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق حملة التحريض الطائفي لشدّ العصب الانتخابي وحذّر خلال لقاء بيروتي من أن «الحديث عن خطر داخلي يفوق الخطر الإسرائيلي، يدلّ على النية في تغيير الخيار الاستراتيجي لبيروت»، طالباً «من البيارتة ألا يسمحوا لمن نفذوا 7 أيار 2008 أن يصيروا ممثلي بيروت داخل مجلس النواب في 7 أيار 2018، والردّ يكون بالتصويت بكثافة في 6 أيار».
وأكد الحريري في مجال آخر ، في حديث تلفزيوني، أن «العلاقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ممتازة»، لافتاً الى أن «مشوارنا طويل معه ونحن دائماً متفقون بالأمور التي تخص مصلحة البلد والأمور التي تفيد المواطن»، مؤكداً أنه «سيصوّت لبري».
في سياق ذلك، أعلن رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان لائحة ضمانة الجبل برئاسته عن دائرة الشوف عاليه.
أيزنكوت يتوعّد لبنان بحرب مدمّرة
على صعيد آخر، وفي تهديد إسرائيلي جديد للبنان، توعّد رئيس أركان جيش الاحتلال غادي أيزنكوت حزب الله ولبنان بحرب مدمرة هذا العام، وقال أيزنكوت، في حديث نقله موقع إسرائيلي: «الفرص قائمة هذا العام لاندلاع حرب أكبر مما شهدته السنوات الثلاث السابقة من ولايتي. ومن المحتمل أنني سأقود الجيش في حرب ستندلع خلال سنتي الأخيرة في الخدمة».
وربطت مصادر عسكرية بين التهديد الإسرائيلي الجديد والتطورات العسكرية في سورية، مشيرة إلى «البناء» بأن «المحور الداعم للمسلحين في سورية صُدم بالإنجاز الاستراتيجي الكبير الذي تحقق في الغوطة الذي بدّل المشهد الميداني رأساً على عقب، فلم يجد أيزنكوت رداً إلا التهديد بالحرب على لبنان في ظل عجزه عن التدخل المباشر في سورية بعد إسقاط الجيش السوري الطائرة الإسرائيلية في شباط الماضي»، موضحة أن «رئيس الأركان الإسرائيلي تجاهل تصريحات ضباطه عن أن الجبهة الشمالية غير مستعدة للحرب والجبهة الداخلية أيضاً، وبالتالي موقفه لا يتعدى الحرب النفسية وتعكير صفو الإنجاز»، وأما إذا ارتكبت «إسرائيل» الحماقة، تضيف المصادر، فإن رد المقاومة سيكون قوياً وصادماً لقادة العدو وللمستوطنين»، مؤكدة أن «المقاومة المنشغلة بالاستحقاق الانتخابي كما يظن العدو لديها الجهوزية الميدانية الكاملة في الجنوب لردع أي عدوان».