سناء.. أجسادنا ذخيرة الانتصار

داليدا المولى

إن الشهادة في جوهرها فعل حياة وإرادة. هكذا كانت سناء محيدلي، فعلاً نهضوياً وانتصاراً مدوياً على الضعف والركون للأمر الواقع. فكان جسدُها ذخيرتها للمجد وسلاحاً أمضى من إرهابهم. أكدت عروس الجنوب في تلك الساعة عند معبر باتر في جزين، أن في الـ«نحن» الغلبة والمستقبل وأن التضحيات تنغرس في الأرض كالجبال لا يزعزعها مدّعي بطولات ولا يتجرأ عليها متطاولٌ يحاول المسّ بقدسية الشهادة.

سناء الآخذة من معين أنطون سعاده قدوة ونهجاً ورسالة وقفت دون خوف ودون ريبة ودون شك. وقفت بإيمان زعيمها يوم الثامن من تموز، آمنت وزرعت فينا الإيمان، بأنّ الاستشهاد هو قناعة راسخة في سبيل الحياة وأنّ هذا النهج يؤسّس لمستقبل أجيال تليها أجيال على درب النهضة.

في بلادنا، ثمة تاريخ كتبه الغرباء عنّا، وآخر خطته يدٌ آثمة تعاملت ورضخت لمحتلّ معتد، وغيره ذليل بلون النفط والمال، وثمة تاريخ جبلته أيدي الشرفاء والمقاومين، تاريخٌ يحفره العزّ في جدار الزمن فلا ينقضي ولا يزول ويبقى نابضاً كمَن صنعه. سناء حفرتْ تاريخها بحروف من ضياء ورفعة فجعلت من التاريخ لغة مطواعةً لمكانتها ولحضورها ومتى تجرأ هذا التاريخ على التغاضي عما تمثّله سناء سيسقط. ففي التاريخ محطات تغيّر مجراه وحواسه ووجهة الأشياء والتاسع من نيسان 1985 غيّر وجهة التاريخ، وأكد أننا في الأمة السورية تتحد أجسادنا للذود عن كرامتنا واستقلالنا وسيادتنا. سناء وأمثالها، صنّاع التاريخ والإرادة، تاريخ البطولة المؤيدة بصحة العقيدة، هم لحظة الإسراف في المجد في تاريخنا النضالي.

سناء المجد المظفّر في ثنايا الجنوب. سناء خشوع الروح عند ذكرها وحقنا المقدّس في قيامة الحساب. شقت طريقها في جدارية الوجود ونقشت بالأحمر زمناً مخلداً لا ينتهي فيه النصر.

هي ابنة السبعة عشر ربيعاً وبداية الخطو في دروب الحياة، قالت كلمتها إنّ للحياة درباً واحدة هي درب الصراع، فمشت وكلها ثقة بأنها ستغيّر مصيراً وأنها فعل حقيقة راسخة في وجه أبناء الأفاعي وشذاذ الآفاق في وجه كلّ معتد على أرضنا وحياتنا ومصالحنا القومية.

رسّخت لحظة تناثر الجسد انتماءها الى كل حبة تراب من الوطن السوري. فالجنوب الذي احتضن انفراط الزهر من طوق سناء زرع فينا مبادئ ورؤيةً ومواجهةً وزوابع توحّدنا من البدء وحتى الخلود.

سناء العشق اللامتناهي في صيرورة الوجود، واختزان لحظة الأمل والبعث في أمة الحضارة والتفوّق.

في جبروتها آيات، وفي وقفتها وإصرارها تعاليم لأجيال نمت على حب سناء تتأمل في ما دفعها إلى اتخاذ قرار الاستشهاد. كلنا نقف وننظر الى وجهها ونتساءل عن حجم الوعي والإصرار والجرأة التي تحلّت بها. وكلنا ننظر إليها وتملأ أنفسنا طمأنينة غريبة ومحبّبة بأنّ أمة فيها أمثال سناء لا بد أن تكون أمة حيّة لا ترضى إلا بتحصيل كرامتها مهما علت أصوات النفاق، فللحقيقة صوت أمضى وحقيقتنا تملأ الوجود.

عميدة الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

Back to top button