السؤال الملحاح بعد قمّة أنقرة: لمن السلطة في مناطق سيطرة «داعش» بعد دحره؟
د. عصام نعمان
انشغل العالم نحو أسبوع بسؤال ملحاح: متى يسحب دونالد ترامب قواته من سورية؟
«الدولة العميقة» في الولايات المتحدة لجمت تسرّع الرئيس الأميركي بشأن الانسحاب الوشيك بإعلانٍ حاسم من مدير هيئة الأركان المشتركة في وزارة الدفاع البنتاغون الجنرال كينيث مكينزي بـ»أن سياسة الجيش الأميركي حيال تنظيم «داعش» لم تتغيّر … كان اعتقادنا دائماً انه مع وصولنا الى النهاية في المواجهة مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سورية، فإننا سنعدّل مستوى وجودنا هناك».
من الواضح أن الجيش الأميركي لم يصل بعد الى «نهاية المواجهة مع داعش» ليس لأنه غير قادر، بل لأن ادارة ترامب لا تريد استعجال الوصول لهذه النهاية. لماذا أعلن ترامب، اذاً، ان «القوات الأميركية ستنسحب قريباً جداً من سورية وتترك الآخرين يهتمون بالأمر؟». الجواب جاء من ترامب نفسه خلال الاجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي. ففي تقريرٍ لشبكة «سي أن ان» التلفزيونية ان الرئيس الأميركي «استنكر سياسة دول الخليج العربية لجهة عدم تدخلها ؟ لضمان استقرار سورية»، داعياً إياها الى «دفع المزيد من الأموال لإنجاح جهود إرساء الاستقرار فيها، بما في ذلك أربعة مليارات دولار من السعودية».
إنهاء وجود «داعش» مؤجل، إذاً، ومشروط بمبادرة بعض دول الخليج إلى «دفع المزيد من الأموال». هل هذا كل شيء؟
كلا، ثمة أمر آخر لعله أكثر أهمية. إنه الجواب عن سؤال آخر ملحاح: لمن ستكون السلطة في المناطق التي يسيطر عليها «داعش» بعد دحره؟
لكلٍّ من أطراف الصراع الدائر في سورية وعليها رأي وموقف. واشنطن كانت أجابت ضمناً عن السؤال بقيامها بتسليح «قوات سورية الديمقراطية «قسد» الكردية وغيرها لتمكينها من إقامة كيان منفصل عن سلطة حكومة سورية المركزية في دمشق، وهي تحاول الآن إقناع تركيا بوقف نشر قواتها في الشمال السوري تفادياً لصدام مسلّح معها، إذا ما قامت بمحاولة السيطرة على منبج، شرق حلب.
الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، أعلن بعد قمة أنقرة الثلاثية روسيا وايران وتركيا ان عملية «غصن الزيتون» مستمرة حتى تطهير كل المنطقة من الإرهابيين، بما في ذلك مدينة «تل رفعت» شمال حلب . شدّد على أن بلاده عازمة على تسوية في سورية تنطلق من «تحقيق المرحلة الانتقالية السياسية، وصوغ دستور جديد، وإجراء انتخابات مستقلة وشفافة وعادلة في إطار القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي». أشار أيضاً إلى تطابق وجهات نظر الدول الضامنة في مسار استانه روسيا وإيران وتركيا حول «تطهير الأراضي السورية من العناصر الإرهابية كافة، بما فيها «داعش» و»القاعدة» وجبهة «النصرة» وحزبيْ الاتحاد الديمقراطي والعمال الكرديين».
يتضح من تصريح قالن أن تركيا باقية، بل ساعية إلى التمدّد، في الأراضي السورية مدة طويلة. ذلك أن «تطهير الأراضي السورية من العناصر الإرهابية كافة، وصوغ دستور جديد، وإجراء انتخابات مستقلة وشفافة في إطار القرار 2254» تتطلب أشهراً وسنوات. كيف ستردّ سورية على المخطط التركي المنافي لسيادتها على كامل أراضيها؟
دمشق كانت أعلنت وأكدت مراراً وتكراراً أن الجيش السوري سيواصل بلا كلل مهمة تحرير جميع مناطق البلاد الواقعة تحت سيطرة جهة غير وطنية أو متمردة على سلطتها. وفي الواقع، حرّر الجيش وحلفاؤه مناطق عدّة في شمال البلاد حلب وشرقها دير الزور وغربها منطقة القلمون المحاذية للحدود مع لبنان ومحيط العاصمة الغوطة الشرقية . وهو في صدد استكمال تحرير سائر المناطق المحتلة من قبل تنظيمات إرهابية في وسط البلاد وجنوبها وشمالها الغربي. ربما لهذا السبب رفض الرئيس بشار الأسد عرضاً روسياً للمشاركة في قمة أنقرة الثلاثية، إذ لا يمكنه أن يزور اسطنبول متناسياً دعم تركيا للمجموعات الإرهابية، واستمرارها في التوغل داخل الأراضي السورية واحتلالها المنطقة الممتدّة من جرابلس حتى عفرين في عمليتيْ «درع الفرات « و»غصن الزيتون»، ورفضها التراجع عن سياسة خرق السيادة السورية.
روسيا وإيران أعلنتا دائماً، قبل قمة أنقرة الثلاثية وأثناءها وبعدها، تمسكهما بوحدة سورية وسيادتها على كامل ترابها الوطني. لكنّهما تبقيان حريصتين على إقامة علاقات ودية ومتنامية مع تركيا أملاً بإبعادها عن الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي، وبالتالي التعاون معها لإرساء تسوية سياسية عادلة ومتوازنة للأزمة السورية.
لتحقيق هذا الهدف الجلل يقتضي، في ما أظن، قيام اتفاق بين سورية وروسيا وإيران وتركيا يتضمّن الأسس العملية الآتية:
إعلان واضح من الحكومة التركية، بأنّها ستقوم بتسليم الحكومة السورية جميع المناطق والأراضي التي تتمكّن من تحريرها من المجموعات الإرهابية بما فيها المجموعات السورية الكردية التي تعادي تركيا.
تتوقف تركيا عن القيام بأي عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية إلاّ بعلم حكومة دمشق وبعد موافقتها.
تتوافق الدول الأربع على تركيز جهودها السياسية والعسكرية على دحر «داعش» وسائر المجموعات الإرهابية وطردها من الأراضي السورية بغية حرمان الولايات المتحدة من أي سبب أو ذريعة لإبقاء قواتها في شرق سورية منطقة التنف وشمالها الشرقي محافظات دير الزور والرقة والحسكة .
تتوافق الدول الأربع على إحياء مفاوضات جنيف لإرساء تسوية سياسية متوازنة للأزمة السورية على الأسس المعتمدة في قرار مجلس الامن 2254 كما المبادئ التي جرى التوافق عليها في مؤتمر سوتشي، ووجوب اقترانها بموافقة الشعب السوري.
باختصار، قبل إنهاء وجود تنظيمات الإرهاب وخروج القوات الأميركية من سورية، لا سبيل إلى إيجاد تسوية سياسية لأزمتها المتطاولة.
وزير سابق