الهيمنة الأميركية في الميزان الروسي هل تتكرّر «فعلة» نابليون؟
سماهر الخطيب
غرّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب حوالي 18 تغريدة على الأقل على «تويتر»، حول عدم شنّ عدوان على سورية من قبل الولايات المتحدة ما بين عامي 2013 و2014. وحثّ سلفه أوباما على عدم التدخل في الحرب السورية.
إلا أنه في السابع من نيسان العام الماضي وبمسعى لإرضاء صناع القرار الأميركي، وجه صواريخ «توماهوك» نحو مطار الشعيرات في حمص، وهو الآن مرة أخرى يهدّد، بل ويعلن توجيه «ضربة» إلى سورية طالباً من روسيا الاستعداد للمواجهة.
كذلك أعلن البنتاغون عن «إرسال مجموعة من حاملات الطائرات التي تقودها هاري ترومان إلى البحر الأبيض المتوسط».
وإذا ما قامت أميركا بشنّ عدوانها بذريعة «محاسبة الجناة بالكيماوي» المزعوم فإنها ستقوم بـ «ضربات من البحر»، وتحديداً بصواريخ «توماهوك» المجنّحة، وليس عبر الطائرات العسكرية أو عبر جنودها.
حيث إنّ أكثر ما يوتر إدارة البيت الأبيض هو رؤية سيناريو مماثل لـ «فيتنام»، فهم لن يرضوا بتدفق التوابيت ملفوفة بعلم النجوم. وبما أنّ خيار «ضربات من البحر» هو الأكثر أماناً ويستبعد خسارة جندي أميركي واحد، فإنّ البيت الأبيض يفضل المغامرة بخسارة عدد من الصواريخ كـ «قاعدة عامة».
من جهة أخرى، أميركا لن تغامر فقط بخسارة عدد من الصواريخ إنما باستراتيجية التخويف وإعلاء الصوت تسعى لحشد حلفائها بريطانيا وفرنسا وألمانيا لدعم عملياتها العدوانية.
بحيث تشنّ حربها بـ «أيادي الآخرين»، لتكون حرب «الأدوات والوكالة» فواشنطن تسعى لجذب الدول الأوروبية كي لا تضيع مواردها ولا تخسر جنودها ولا تفقد معداتها هناك.
وهنا إذا شنت الولايات المتحدة عدوانها، فإنها وبذريعة «الكيماوي» في دوما ستظهر أنّ العمليات الروسية يمكن أن تتوقف في أي لحظة، وبالتالي يريد ترامب كسر كل القلاع التي بناها الروس لفترة طويلة.
كما أنّ الأميركيين نشط جداً في دعم ما يُسمّى «المعارضة» أي الإرهابيين، فبعد فشلهم في العراق وأفغانستان لن يرضوا بالخسارة المدوية التي سجلها الجيش السوري وحلفاؤه في الغوطة الشرقية، وقبلها حلب والرقة. وقرار ترامب هو لتفجير هذا الموقف ومحاولة كسب بعض المكاسب لرفع سقف التفاوض بعد خسارته معظم الأوراق التي يملكها.
كذلك سيثبت ترامب أنه ليس على علاقة جيدة مع روسيا وينوي التصرّف بقسوّة معها، بالإضافة لكونه يريد النيل من الاتحاد «التركي الإيراني الروسي»، لإن هذا التحالف شوكة في حلق ترامب.
وبعد خسارة روسيا مليارات الروبلات في حربها ضدّ الإرهاب، ترامب يريد أن يجلب جهود الجيش الروسي إلى الصفر، لأنها ستعني بداية المواجهة الصعبة الجديدة. ولكن ماذا عن إيران؟
ترامب يعي بأنّ حلفاء سورية سيتعيّن عليهم الرد عسكرياً وهو ما تنبّه له البيت الأبيض. فإنه في حاجة إلى حشد الحلفاء، واستنزاف الجميع لمصلحته، بحيث لا يتحمّل المسؤولية بنفسه، بل تحميلها في وقت لاحق لأي شخص حتى لو كان من حلفائه.
فإذا انتهى الأمر بالأميركيين إلى الخسارة والهزيمة، فسيحمّلون المسؤولية لبعض الجنرالات، كما فعل نابليون بونابرت، أما إذا كان الأمر ناجحاً، فسيقول الأميركيون كما قال نابليون بونابرت: لقد فزتُ به .
وبما أنّ القوة الأميركية اليوم هي «ضربات من البحر» بالتالي، أصبح من الواضح أنّ «الإمبراطور» الأميركي لم يعُد يستطيع تسجيل طموحاته العالمية بقوة عسكرية مقنعة. وأيّ دولة تبني نظام دفاع صاروخي ويكون موثوقاً به، ستحصل على بطاقة رابحة غير قابلة للكسر في وجه أميركا.
في ظل هذه التهديدات، يتبين أن لا شيء واقعياً حقاً، باستثناء جلب الأسطول وإرسال «ترومان» ومرافقتها. والضرب بـ «توماهوك». وإذا تطورت الأمور ولم تقف عند هذا الحدّ. فإنها «تستغرق وقتاً». كما صرّح مايك بنس أمس.
وهذا في حدّ ذاته مهم جداً. فروسيا وإيران خلال هذا الوقت يمكنهما تزويد سورية فعلياً بوسائط الحرب الإلكترونية، وبأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي الأكثر تطوراً. رغم أنّ هناك الآن ما ليس بالقليل منها.
وبالتالي، فإنّ هذا النوع من إدارة الحرب كـ «قاعدة عامة» والتي كانت أكثر راحة وأماناً بالنسبة لأميركا يمكن أن تؤدي هذه المرة إلى اختلال قوي جداً.
فإذا وصل الأمر في سورية إلى مواجهة مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة، وهو مستبعَد، وربما سيعوّض عنه ببعض «الضربات» الصورية حفظاً لماء الوجه الأميركي، وإذا ما استمر الجنون الأميركي فإنّ روسيا لن تحمي نفسها وسورية فحسب، إنما ستحمي بقية العالم من الهيمنة الأميركية.