هل تتورّط «ماي» كما تورّط كاميرون؟
روزانا رمّال
هي ليست المرة الأولى التي ترسم فيها ثنائية العلاقة الأميركية – البريطانية سيناريو التحرك حيال الشرق الاوسط. وليست المرة الأولى التي تلوح فيها أولوية الحفاظ على مسار حركة سياسية وعسكرية تتكافأ مع الحضور الإسرائيلي في المنطقة. وبريطانيا أول دولة تعهدت بوجود هذا الكيان من خلال وعد بلفور الشهير.
العلاقة الأميركية البريطانية التاريخية لا تزال تتحكم بمصير ملفات المنطقة. ففي كل نقطة ارتكاز حول تطوير الحضور الغربي بالمنطقة لا تزال بريطانيا هي الشريك الأساسي للولايات المتحدة الأميركية، وهي الشريك الوحيد الذي يتقاسم معها المنافع الاقتصادية والمقدرات الإنتاجية، أما باقي الدول وعلى رأسها فرنسا، فهي درجة ثانية بعد الخيار البريطاني، كما أن لندن كانت ولا تزال مخرجاً جيداً للأميركيين في كل لحظة تجد فيها واشنطن أن الخيارات ضاقت نحو تنفيذ أو ترويج مفاهيم أو مخططات تجاه أوروبا او منطقة الشرق الاوسط. وكانت ولا تزال أيضاً تتحمل الكثير من التداعيات بسبب السياسات الأميركية وعلى رأسها «الإرهاب». وهو الآفة التي اجتاحت أوروبا بدءاً من الأراضي الانكليزية التي كانت ارضاً خصبة للأخذ بالثأر أكثر من مرة باتجاه التطرف السياسي الذي مورس على إقليات وحتى بما يتعلق بالصورة المواجهة. فان لندن كانت ساحة مناسبة لنمو كبرى قيادات التطرّف بسبب تهاون لندن مع الأميركيين في تجنيد قوى إرهابية تعمل لصالح الحكومتين الأميركية والبريطانية في كل العالم فيحصل التجنيد خصوصاً أن بريطانيا تضم عدداً كبيراً من المسلمين.
حفظ الأمن الحيوي والقومي لـ»إسرائيل» هو مهمة الطرفين، أي واشنطن ولندن معاً. وكل ما تطلبه المهمة من الشريكان هو ضروري من أجل الخيار الأهم. واستذكاراً لا بد من العودة الى الوراء لمقارنة ما جرى بإمكانية شن حرب أميركية بريطانية مشتركة على سورية عملاً بتهديدات ترامب في الساعات الماضية:
خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مؤخراً على خلفية تدهور اقتصادي بالغ. وكان لدايفد كاميرون رئيس الوزراء السابق حصة الأسد من الأزمة والسبب «انخراط حكومته بالحرب على ليبيا. وقد تمت المحاسبة عبر لجنة تشيلكوت آنذاك. ما سمح لروسيا بالتفوق بمجرد خروج بريطانيا من الاتحاد الذي يعتبر مولوداً أميركياً، بمقابل الصعود الكبير لكتلة اقتصادية كبرى قوامها روسيا والصين وإيران ومجموعة البريكس عموماً في العالم.
وبالنسبة للجنة تشيلكوت فقد كشف نواب بريطانيون تفاصيلها أن التدخل العسكري البريطاني في ليبيا عام 2011 كان بأمر من رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون بعد أن ارتكز إلى معلومات خاطئة من جهاز المخابرات وعجل بانهيار البلد سياسياً واقتصادياً. وهو التقرير الذي لا يقلّ أهمية وخطورة عن تقرير «تشيلكوت» الذي وجّه إدانة بالغة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق «طوني بلير» جراء التدخّل العسكري في العراق، بناء على معلومات وتقارير مغلوطة وتضليلية أيضاً، كما أفاد تقرير اللجنة.
تشيلكوت «ليبيا»:
في الملف الليبي شدّد تقرير لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني على أن ديفيد كاميرون، الذي تولى رئاسة الوزراء البريطانية من 2010 إلى تموز 2016، لعب دوراً حاسماً في قرار التدخل العسكري، وأنه يجب أن يتحمل المسؤولية عن دور بريطانيا في أزمة ليبيا. هذا التقرير الذي أعطي مصداقية عالية أطاح كاميرون وهو لم يصدر عن دولة أخرى، ولا حتى عن حزب سياسي بريطاني منافس للحزب الذي ينتمي إليه كاميرون، بل صدر عن لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني الذي يترأسه «كريسبين بلانت» عضو حزب المحافظين الذي ينتمي إليه كاميرون نفسه.
كريسبين الذي أمعن بانتقاد كاميرون، قال إن «تصرّفات بريطانيا في ليبيا جزء من تدخّل لم يكن نتيجة تفكير سليم ولا تزال نتائجه تظهر حتى اليوم.. وأن السياسة البريطانية في ليبيا قبل وأثناء التدخل في آذار 2011، تأسست على افتراضات خاطئة وفهم ناقص للبلاد والموقف.. وأن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق زعامة ديفيد كاميرون».
يحدّد التقرير نفسه بدقة مسؤولية بريطانيا التي كان يقودها عملياً ديفيد كاميرون، إلى جانب دور الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، في تأليب المجتمع الدولي، ودفع حلف الناتو لقصف ليبيا.
«تشيلكوت العراق»:
هو تقرير مشابه لتقرير اللجنة المتعلق بليبيا وسبقه بسنوات ويؤشر إلى أن شيئاً لم يتغير بما يتعلق بخضوع الحركة البريطانية الى الخيار الأميركي بالكامل، على الرغم مما سببه من اضرار سياسية ومهينة على الرئيس الذي مشى بالخطة الأميركية. التقرير خلص إلى أن بريطانيا اعتمدت ايضاً على معلومات استخبارية مغلوطة ولم تستنفد الخيارات السلمية قبل غزو العراق. وذكر أن العمل العسكري «ربما كان ضرورياً»، لكن عند اتخاذ قرار الغزو لم يكن نظام صدام حسين يشكل تهديداً، وكان بالإمكان اتباع خطة دبلوماسية تستمر لبعض الوقت لتدبير الملف، خاصة أن أغلبية أعضاء مجلس الأمن الدولي كانت تؤيد استمرار عمل الأمم المتحدة في التفتيش والمراقبة.
تقريران حول الحربين العراقية والليبية كلفا طوني بلير وكاميرون غالياً. وفقد إثرهما الرجلان مصداقيتهما أمام الشعب البريطاني الذي شاهد محاسبتهما أمام القضاء. تبدو تيريزا ماي من ناحية جزءاً من هذه اللعبة التي تقيد بريطانيا بالتزاماتها التاريخية وقد أخذت على عاتقها المضي قدماً بقصة تسميم الجاسوس «سكريبال» واعتبارها نقطة العبور نحو التصعيد بوجه روسيا التي استفادت من كل الأزمات التي عصفت بالاتحاد الأوروبي، إضافة الى تقدّمها العسكري في سورية. لكن ماي القادمة من انقلاب سياسي وثاني امرأة تتولى رئاسة الوزراء في تاريخ بريطانيا بعد مارغريت تاتشر تحمل نزعات القوة وخيارات حفظ الحضور من دون أن تحرق تاريخها السياسي التي لا تبدو أنها متهاونة به كأسلافها الذين انتقدتهم على الخيار نفسه الذي وضعت فيه. لكن هذا لن يلغي أنها تظهر حماسة كبيرة بقيادة الحملة على روسيا الذي أخفى «شكلياً» إمكانية ظهورها بمظهر أسلافها التابعين لخيار واشنطن.