تغريدات صواريخ ترامب الذكية نهاراً تمحوها اجتماعات البيت الأبيض ليلاً… والقرار لم يُتّخذ بري: النأي بالنفس لا يطال العدوان على سورية… وجنبلاط وباسيل وفرنجية يؤكدون
كتب المحرّر السياسي
بعدما رمى الرئيس الأميركي دونالد ترامب تغريداته بتهديد روسيا بصواريخ جديدة وذكية ومشى، بدا أنّ بين المنطقة والطلقة الأولى في الحرب ساعات، ووسط حبس الأنفاس خرج الرئيس الروسي متجاهلاً تغريدات ترامب مكتفياً بالقول، إنّ الوضع الدولي مقلق وإنّه يتمنّى أن تتغلّب لغة العقل، بينما كانت وزارة الدفاع ووزارة الخارجية في واشنطن تلتزمان الصمت، حتى انعقاد الاجتماع المسائي المفاجئ في البيت الأبيض، وخروج موقف لوزارة الدفاع يتحدّث عن تجميع المعطيات، وإعلان المتحدثة بلسان البيت الأبيض، عن أنّ كلام الرئيس ترامب لا يعدو كونه عرضاً لأحد الخيارات وأنّ القرار لم يُتخذ بعد.
مصادر واسعة الاطلاع تتابع عن كثب التجاذبات الداخلية والخارجية التي تحيط بالقرار الأميركي، قالت إنّ تركيز الإيجاز الصحافي للبيت الأبيض على الشؤون الأميركية الداخلية يعكس تراجع حالة التعبئة نحو خوض المغامرة العسكرية في سورية، التي يؤكد خبراء وزارة الدفاع الأميركية صعوبة تحقيقها ضمن ثنائية شبه مستحيلة، أن تكون فعّالة ضدّ الدولة السورية، وأن لا تؤدّي لاستدراج مواجهة مع روسيا وإيران، وأن الاتصالات التي يجريها العسكريون الأميركيون والروس لا تزال تؤكد عزم روسيا على التصدّي لأيّ عمل عسكري أميركي في سورية، وأنّ الجهوزية الروسية يمكن ملاحظتها بسهولة خصوصاً لجهة ما أوردته مواقع أميركية عن فتح القواعد التي يوجد فيها الروس في سورية لاستضافة معدات عسكرية وطائرات حربية سورية، بينما يطرح السؤال عن كيفية توفير الحماية للقواعد الأميركية التي تضمّ آلاف الجنود في سورية والعراق والأردن فيما لو تعرّضت للاستهداف، وهل يجب البدء بسحبها قبل بدء أيّ عملية عسكرية تفادياً للسيناريو الأسوأ؟ وماذا عن نتائج هذا الانسحاب، سواء لصدقية الحديث عن الحرب على داعش، الذي تعتبره واشنطن عنواناً لدورها العسكري في المنطقة، أو لجهة مصير الميليشيات الكردية وإمكانية تعرّضها لهجوم تركي مفاجئ شرق الفرات، أو قيامها بحثاً عن الحماية بتسليم مناطق سيطرتها للجيش السوري؟
لبنانياً، انتقل القلق من خطورة تأثر لبنان بالمغامرة الأميركية، من باب مناقشة مدى القدرة على مطالبة حزب الله بعدم الدخول على خط المواجهة مع الأميركيين إذا استعملت المياه اللبنانية أو الأجواء اللبنانية للعدوان على سورية، أسوة بما تفعله «إسرائيل» في اعتداءاتها المتكرّرة، وكان لرئيس المجلس النيابي نبيه بري موقف تحذيري واضح من دعاة النأي بالنفس، من خطورة اعتبار النأي بالنفس مظلة لتسهيل العدوان على سورية، فلبنان معنيّ برفض جامع لاستعمال مياهه وأجوائه في أيّ عدوان يستهدف سورية أو أيّ بلد عربي، وتبع كلّ من النائب وليد جنبلاط ووزير الخارجية جبران باسيل والوزير السابق سليمان فرنجية، موقف بري بالتنديد بأيّ محاولة لاستعمال الأجواء اللبنانية في عدوان محتمل على سورية.
لبنانياً أيضاً، بعد تكاثر الإشكاليات والالتباسات المحيطة بنتائج مؤتمر سيدر وحجم الالتزامات التي يرتبها على لبنان ونوعها، حضرت مجدّداً ملفات الكهرباء على جدول أعمال مجلس الوزراء من بوابة البحث في ملف معمل دير عمار، واحتمال العودة لبحث قضية البواخر من خارج جدول الأعمال وسط مواقف تصعيدية من وزراء القوات اللبنانية وتيار المردة، فيما تستبعد مصادر عرض الموضوع للتصويت في ظلّ انقسام سياسي حول الملف يشترك أكثر من ثلث الوزراء بمعارضة إقراره منهم وزراء حركة أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي.
الحكومة مهدّدة والانتخابات؟
لا تزال التطورات الميدانية في سورية والمنطقة، تفرض نفسها على الداخل اللبناني المنهمك بالمنازلة الانتخابية المرتقبة في 6 أيار المقبل من جهة وبنتائج مؤتمر «سيدر» من جهة ثانية، غير أن التداعيات العسكرية والسياسية على لبنان جراء أي عدوان محتمل على سورية طغى على الاهتمامات المحلية، لا سيما موقف لبنان وحكومته في حال استخدمت أجواؤه ومياهه لضرب دمشق؟
مصدر عسكري وسياسي أشار لـ «البناء» الى أن «الجيش اللبناني لا يملك قدرات عسكرية لمنع اختراق الطائرات العسكرية أجواءه ومياهه الإقليمية، وجُل ما يمكن أن تفعله الحكومة هو رفع شكوى الى مجلس الأمن الدولي إن تجرأت على ذلك ضد الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا». وحذّر المصدر من أن أي «عدوان اسرائيلي أو أميركي فرنسي بريطاني على سورية سيجعل المنطقة برمّتها مسرحاً للحرب ولن يبقى حزب الله بمنأى عنها لا في سورية ولا في لبنان على أن يدخل محور المقاومة أيضاً في هذه الحرب، مذكراً بالمعادلة التي أرساها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بسقوط الحدود بين دول محور المقاومة، ولا يملك أحد تصوّراً لشكل وحجم وحدود رد محور المقاومة الذي سيشمل «اسرائيل» بالتأكيد، ولو لم تدخل الحرب مباشرة». وأكد المصدر بأن «محور المقاومة على تنسيق دائم وعلى أتم الاستعداد والجهوزية لخوض الحرب من كل الميادين والجبهات». ونفى المصدر أن «يكون حزب الله قد نقل عدداً من مقاوميه من سورية الى جنوب لبنان»، مشدداً على أن «الحزب مرتاح عسكرياً وسياسياً ويملك القدرة على خوض الحرب على جبهتين في آن معاً».
ولفت المصدر الى أن «التداعيات السياسية على لبنان لأي حرب، إن وقعت، مرتبطة بشكل تعامل السلطة السياسية مع العدوان على سورية، فإذا أصرّ بعض الأطراف السياسية على سياسة النأي بالنفس تجاه الاعتداء على دول عربية شقيقة. فهناك خطر على الاستقرار الحكومي نتيجة الانقسام السياسي الحاد إزاء هذا الموضوع ما يطيح بالانتخابات النيابية». وأوضح المصدر أن «موقف رئيس الحكومة سعد الحريري حيال العدوان على سورية، كان ملتبساً ما يعتبر تأييداً غير معلن للحرب على سورية، بعد يوم واحد على لقائه بالرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي اللذين يؤيدان الحرب».
نصرالله يطلّ غداً
الى ذلك، يطل السيد نصرالله غداً الجمعة في المهرجان الانتخابي الذي يقيمه حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، على أن يطل أيضاً الاحد المقبل في في مهرجان مماثل في بلدة مشغرة البقاعية. ويتطرق السيد نصرالله في كلمته غداً الى آخر التطورات في المنطقة الى جانب تناوله قضايا محلية والوضع الانتخابي وظروف المعركة في دائرة بعبدا.
وقد اتخذ لبنان أمس، إجراءات احترازية في حال تعرضت سورية لضربات من طائرات حربية من الاجواء الإقليمية، وأعلنت شركة «طيران الشرق الاوسط» وبالتنسيق مع وزارة الاشغال العامة والنقل عن تعديل مساراتها الجوية بحيث ينتج عنها تعديل في مواعيد إقلاع بعض رحلاتها وفقاً للجدول المرفق أدناه حتى مساء ليل الجمعة 13 نيسان 2018، حيث تتمّ إعادة تقييم للأوضاع القائمة ويتمّ اتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، وذلك كإجراء احترازي بحت، نتيجة تطور الأوضاع بين الولايات المتحدة الأميركية وسورية».
بري للحريري: «النأي» لا يعني ضرب سورية
ومن دارته في مصيلح رد رئيس مجلس النواب نبيه بري على الحريري، في حديث صحافي، معتبراً أن «النأي بالنفس لا يعني القبول بقصف أرض عربية»، مشيراً الى أن « لبنان يرفض العدوان على سورية والذي تخطّط له بعض الدول الغربية وتموّله وتحرّض عليه دول عربية».
وأكّد برّي أن «أي استخدام للمجال الجوّي اللبناني هو انتهاك صارخ للسيادة اللبنانية، ولا يمكن للبنان أن يقبل باستخدام أجوائه للاعتداء على سورية أو أي دولة عربية شقيقة». وأشار رئيس المجلس أمام زواره إلى أن «دعاة النأي بالنفس في هذه الحالة يساهمون بالعدوان على سورية». وحذّر من الانعكاسات الخطيرة التي قد تنجم عن أي عمل عسكري يستهدف سورية مبدياً خشيته من أي يكون اول ضحاياه استقرار المنطقة ووحدتها، ناهيك عما سيترتب عنها من سفك للدماء والتدمير والتهجير للشعب السوري الشقيق. وقال: «هي حرب إن وقعت لا قدر الله ستكون مموّلة من جيوب العرب وثرواتهم وحتماً نتائجها ستكون سلبية ومدمرة لمستقبلهم واستقرار اوطانهم. والرهان يبقى ازاء مشهد يرقص فيه الجميع على حافة هاوية الحرب، أن تنتصر إرادة الخير على إرادة الشر المستطير».
وانضم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الى الرئيس بري بالتحذير من ادخال لبنان بمحور خارجي ضد سورية، وفي تصريح له على وسائل التواصل الاجتماعي، أشار الى أنه «في ظل التطورات المقبلة والتي قد تكون غير مسبوقة على المنطقة، فإن سياسة النأي بالنفس يجب أن تشمل كل الفرقاء اللبنانيين ورفض استخدام لبنان بأية طريقة في أي محور». كما أكد رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية في تصريح له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اننا «نرفض أن يكون بحرنا وأرضنا وأجواؤنا منطلقاً لأي عمل عدواني ضد سورية».
بدوره أعلن وزير الخارجية جبران باسيل «ان لبنان يرفض أي اعتداء على سورية مهما كانت المبررات كما يرفض أي اعتداء كيميائي،» مؤكداً أن «حزب الله لديه ما يكفي من الحكمة ليتصرف بالشكل الذي يحمي لبنان». وشدّد باسيل في حديث تلفزيوني على «ان لبنان متمسك بالنأي بالنفس وعدم التدخل في شؤون الدول العربية الأخرى. ونحن مع كل عملية سلمية إصلاحية في سورية»، لافتاً الى «ان النظام في سورية يجب أن يكون ضمن أي حل سياسي للأزمة».
وكشف باسيل «ان لبنان سيقدم شكوى ضد الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية»، مشيراً الى «انه لا يوجد في إسرائيل صوت غير صوت التطرف والجنون ولبنان يرفض ما يُسمى بصفقة القرن».
الحريري: «سيدر» لاستقرار لبنان
وكان الحريري قد تهرّب من الاجابة عن سؤال حول موقفه من العدوان على سورية من لبنان، وقال: «أنا ضد استخدام الكيميائي بحق المواطنين والشعوب. لدينا موقف واضح وصريح في البلد وهو النأي بالنفس، للدول قراراتها السياسية السيادية، وهم أحرار بالتصرف بالطريقة التي يرونها مناسبة لمصلحة بلدهم والمنطقة. وظيفتي الأساسية كرئيس لحكومة لبنان هي حماية البلد من تداعيات أي أمر قد يحصل في المنطقة. وكيف سأحمي لبنان إن لم أتحدث مع المجتمع الدولي وإن لم أقم بمنطقة عازلة في السياسة أو الأمن أو الاقتصاد. هذا ما أسعى للقيام به طوال هذه المرحلة».
وفي مؤتمر صحافي في السراي خصصه لشرح نتائج مؤتمر «سيدر» اعتبر الحريري أن «المؤتمر بداية لعملية تحديث اقتصادنا وإعادة تأهيل بنيتنا التحتية وتحقيق النمو المستدام والاستقرار»، لافتاً الى انّ «لولا التوافق السياسي والتوافق على الاستعدادات والخطوات العملية التي اتخذناها لما حقق المؤتمر في باريس النجاح». وأشار الى أن «غالبية القروض ميسرة جداً بفائدة لا تتعدى الـ1.5 في المئة، ولن تستعمل الا لتنفيذ مشاريع بنى تحتية لبنان بأمسّ الحاجة إليها». واذ اعتبر انّ «سيدر جزء من مسار بدأ في روما سيستكمل في بروكسل وهو شراكة ما بين لبنان والمجتمع الدولي»، أكد «ان معظم فرص العمل في «سيدر» ستذهب للبنانيين»، وطمأن الى أن لا خطر من التوطين.
لكن أوساط سياسية ومالية تخوّفت من «تبعات تورط لبنان بديون اضافية والتزامات دولية تضعه رهناً للمؤسسات الدولية لا سيما البنك الدولي، فضلا عن زيادة العجز في الموازنة نتيجة زيادة كلفة الدين وارتفاع نسبة الضرائب على الشرائح الشعبية الفقيرة»، وأضافت لـ «البناء»: «لا سيما أن الدول المانحة تعتبر زيادة الضرائب جزءاً من الإجراءات الإصلاحية لتغطية العجز في الموازنة بسبب كلفة الدين الاضافية». وتخوفت الأوساط من «الاجراءات الادارية والقانونية التي تتخذها الحكومة لتسهيل إقامة وعمل الاجانب ما يضاعف خطر توطين النازحين السوريين والفلسطينيين».
كهرباء في مجلس الوزراء
وعلى وقع التطورات المحلية والإقليمية، يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعلى جدول اعماله 55 بنداً، أبرزها البند الرقم 27 الخاص بعرضِ وزارة الطاقة والمياه لـ «الإجراءات المتوجّب اتّخاذها في اسرع وقت ممكن لإنقاذ قطاع الكهرباء»، وعلى جدول الأعمال ايضاً بندٌ يتّصل باقتراح قانون يرمي إلى تعديل المادة 50 من قانون العمل اللبناني التي ترعى عقود العمل.
وإذ من المتوقع أن يتجدد الانقسام الوزاري حيال بند استئجار البواخر، لفت إعلام 14 آذار الى أن « وزراء القوات اللبنانية ووزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون ووزير الأشغال يوسف فنيانوس سيعترضون على بند استئجار البواخر»، غير أن مصادر «البناء» أشارت الى أن «ملف الكهرباء المطروح في جلسة اليوم محصور بموضوع معمل دير عمار والمشاكل التي تعترض تشغيله، لكن يمكن طرح موضوع خطة الكهرباء واستئجار البواخر من خارج جدول الأعمال». واستبعدت المصادر «طرح الموضوع على التصويت الذي قد يؤدي الى أزمة داخل الحكومة، في ظل تأكيد رئيس الحكومة على التوافق مع رئيس الجمهورية وكل الأطراف»، وأشارت الى أن «خريطة الانقسام الوزاري حيال الكهرباء لا تزال هي نفسها رغم وجود اتجاه لدى بعض القوى المعارضة للخطة لمراعاة رئيس الجمهورية بعد نقاش عميق في هذا الملف خلال الايام القليلة الماضية».
ولفت وزير الطاقة و المياه سيزار ابي خليل الى «ان هناك وزراء وسياسيين لا يملكون شيئاً لقوله للبنانيين ولم يحققوا شيئاً في وزاراتهم ولم يقدموا اي انجاز للبنان»، مؤكداً في حديث تلفزيوني «ان هؤلاء الوزراء لا شغل لهم سوى التصويب على وزارة الطاقة ومشكلة الكهرباء التي عمرها 30 سنة»، واعتبر «انه فيما نحن نسعى للانتهاء من المشكلة، يسعون هم لابقائها معلقة من دون حل كي لا نتقدم وننجز في قطاع الكهرباء ».
توتر عالٍ بين «التيار» و«القوات»
الى ذلك تشهد العلاقة على خط الرابية معراب توتراً عالياً، فإضافة الى الخلاف الانتخابي والاشتباك الكهربائي، لا يبدو أن العلاقة السياسية مستقرة بين التيار الوطني الحر و«القوات»، حيث جدد رئيس «القوات» سمير جعجع أمس التصويب على رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل، بقوله إن «المشكلة مع باسيل هي الخلاف على مفهوم الشراكة». ورأى جعجع في حديث تلفزيوني ان «لا مصلحة انتخابيّة بالتحالف مع «التيار الوطني الحر» في المناطق ذات الأكثريّة المسيحيّة، إلا أن غير المفهوم هو عدم التحالف في المناطق المختلطة».
وعلى خط معراب بيت الوسط، وبعد اللقاء الاول بين جعجع والحريري برعاية سعودية منذ أزمة 4 تشرين الثاني الماضي، أوضح جعجع أن «لا مانع من اللقاء مع الحريري على الصعيد الشخصي إلا أن المطلوب اليوم ليس هذا الأمر وإنما التفاهم السياسي المبني على أمرين هما: أين تنتهي «الواقعيّة السياسيّة» و«كيفيّة ادارة الدولة».