أميركا تهرب إلى الصين والحريق آتٍ إلى السعودية…!

محمد صادق الحسيني

كل الدلائل والقرائن والإشارات المقبلة من واشنطن تفيد بأن الرئيس ترامب قرر مغادرة الميدان السوري بأسرع وقت ممكن مهرولاً باتجاه الصين، وكل ما عدا ذلك هو الإشاعات، إيتها الناطقة باسم البنتاغون…!

لقد تمّ قهر جنرالات البنتاغون على أسوار دمشق وتخوم الغوطة. وسيتم طرد وزير الحرب الأميركي بسرعة عقاباً له على تسبّبه بهذه الهزيمة النكراء لجيش الإمبراطورية المفلس والمكسور الجناح!…

والاجتماع العاصف الذي جرى بين ترامب وجنرالاته في ليلة اتخاذ هذا القرار يشكل واحداً من تلك القرائن والشواهد القاتلة…!

إنه من جديد موسم الهجرة الأميركية الى بحر الصين، لكنه أيضاً موسم تجديد التآمر والحشد الاستراتيجي ضد الكتلة الأوراسيوية التي عمادها الصين وروسيا وإيران، وتحديداً من موقع افغانستان التي ستكون المحطة الجديدة لتجميع بقايا إرهابيي داعش وأخواتها المهرّبين من سورية والعراق، ومرة أخرى بمساعدة المراوغ والمحتال اردوغان وقطر. وهذه المرة بمشاركة البشير السوداني الذي انضمّ للجوقة وتبرّع ليكون السمسار الجديد لدى تاجر البيت الأبيض بتقديم نحو مئتي ألف جواز سوداني لتهريب نفايات الحرب الكونية على سورية وبتمويل قطري إلى أفغانسان وشمال أفريقيا…!

إنها أميركا التي لم تتغيّر ولن تتغيّر سياساتها التي تنبع من طبيعتها العدوانية الاستعمارية، ولكنها التي تبدل من خياراتها باستمرار!..

فبعد مسلسل الهزائم الذي لحق بالولايات المتحدة الأميركية في كل حروبها ومشاريعها الاستعمارية الحديثة منذ بداية القرن وحتى الآن، سواء في العراق او افغانستان او سورية او اليمن او على صعيد المشروع النووي الإيراني السلمي، فإنها تحاول دمج عدة عناصر سياسية واقتصادية ومالية جديدة في خططها العدوانية الرامية الى استعادة هيمنتها المتزعزعة، كقطب أوحد، على مقدرات العالم واعادة عقارب الساعة الى الوراء، أي الى ما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الحالي.

وبين أهم العناصر الجديده التي زجت بها الولايات المتحدة في ميدان المواجهة الجديدة والشاملة هذه وعلى صعيد العالمي فهي التالية :

عنصر النفط والغاز، كمصدر للطاقة وبالتالي كمحرك أساسي للنمو الاقتصادي، ومحاولات محاربة الصين وروسيا، من خلال آليات معينة سنأتي على ذكرها لاحقاً، كسلاح لا ينحصر تأثيره في قطاع الطاقة فقط.

الإجراءات الحمائية أي حماية المنتجات الأميركية من منافسة نفس المنتجات لها والمستوردة من دول أجنبية وخاصة تلك المتعلقة بالحديد والصلب والألمنيوم المستورد من الصين وروسيا. وهي إجراءات لم تقتصر على الصين وروسيا، بل طالت في بعض تفاصيلها دولاً أوروبية أيضاً على الرغم من انها تتناقض تماماً مع أنظمة منظمة التجارة العالمية. ومع مبدأ المنافسة الرأسمالية المرة التي تواصل الولايات المتحدة التغنّي بها عندما يكون ذلك في مصلحتها.

قيام الولايات المتحدة باتخاذ سلسلة من الإجراءات ذات الطبيعة المالية المعقدة والتي أدّت الى رفع أسعار النفط في الاسواق الدولية، وذلك بهدف تحسين ظروف إنتاج وتسويق النفط الصخري الأميركي المرتفع الكلفة في الانتاج. وهو ما سنأتي على تفاصيله ايضاً.

وهذا يعني أن الولايات المتحدة قد شرعت بتنفيذ هجوم تجاري اقتصادي، مساند لتحركاتها العسكرية وعمليات الحشد الاستراتيجي التي تواصل القيام بها ضد روسيا والصين وإيران كما ذكرنا آنفاً، أي نقل المواجهة الشاملة بين القوى الدولية الى مستوى غير مسبوق.

فبعد فشل المشاريع الأميركية في إلحاق اكبر الضرر بالاقتصاد الروسي عبر السيطرة على احتياطيات الغاز في تركمنستان وإيران والعراق وتنفيذ مشروع انابيب للغاز من تلك البلدان مروراً بقطر ودمج إنتاجها من الغاز الطبيعي في هذا المشروع وضخ هذا الغاز الى أوروبا عبر الأراضي السورية، وذلك بهدف توجيه ضربة لسوق الغاز الروسي في أوروبا، وبالتالي تدمير الاقتصاد الروسي والدولة الروسية تمهيداً للسيطرة عليها وعلى خيراتها عبر الحرب الكونية على سورية .

وهو ما وأده في مهده وفاء الدولة السورية والرئيس بشار الأسد لأصدقاء سورية، بمواكبة ثبات الدولة الإيرانية وفشل مؤامرة الولايات المتحدة ضدها في العام 2009، تلك المؤامرة التي كانت تهدف الى اسقاط نظام الجمهورية الاسلامية في إيران، نقول إن رفض الدولة السورية ورئيسها لتلك المؤامرة ضد روسيا، وفشل ذلك المشروع لجأت الولايات المتحدة في حينها الى تنفيذ خطة جديدة ضد روسيا وفنزويلا وإيران، من خلال التآمر مع السعودية في إغراق الاسواق الدولية بالنفط الذي وصل إنتاج السعودية منه، عند بدء تلك الحملة الى اربعة عشر مليون برميل يومياً، مما جعل أسعار النفط تهبط الى أقل من ثلاثين دولاراً للبرميل.

أما الهدف الاستراتيجي الأميركي من وراء محاولات السيطرة على مصادر الطاقة، ومنها مصادر الطاقة الروسية طبعاً، فلم يكن هدفاً تجارياً او اقتصادياً محضاً، بل تعدّى ذلك الى مستوى استعادة وتكريس الهيمنة على مقدرات العالم كما كان عليه الوضع بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

كما لجأت الولايات المتحدة، وفِي ظل هجومها الاقتصادي المساند لتحركاتها العسكرية العدوانية، ضد كل من الصين وروسيا وإيران، وفِي خطوة تتعارض مع كل الاعراف والاتفاقيات الدولية، الى فرض ضرائب إضافية على العديد من المواد الصناعية المستوردة من الدول المذكورة اعلاه ودول اخرى، وذلك في محاولة لوقف نمو اقتصاديات هذه الدول، وبشكل خاص الاقتصاد الصيني الذي يشكل منافساً خطراً جداً للاقتصاد الأميركي.

وفِي إطار محاولاتها الرامية الى السيطرة على مصادر الطاقة وأسواقها في العالم فقد نجحت الولايات المتحدة في رفع إنتاجها من النفط الصخري الخام وبأسعار منافسة، حيث وصل الإنتاج السنوي العام للنفط في الولايات المتحدة الى عشرة ملايين وثمانية وثلاثين الف برميل يومياً 10,038 م/ب/ي/ ، علماً أنه سيصل الى اكثر من احد عشر مليون برميل يومياً مع نهاية هذا العام، وبالتالي يصبح انتاج الولايات المتحدة اكثر من انتاج السعودية، فيما سيصل الانتاج الأميركي الى اكثر بقليل من الانتاج الروسي في العام 2019، حسب محلل الشؤون النفطية في مؤسسة IHS Markit Energy Information Administration في لندن، السيد سبينشر ويلش Spencher Welch.

وفِي الوقت ذاته يؤكد محللو الشؤون النفطية في بنك غولدن ساكس Golden Sax الأميركي أن أسعار النفط ستصل الى مستوى 82,5 اثنين وثمانين دولاراً ونصف الدولار، خلال الستة أشهر المقبلة من هذا العام. بينما يرى السيد سبينشر ويلش Spencher Welch ان الأسعار ستستقر في حدود 60 دولاراً للبرميل خلال الفترة المقبلة ولمدة طويلة. وهو ما يعني زيادة حوالي 15 على سعر النفط الحالي، مما يعزز وصول الولايات المتحدة الى وضعية اكبر منتج للنفط في العالم في العام المقبل.

وهذا ما سيتيح المجال لزيادة عدد منصات الحفر لإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، والذي سيزداد بمعدل مليون واربعمئة الف برميل يومياً، حسب السيد ارتوم ابراموف Artum Abramov، مدير شركة تحليل المعلومات النفطية النرويجية ريستاد اينيرجي Rystad Energy، وبالتالي تشديد قبضة الولايات المتحدة الأميركية على أسواق النفط في العالم مما يؤثر بشكل سلبي على منتجي النفط الآخرين، وكذلك الأمر على المستهلكين.

وهو ما دفع تلك الدول وعلى رأسها الصين باتخاذ سلسلة إجراءات مضادة وبشكل فوري أهمها :

فرض رسوم جمركية في حدود 25 على 128 منتجاً أميركياً يتم استيرادها الى السوق الصينية.

هجوم شامل على الدولار الأميركي، وذلك من خلال اعلان الصين قبل أيّام عدة عن اقامة منصتها الخاصة بتجارة النفط، والتي سيتم عبرها تغطية ثمن جميع مشتريات النفط الصينية باليوان الصيني العملة الصينية ، مما يعتبر ضربة كبرى للدولار الأميركي الذي تتم 99 من عمليات بيع النفط في العالم على قاعدته حالياً.

تلك العمليات التي يبلغ حجمها المالي اربعة عشر ترليون دولار.

إذن الخطوة الصينية هذه تقوّض دور الدولار في كونه عملة احتياطية للكثير من الدول، وكذلك لكونه العملة الأكثر تداولاً في تغطية قيمة الصفقات التجارية في العالم من نفط وغيره. وبذلك تكون الصين قد وجّهت ضربة كبرى للمشروع الأميركي في مجال الحرب الاقتصادية/ التجارية عليها. بخاصة أن عدداً من الدول، من بينها روسيا وإيران، ستبدأ التعامل مع الصين في تعاملاتها التجارية على قاعدة العمله الصينية.

ولكن هذه الإجراءات، ورغم أهميتها، لا يمكن ان تضع حداً لمشاكل الصين في مجال الحصول على الطاقة وبالتالي ضمان خط بياني تصاعدي لنمو اقتصادها الوطني، خاصة أنها تعتمد الى حد بعيد على استيراد النفط السعودي.

إذ تقف السعودية، التي تصدر للصين مليونين وستة وثمانين الف برميل نفط يومياً، في المرتبة الثانية، بعد روسيا التي تحتل المرتبة الاولى وتصدر مليونين وخمسة وتسعين الف برميل يومياً الى الصين.

وبالنظر الى أهمية روسيا والسعودية، كمصدري طاقة للاقتصاد الصيني، فإن كلاً من الصين والولايات المتحدة تتخذان ما يلزم من الإجراءات الضرورية لإنجاح خطط المواجهة لكل منهما.

فمن اجل ضمان استمرار تدفق النفط السعودي الى الصين قامت شركتا بترو تشاينا PetroChina وشركة Sinopec بالتعاون مع مؤسسة مختصة من الحكومة الصينية، حسب ما أوردته وكالة رويترز بتاريخ 17/10/2017، بتقديم عرض للحكومة السعودية للاستحواذ على نسبة الخمسة في المئة من اسهم أرامكو التي تريد السعودية طرحها في البورصة مستقبلاً، مقابل مئة مليار دولار ومن دون انتظار طرح اسهم الشركة في البورصات الدولية. كما تضمن العرض تأكيداً من الطرف الصيني بالاستعداد لشراء نسبة تزيد على الخمسة في المئة اذا ما وافقت الحكومة السعودية على ذلك. ولا زالت الحكومة السعودية لم تتخذ قراراً بهذا الشأن حتى الآن.

ويبدو أن السبب في ذلك هي تدخلات وضغوط أميركية لمنع إتمام هذه الصفقة، لأنها تتعارض مع استراتيجية واشنطن الرامية الى السيطرة على مصادر الطاقة في العالم كي تتمكن من التحكم في نمو الاقتصاد الصيني الذي تعتبره بمثابة تهديد كبير للمصالح الأميركية، ليس فقط الاقتصادية وإنما العسكرية والسياسية ايضاً.

من هنا، ولكون السعودية تحتل المرتبة الثانية في مصادر الطاقة بالنسبة للصين، وفي ظروف المواجهة الاقتصادية المستعرة الآن، بين الصين وحلفائها من جهة والولايات المتحدة وأتباعها من جهة أخرى، والتي هي أقرب الى الحرب الباردة منها الى حرب تجارية محدودة.

ومع احتمالات تطورها الى مزيد من التصعيد العسكري بين المعسكرين، عبر مواصلة الولايات المتحدة لعمليات الحشد الاستراتيجي في مواجهة كلٍّ من الصين وروسيا، براً وبحراً وجوًا وعبر الوسائل الإرهابية المعروفة وبمسمياتها المختلفة والتي تقوم وزارة الحرب الأميركية ووكالة المخابرات المركزية بنقل فلولها التنظيمات الإرهابية وبالتعاون مع قطر ودول عربية وإقليمية أخرى الى جوار روسيا والصين كما ذكرنا ….

نقول إنه ومع احتمال التصعيد العسكري بين الطرفين، فإنه سيُصبِح من غير المسموح للسعودية أن تبقى مصدراً رئيسياً للطاقة في الصين مما سيستدعي إجراءات أميركية محددة لضمان وقف تصدير النفط السعودي الى الأسواق الصينية.

ولإجل تحقيق نجاح هذه المواجهة، فإن ادارة ترامب ستطلب من السعودية :

التوقف عن بيع النفط للصين، مما سيتسبب بخسائر هائلة للسعودية، وذلك بسبب انعدام إمكانيات تصدير نفطها الى الاسواق الاوروبية التي ستكون مرتبطة بعقود استيراد نفط أميركي.

القيام بتجفيف مصدر النفط السعودي الى الصين، وذلك من خلال زعزعة الاستقرار الداخلي السعودي، سواء عبر إثارة الصراعات داخل عائلة آل سعود أو من خلال ركوب موجة «الإصلاحات والتحديث» التي يقودها محمد بن سلمان، وذلك عبر تطويرها أو أخذها باتجاه «ثورة ثقافية» لإحداث فوضى شاملة في البلاد يتم تحويلها الى حرب أهلية بتمويل محلي، عبر ثروات أفراد عائلة آل سعود، أو تمويل إقليمي عبر مصادر مالية لدول خليجية أخرى سيتم استخدامها لتحقيق هذا الهدف.

وهذا يعني في هذه الحالة قراراً أميركياً بإسقاط الدولة السعودية والتخلي عنها، تماماً كما تخلت الولايات المتحدة عن شاه إيران في سبعينيات القرن الماضي وعن حسني مبارك عام 2011، علماً ان لدى الولايات المتحدة الكثير من الأسباب والوسائل اللازمة لشيطنة حكام آل سعود وتوجيه التهم إليهم والتي سيكون أولها تهم الإرهاب عبر تحريك قانون جاستا الأميركي الخاص بالإرهاب.

بناء على ما تقدّم فمن غير المستبعَد أبداً أن تنطلق موجة تحركات شعبية «ديموقراطية» في السعودية قريباً ليتم تحويلها شيئاً فشيئاً الى معارضة مسلحة، تطالب برحيل محمد بن سلمان هذه المرة وليس برحيل الرئيس الأسد، كما كانت الحال عليه في السنوات السبع الماضية!…

والمعارضة هذه ستكون من الطراز الأميركي «المعتدل» والتي ستكون مهمتها الاستمرار في الفوضى الدموية في نجد والحجاز الى أجل غير مسمّى… تنفيذاً للمخططات الأميركية.

وهو ما يعني تفكك دولة آل سعود واندثارها الى الأبد وبسرعة قياسية، وذلك لعدم وجود لا من يأسف لزوالها ولا من له مصلحة في الدفاع عن هذه الدولة وفسادها وخياناتها التي ارتكبتها منذ تأسيسها.

إنه عصر ما بعد انتصار محور المقاومة وصعود أنجم طهران ودمشق وحارة حريك وأفول أنجم الغربان السود من أعراب وعثمانيين جدد وبدء تحلل قوة دويلة الكيان الصهيوني وتدحرجها الى هاوية السقوط المدوي….!

في هذا الاطار فقط يمكن فهم الانتصار الاستراتيجي العظيم الذي ينتظر اليمن على قبيلة آل سعود الآيلة الى الانقراض، وكذلك التراجع الاقتصادي الحاد جداً الذي ينتظر الاقتصاد التركي في العام المقبل، وتراجع أسهم العقيدة الصهيونية داخل النظام والمجتمع الصهيونيين في تل أبيب…!

بعدنا طيّبين، قولوا الله.

اترك تعليقاً

Back to top button