عيد الجلاء.. وثنائية الجولان والمقت
نظام مارديني
في كل عام من يوم 17 نيسان تشهد قرى الجولان السوري المحتل، مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة وعين قنية، إضراباً عاماً وشاملاً احتجاجاً على استمرار الاحتلال الصهيوني. وليس مستغرباً أن يعيد العدو في كل مرة معزوفته الوقحة من أنه لن يعيد الجولان المحتل لأصحابه، وذلك عشية العقد الثامن لعيد جلاء الانتداب الفرنسي عن سورية 17 نيسان 1946. وهو، أي العدو، لا يزال يسمع صدى القول الشهير من أن الجولان هو في قلب سورية ووسطها وليس على أطرافها، وبما يعني من أن فلسطين كانت وستبقى إلى أبد الآبدين جنوب سورية.
فمنذ احتلال الكيان الصهيوني للجولان عام 1967 تقدَّر مساحته الإجمالية بـ 1860 كم2 ويشغل 68.6 من مساحة محافظة القنيطرة ، وحتى العام 1981 عندما أقرّ «الكنيست» الصهيوني ما يُسمّى بـ «قانون الجولان» وهو قرار ضمّ الجولان، الذي اعتبره مجلس الأمن الدولي لاغياً وباطلاً وليس له أي أثر قانوني على الصعيد الدولي.
منذ ذلك الوقت يبذل العدو جهوداً مكثفة لربط تاريخ الجولان بكيانه، مدعوماً بمراكز بحثية علمية في مناطق مختلفة من العالم، لنشر آلاف الدراسات التي تهدف إلى تشويه تاريخ هذه الهضبة السورية المحتلة الذي يعود إلى الحقبات الآرامية والآشورية والكنعانية.
إن محاولات العدو تدعيم شرعية احتلاله للجولان، لن يصنع ماضياً أو تاريخاً شرعياً لهذا الكيان الذي جمع شتاته في غفلة من وطننا الذي كان ينفض عنه غبار الانتدابين البريطاني والفرنسي، وليس للاحتلال مصداقية بتغيير الحقائق التاريخية، وإن اختلف الواقع واختلت الموازين، فإن هوية هذه الأرض ستبقى جزءاً من الوطن السوري، مهد الحضارات القديمة، وقبلة الإنسان الأول، ولن تُنْتَزع بصمات الحضارة لتُسلَب وتختصَر وتُنسَب لقوم يفتش عن خرافات وأكاذيب وادعاءات ليثبت شرعيته وتفوّقه وعنصريته.
إنّ تأمل مسلك العدو الذي راهن على تجاوز مفردات كالنكبة، النكسة، ومن بعدُ ذلك محاولة ردم مفردة المقاومة عبر استبدالها بالعمل السياسي. إن هذا التأمّل يشير إلى أن الحرب النفسية في هذا الصراع لا يمكن أن تكون أكثر أهمية من هذا الوقت. وبعد سبعين سنة على اغتصاب جنوبنا ـ فلسطين، خصوصاً أن هذه الحرب هي فعل تطويع وإحباط للمجتمع، وهي فعل تأثير، ولكن في المقابل هنالك ذاكرة ستكون مسؤولة عن مواجهة هذه الحرب الصهيونية النفسية.
لعلّنا نتذكّر صرخة الأسير البطل صدقي المقت في وجه المحتل: أيّها الجلاد.. أيّها المحتل.. احكم كما يحلو لك.. هذا جسدي بين يديك افعل به ما تشاء.. افعل به ما يشبع ساديتك وحقدك وانتقامك.. لا أخاف أحكامكم.. أما إرادتي الحرة فهي في قلب وضمير كل إنسان حرّ شريف آمنة مطمئنة.. بعيدة عن بطشكم.. لا أنشد العدل في محاكمكم الباطلة أصلاً.. فالعدل الذي أنشده موجود على امتداد الوطن.. في ضمائر شعبنا البطل وجيشنا الأسطوري.. في ضمائر كل شرفاء هذه الأمة وأحرار العالم»..
هذه الكلمات هي جزء من رسالة من الأسير المقت من داخل سجن الجلبوع شمال فلسطين المحتلة، والرسالة بمضمونها تؤكد مسيرة النضال التي انتهجها الأسير المقت طيلة ثلاثة عقود مضت.
وتابع «الآن وأنا أمضي عامي الثالث في سجون الاحتلال أتوجّه بأصدق التحيات إلى شعبنا السوري الأبي، وأحني هامتي أمام بطولات وتضحيات جيشنا الأسطوري، وأعاهد الرئيس بشار الأسد أن نبقى الأوفياء دوماً في الدفاع عن سورية».
في فيلمها الذي أخرجته «رسائل الكرز»، تدور أحداث الفيلم حول الجولان السوري المحتل من خلال قصة حبّ شاب وفتاة لم يُكتَب لها النجاح بسبب العدو، تقول الفنانة السورية سلاف فواخرجي:
«الحبّ ليس برجل وامرأة فقط بل جغرافيا وذكريات وتاريخ».
«رسائل الكرز» هو عناقيد كرز تمتدّ من فلسطين إلى الجولان، تحكي قصة عشق بين شاب وفتاة، بين شعب وأرض، بين هوى وهوية. ورسائل كرز كتبت حروفها بحبر الكرز، هو حبرٌ بِحُنُوِّ القلب ولون الدم..