هزلية العدوان الثلاثي مراوحات ومراوغات
سماهر الخطيب
شكّل العدوان الثلاثي الأميركي – الفرنسي والبريطاني على سورية بحجج ومزاعم واهية مفصلاً تاريخياً لا يمكن الالتفاف عنه أو محو آثاره التي ستترك بصماتها على المنطقة بكاملها، وشكل تأثيره بعداً دولياً سيظهر في المرحلة المقبلة، بحيث لا يمكن لـ«البيتين» الأبيض والأوروبي تجاوزها أو القفز فوقها أو حتى الحياد عنها.
ورغم محاولة بعض العقول القاصرة في هذين «البيتين»، إعطاء العدوان بعداً إنسانياً علّه يمحي الهزيمة التي ألحقت به في الحسابات العسكرية وكذلك الداخلية الشعبية، إلا أنّ ما نتج عن هذا العدوان من تضارب وتخبّط أكد جملة حقائق ووقائع لم يعُد بإمكان أي طرف تجاوزها.
بداية، تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بأنّ «الضربات المشتركة، التي شنّتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على سورية، ليست إعلاناً للحرب على السلطات في دمشق بقيادة الرئيس بشار الأسد»، وقوله إنّ الحرب الوحيدة، التي تخوضها فرنسا مع شركائها من التحالف الدولي في سورية، تجري ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي يهدّد أمن هذه الدول، في محاولة للانسحاب نحو الأمام وتسجيل نقطة في سجل اللعبة السياسية.
كذلك، اعتبر ماكرون نفسه على قدم المساواة مع بوتين، وفي تضارب تصريحاته على مبدأ «شلّف تربح» قال إنه «قرّر أن يضرب في سورية كي يبعث رسالة إلى بوتين، مفادها أننا أيضاً مشاركون في هذا»، معتبراً أنّ «مثل هذه القرارات تؤدي إلى السلام في سورية»، بحسب اعتباره.
وفي أوج التصريحات «الماكرونية» إقناعه الرئيس الأميركي بـ «ضرورة البقاء في سورية»، أتى إعلان ترامب لنيته «إنهاء الانتشار العسكري الأميركي في سورية»، واستبدال القوات الأميركية هناك بتحالف عربي يضمن «الاستقرار شمال شرق سورية».
بذلك كُذّب إعلان الرئيس الفرنسي وأظهر انشقاق عقولهم وتنافر استراتيجياتهم الفاشلة كذلك
برر «التاجر» الأميركي نيته بالقول: «لدينا شركاؤنا القادرون على تحمّل مسؤولية أكبر عن تأمين منطقتهم الأم، والمساهمة بمبالغ أكبر من المال». فيما تهافتت تلك الشركاء «العربية» إلى دفع المناقصات علّها ترسو لصالحها!.
وفي وقت أكد ماكرون أنّ «الاتحاد الأوروبي استطاع إرسال رسالة واضحة لروسيا عبر وحدته»، عزف شريكه الأميركي على عكس إيقاعاته رافضاً فرض المزيد من العقوبات ضدها، ومؤكداَ أنه «لا يستبعد إقامة بلاده علاقات طبيعية مع روسيا وحتى مع إيران في المستقبل».
ولم تخلُ لندن من آثار عدوانها ليدخل ضمن قبّة برلمانها، حيث شكك زعيم حزب العمال البريطاني المعارض جيريمي كوربين، في الأساس القانوني لمشاركة بريطانيا في الهجمات على سورية.
ووجّه كوربين سؤالاً إلى رئيسة الوزراء «لماذا سورية وليس السعودية؟»، لتردّ تيريزا ماي، بأنّ قرارها ضدّ سورية كان من أجل المصلحة الوطنية للبلاد، وليس نتيجة ضغوط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب»!
إذاً، خلطت الأوراق وانخلطت معها الاستراتيجيات حتى إدارة الأزمات باتت متضاربة بين مدرائها، فلا واقعية ولا مثالية لم تعد تجدي نفعاً تلك الاستراتيجية، وكذلك نظريات الألعاب ومعضلات الحلول باتت كما التصريحات متضاربة ومتناقضة المواقف، وبات اللاعبون جميعهم يراوحون ويراوغون.
وبعد أن باتت البؤر في أوج اشتعالها، وكذلك بعد أن وصلت الحرب السورية ذروتها في الانتصار لدولتها وشعبها والانكسار لأعدائها، لا بد اليوم أن نشهد تلك الصورة الضبابية وهذا المشهد غير الواثق من معالمه، فالكل تريّث لربما يستطيع أن يسجل هدفاً في مرمى الآخر.
كما حُصر الملك في رقعة الشطرنج بعد أن خسر جنوده ووزراءه وأسقطت قلاعُه ولا حلّ لديه إلا تصريحات متضاربة يشتري بها بعض الوقت.
إن ما يدور في الساحة الدولية ربما تسويات وإعادة لضبط وتهيئة لمناطق النفوذ والنافذين فيها.. ويسبقها بطبيعة الحال خلط للأوراق وجس للنبض والحذر، لعلّ الأيام المقبلة تحمل مفاجآت..