المشروع الأوروبي الأممي حول النازحين: مطلوب رئيس حكومة قادر على التنسيق مع سورية

ناصر قنديل

– حتى تاريخ انعقاد مؤتمر بروكسل وصدور بيانه الختامي بالتعاون بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة كان التباين حول ملف النازحين السوريين ومعالجته لبنانياً يبدو امتداداً للتجاذب حول الخيارات الإقليمية بين الأطراف اللبنانية، وكأن ثمة فريقاً يريد مجرد التذرّع بقضية عودة النازحين ليفرض التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية، وبالمقابل فريق ينطلق من الخيار السعودي الذي يقوم على اعتبار العلاقة بالحكومة السورية من المحرمات.

– البيان الأوروبي الأممي يقطع مجال التكهن والتحليل، ويقول بوضوح إن ربط عودة النازحين إلى بلدهم سورية بالحصول على شراكة أوروبية أممية يعني ربط العودة بقيام حلّ سياسي للأزمة السورية يرضاه الغرب. وهو حلّ يبدو بعيداً في ظل خلاف عميق حول ما يرتبط بهذا الحل من صورة للأمن الإسرائيلي، ويعرض الأوروبيون والأمم المتحدة معهم على لبنان التأقلم مع بقاء النازحين وتمويل جزء من كلفة هذا البقاء لمنع عودتهم إلى سورية قبل تلبية الشروط الغربية، لأن النازحين ورقة ضغط لصالح هذا الحل الغربي يُراد من لبنان ضمان الإمساك بها وضمان عدم انزلاق هؤلاء النازحين نحو أوروبا في آن واحد.

– الموقف الوطني الذي عبّر عنه في آن واحد كل من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ووزير الخارجية من البيان الأوروبي الأممي يضع لبنان على مفترق، لم يعُد معه ممكناً تأجيل الإجابة عن سؤال: كيف سيتعامل لبنان مع قضية النازحين، القبول بالتحوّل إلى سجن لهؤلاء السوريين بتعقيد عودتهم إلى بلادهم أو سفرهم إلى أوروبا تنفيذاً للرغبة الغربية، مقابل رشاوى مالية، أو وضع مشروع لبناني وطني لضمان كرامة هؤلاء النازحين وتسريع فرص عودتهم الآمنة إلى بلدهم، والغرب لا يُخفي حاجته لاستعمالهم ورقة انتخابية مرّة، وورقة ابتزاز سياسية مرات. وفي الحالتين على لبنان ارتضاء لعب دور الأداة العميلة على حساب مصلحته الوطنية وحساب النازحين وحساب سورية.

– بمعزل عن المواقف السياسية للأطراف التي تتكوّن منها الحكومة تُبنى السياسة الحكومية على مصلحة الدولة العليا. وهذا هو الحال مثلاً في العلاقات اللبنانية مع دول غربية وعربية تعلن الحرب على مكوّن لبناني رئيسي هو حزب الله، وسقف موقف الحكومة اللبنانية هو رفض المشاركة في التوقيع على بيانات تتضمّن مواقف عدائية لحزب الله ووصفه بالإرهاب، لكن لم يكن الموقف الحكومي يوماً يربط بقاء العلاقات بهذه الدول أو قطعها بقياس مدى تمسكها أو تراجعها عن هذا التوصيف. فلماذا على الحكومة أن تربط موقفها من التعاون أو الخلاف مع الحكومة السورية بالتوصيف السياسي لمكوّناتها للوضع السوري؟ والمنطقي والطبيعي أن أبسط واجبات الحكومة أن تضع جانباً هذه التوصيفات وترسم سياستها وفقاً للمصلحة اللبنانية.

– بين الحكومتين اللبنانية والسورية تبادل تمثيل دبلوماسي على مستوى سفراء وتنسيق على مستوى عديد من الوزارات والإدارات، عدا عن المصالح المشتركة والروابط التاريخية والتداخل العائلي والاقتصادي وحجم التأثر والتأثير المتبادلين، وما صار ملحاً بعد الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة من قضية النازحين، هو الإجابة عن سؤال: مَن هو رئيس الحكومة الذي يستطيع حمل هذا الملف إلى دمشق وبدء مباحثات تنتهي بتفاهم على روزنامة تفصيلية للحلول التي تحقّق مصالح البلدين والنازحين معاً؟ وقد صارت أولى مهمات الحكومة الجديدة البتّ بمصير هذه القضية الساخنة بل والمتفجّرة، والموضوعة بين خيارين، خيار وطني وخيار لا وطني لا لبس بينهما.

اترك تعليقاً

Back to top button