فلسطين ونصرالله
ناصر قنديل
– تبدو التوأمة بين فلسطين والسيد حسن نصرالله قضية وجودية لكليهما، فليس في حياة هذا السيّد من قضية تحتلّ وجدانه وتشكّل بوصلة يوميّاته كمثل فلسطين، تلازم وضوءه وصلاته والدعاء، يتشكل حولها محور التحالفات والخلافات، ولها مكانة البوصلة في كل ما يُعرَف بمصطلحات اليوم بالسياسة، ولولاها لترك هذه السياسة لسواه وليس فيها ما يستهويه، وهو لأجلها فقط يتحمّل الكثير مما يراه ويعرفه ويسمعه، وممن يلتقيهم ويبذل جهوداً لتحشيدهم وإقناعهم، وتثبيت مواقفهم في مواقع يراها ولو لم يصارحْهم بذلك، سنداً لمعركته من أجلها، ولولا هذا السيّد ما كانت فلسطين التي يئست من حكومات العرب، تحضَر عرس شهادتها اليوم، وقد سبق أن أخذها بعض قادتها باسم اليأس إلى سوق النخاسة في أوسلو، وتحمّلت المهانة ضناً بدماء أبنائها كي لا يسقطوا وتذهب دماؤهم هدراً. فكل تجاربها خيبات، تثق وتختزن الآمال وتسقط ضحية خيبة جديدة، إما لأن التآمر خطف منها فرصة ذهبية كجمال عبد الناصر، أو لأن الخيانة أخذت منها مصر مع أنور السادات، وها هي تعود تبذل أبناءَها وبناتها قرابين على مذبح حريّتها، وعيونها لا تشخص إلى سواه، تُعلن جاهزيّتها للمزيد وهي تثق أنه يقبض على اللحظة وسيكون حيث يجب أن يكون.
– يجتمع كل شيء اليوم للقول إنها المعركة الفاصلة، فلا مزيد من المعارك الحقيقية في سورية، إلا لأن سورية بقيادة رئيسها ترفض منح الضمانات لأمن «إسرائيل»، ولا مزيد من الضغوط على لبنان والعراق واليمن يُجدي في تغيير التوازنات بحسابات المصالح إلا لأن أمن «إسرائيل» في الميزان. وفي الملف النووي الإيراني كانت ولا تزال القطبة المخفية أن إيران تدعم قوى المقاومة وتتسبّب بزعزعة أمن «إسرائيل»، وتأتي أميركا وتجلب معها عربانها لتدعيم مكانة «إسرائيل» بكل ما تملك ويملكون، وتشريع الاغتصاب بعض هذا الذي يراهنون أنه يُجدي في لحظة المواجهة الوجودية، والبوابة من القدس.
– يتصدّر السيد ساحة الحلفاء معلناً رسم المعادلات، من ميزان الردع في لبنان إلى ميزان الردع المتنامي في سورية، إلى ثبات إيران، والثقة بالحشد في العراق وبالصمود في اليمن، والعين والقلب إلى فلسطين، والساحات تمتلئ بالحشود والشهداء، والمعركة في البدايات، والقضية معقّدة الحسابات، لكن الجولة حاسمة، فأن تنتهي بإخماد جذوة المقاومة والانتفاضة يعني انتقال «إسرائيل» مجدداً ومعها أميركا وعربانها لتدمير معادلات القوة الراسخة بتوازناتها اليوم في ساحات الصراع كلها، وأن تنجح فلسطين في مواصلة المواجهة والمقاومة، يعني أن تتثبت معادلات القوة في الساحات كلها.
– ما من ضمانة بعيون الفلسطينيين لتتواصل التضحيات بلا حساب لولا الثقة بأن الأمين هو المؤتمن على الدماء، وبعد الخيبات في ساحات المواجهة من كثير من القيادات الفلسطينية لا ثقة في هذه الساحات إلا بأن السيّد هو الضمانة. فله وحده وبوجوده سيطوي السوريون ومثلهم كثيرون صفحات خيباتهم مع فصائل فلسطينية وقيادات فلسطينية، وعنده وحده تنعقد الثقة من كل صوب.
– السيد وفلسطين يتقدّمان الخطوة ما قبل الأخيرة للقاء التاريخي الموعود، وليس مهماً بعدها كم يدوم الصراع، ولا كم تكون التكلفة أو كيف تتبلور الاحتمالات.