دمشق حرّة حرّة
ناصر قنديل
– خلال سبع سنوات مضت كان كلّ ما يجري خارج دمشق في كفة وما يجري في دمشق وحولها وعلى الطرقات التي تربطها بمدن سورية ومحافظاتها في كفة أخرى. فمحافظتا دمشق وريف دمشق تشكلان معاً قلب سورية الجغرافي والسياسي والاقتصادي والسكاني والعسكري، ويكاد يكون لكلّ ما جرى خارج هذا القلب وظيفة الاستنزاف لتشتيت قدرات الدولة السورية وجيشها وأجهزة أمنها وحلفائها، كي يتمّ الحفاظ على البنى القادرة على الإرباك في دمشق وريفها. ففي دمشق وما حولها من ريف ومن أطراف حمص إلى أطراف درعا إلى الحدود اللبنانية والعراقية والأردنية والفلسطينية، تتشكّل هذه البقعة التي يتقرّر منها مستقبل سورية.
– منذ تحرير الغوطة بدا أنّ ساعة تحرير الجيوب المحيطة بدمشق أو المنغرزة في قلبها قد دقّت، وأنّ العبث بعناوين مثل مخيم اليرموك، والتقرّب من مقامات دينية كمقام السيدة زينب، لتزخيم ألاعيب الفتن، قد انتهى زمانه، وأنّ الجيش العربي السوري بات قادراً وجاهزاً، ولديه القرار الحاسم لإنهاء هذه اللعبة التي أريدَ لها أن تقتل ما يمكن من السوريين وأن تستنزف ما تستطيع من مقدراتهم وأعصابهم وأرواحهم ودمائهم وأرزاقهم، وأن تشيع حالة الحرب في كلّ أحيائهم، وأن تسقط فكرة الدولة وقدرتها في عاصمتها وفي عيون أهلها، فلا يتبقى منها سوى هيكل عظمي بلا روح، مهما كان هذا الهيكل قوياً.
– يربط كثيرون التصعيد الأميركي والإسرائيلي والسعودي بحسابات ومعادلات إقليمية، وكثيرون يحاولون القول إنّ القضية هي قضية الوجود الإيراني ودور حزب الله، ومستقبل التسويات في سورية. وهذا كله فيه جانب من الحقيقة، لكن الحقيقة الأهمّ هو أنّ التأثير على قدرة الجيش السوري وقراره وتماسك جبهة حلفائه لتأخير وتعطيل قرار إعلان دمشق وريفها مناطق خالية بالكامل من الإرهاب، يبقى الهدف الأهمّ، ووحده يفسّر معنى أنّ كلّ الاستهداف الذي طال مواقع الجيش السوري وحلفائه قد تركز في هذه البقعة من الجغرافيا السورية، منذ حرب الغوطة، فالعدوان الذي قادته واشنطن ومثله الاعتداءات الإسرائيلية كانت جزءاً عضوياً من الحرب التي تخوضها جماعات تتلاقى على العداء لمشروع الدولة السورية، تضمّ داعش والنصرة وجيش الإسلام وبقايا الجماعات الأخرى المسماة بالمعارضة المسلحة، والمرتبطة عضوياً بقرار أميركي سعودي إسرائيلي.
– لا ينفصل الإنجاز التاريخي عما سبقه ومهّد له بالتأكيد، لكن نكهة الإعلان عن الإنجاز تبقى مميّزة، فبمثل ما كان معلوماً أنّ هذه اللحظة قادمة مع تهاوي قلاع الإرهاب في القلمون الشرقي بعد الغوطة، كان للإعلان بالإنجاز قيمة منفصلة رغم التوقّع، ولذلك كما منح نصر الغوطة لهذا الإنجاز نكهته، يمنح هذا الإنجاز هو الآخر لإعلان قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد نكهة أخرى، فيصير الحديث عن فرصة متاحة لدعوة مَن يريد الالتحاق بعملية سياسية بات معلوماً أنّ سقفها حكومة موحّدة في ظلّ الرئيس الأسد تضع دستوراً جديداً وتمهّد للانتخابات، حديثاً واقعياً، كما يصير السؤال عن مستقبل القوات الأجنبية التي تدّعي ربط مصيرها بالتسوية السياسية، سؤالاً مشروعاً.
– اليوم بمثل ما يستطيع السوريون الهتاف بصوت عالٍ، دمشق عادت حرّة، يستطيعون الاستعداد لمرحلة جديدة تقودها دولتهم في السياسة كما في الميدان، والعنوان، سورية موحّدة بجيش واحد هو الجيش العربي السوري ورئيس واحد هو الرئيس بشار الأسد، ولا مكان لاحتلال ولا لانفصال، مهما كانت عوامل التمويه والتورية، زمن يبدأ وزمن ينتهي، وقد وجب أخذ العلم.