نقاط على الحروف نبيه بري رئيس مجلس لبنان

ناصر قنديل

– هذا العام بلغ ثمانينه ومعها أربعينية قيادته مسيرته السياسية المنتظمة منذ غياب الإمام السيد موسى الصدر. وهي أربعينية صداقتنا، وهو الآتي من عروبة عتيقة عريقة جعلته نصيراً للقائد العربي الراحل جمال عبد الناصر، ومعجباً فصديقاً للقائد الراحل حافظ الأسد، ورفيق درب ودود لدود للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وقد دخل السياسة بخطواته الأولى قائداً طالبياً في أواخر الخسمينيات ومطلع الستينيات، مناضلاً لأجل الجامعة اللبنانية الوطنية.

– عام 1982 ومع بدء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت تلاقينا وكان الغضب يُطلق الشرر من عينيه، ويستقرّ على قرار المواجهة، بلا تردّد، وصاغ بياناً من موقعه كرئيس لحركة أمل يدعو فيه للجهاد بكلّ سلاح مُتاح. وكانت الترجمة الأولى أن نذهب مجموعة من مقاتلي وقادة حركة أمل ومقاتلي وقادة من تنظيمنا اليساري آنذاك «رابطة الشغيلة» إلى إقليم التفاح وإقليم الخروب، حيث لم نكد نصل إلا وتبلغنا أنّ العدو صار على ساحل الدامور، لنقرّر ملاقاته إلى خلدة. وكانت المعركة التي قاتل فيها شباب أمل ومنهم مَن صاروا لاحقاً قادة في حزب الله، وكانت أولى الهزائم المدوّية لجيش الاحتلال.

– مع رحيل المنظمات الفلسطينية عن بيروت، كان من الذين استشعروا بؤس الزمن العربي، ونعاه يومها بكلمات عن سقوط مقبل للعاصمة العربية النبيلة بيروت، واستعداد للقتال ليسجّل التاريخ بطولة المدينة التي تُستشهَد واقفة ولا ترفع الراية البيضاء، لأنّ أخوة يوسف قرّروا أن يرموه في الجب ليتخلّصوا من إحراج جماله وفطنته. واستقبل أبي عمار مودّعاً، بحضور قيادات لبنانية وفلسطينية، وبعد الرحيل وانتشار القوات المتعدّدة الجنسيات، تيقن من أنّ بيروت تمّ تسليمها بقرار دولي عربي للاحتلال، فحزم الأمر لقتال لا أملَ بنصر محقّق فيه، لكنه شهادة للتاريخ.

– كنتُ إلى جانبه ساعة تبلّغه دخول وحدات من جيش الاحتلال ووحدات تابعة للعميل سعد حداد إلى مناطق في الضاحية، وصولاً إلى ساحة الغبيري فكانت تعليماته لمرافقيه الذين كان أغلبهم من شباب الحركة في الشياح بالذهاب وترتيب عمليات مواجهة مهما كلّف الثمن. فلا يجوز أن يشعر المحتلّ وعملاؤه أنهم في نزهة، وكانت سلسلة عمليات أخرج معها المحتلّ والعملاء من الضاحية وتمركزوا على مستديرة المطار، وعندما جاء نبأ انتشار مشاة الاحتلال في كورنيش المزرعة القريب من منزله، وكنّا على باب المبنى طلب بندقية مرافقه، ووقف كما يقف أيّ حارس متأهّب للقتال.

– منذ تلك اللحظة جمع سعيه لتزخيم المقاومة، مع تمسكه بكلّ ما يستثمر على الوحدة الوطنية. وكانت هذه حكمته للمشاركة في هيئة الإنقاذ التي شكلها الرئيس الياس سركيس وضمّت إليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وقائد القوات اللبنانية بشير الجميّل والوزير فؤاد بطرس، ورغم اختلافنا حولها بقينا معاً تحضيراً للانتفاضة التي غيّرت في السادس من شباط عام 1984 وجه لبنان والمنطقة، فرحل المارينز، وسقط اتفاق السابع عشر من أيار، وتمهّدت الطريق لولادة أوّل حكومة وحدة وطنية برئاسة الشهيد رشيد كرامي.

– كوزير لشؤون الجنوب في هذه الحكومة رعى شؤون الأسرى والجرحى والإعلام المقاوم، وكقيادي وطني جعل شغله الشاغل كيف يستردّ للبنان وحدته، فكان من الذين ساندوا بقوة ترشيح العميد ميشال عون يومها لمنصب قائد الجيش، لما بلغه عن ترفّعه فوق العصبيات الطائفية وعن وطنيته. ومع اقتراب نهاية ولاية الرئيس أمين الجميّل كان من الذين سعوا للانفتاح على فرصة ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، قبل أن تذهب البلاد إلى حكومة أمر واقع تكرّس الانقسام.

– في مسيرته المعلومة جداً بعد ذلك، ومنذ تبوّأ منصب رئيس مجلس النواب حرص على أن يكون رئيساً لمجلس لبنان، وكان موفداه الدائمان نائبه إيلي الفرزلي والوزير جان عبيد رسل وفاق مع القيادات المسيحية الكنسية والسياسية، في زمن المقاطعة وزمن الغياب، وما يسمّيه البعض بزمن الوصاية، وأغلب هذا البعض كانوا من رموز ذاك الزمن، وكانوا يومها يأخذون على برّي وفاقيته «المبالغ بها»، تطلعاً لتقاسم مغانم ومناصب ومكاسب على حساب الغياب المسيحي.

– يُنتخَب اليوم بري لولاية جديدة رئيساً لمجلس النواب، مكرّساً مكانته كرئيس لمجلس لبنان، لا يزيد ولا ينتقص منها ثلاثون، ولبنان الرابح الأكبر، وقد استعاد إلى جانبه وتحت قبة المجلس معاونيه عبيد والفرزلي… وخسر تحت القبة شريكه اللدود لأربعين عاماً وليد جنبلاط… «مبروك» دولة الرئيس.

اترك تعليقاً

Back to top button