العقوبات والتهديدات الاميركية و«الاسرائيلية» ردّ على الصفعة التي وجهتها المقاومة يوم التحرير
أياد موصللي
عيد المقاومة والتحرير مناسبة وطنية أثبت فيها شعبنا أننا أمة تأبى أن يكون قبر التاريخ مكاناً لها في الحياة.. فنحن أمة إيمانها أنّ الحياة وقفة عزّ فقط.
طرد «إسرائيل» من جنوب لبنان تحديداً بعيد المعنى والمغزى، فلبنان والجنوب في مشروع «إسرائيل» هو جزء أساسي من الكيان الصهيوني، فقد جاء في المذكرة المؤرّخة في 3 شباط 1919 والتي حدّدوا فيها حدود دولتهم التي يزمعون تأسيسها كما يلي:
«تكون حدود فلسطين تابعة اجمالا للخطوط المبينة كما يلي:
«اما شمالاً فيبتدّى الخط من نقطة البحر الأبيض المتوسط على مقربة من جنوبي صيدا ثم يسير على سفوح التلال او الجبال اللبنانية حتى جسر القرعون ثم باتجاه البيرة فاصلاً بين حوضي وادي القرن ووادي التيم ومن هناك جنوباً فاصلاً بين السفوح الشرقية والغربية لجبل حرمون الشيخ حتى غرب بيت جن ثم شرقاً محاذياً القسم الشمالي من نهر المغنية حتى يصل الى الخط الحجازي ويكاد يتصل به من الجهة الغربية.
عندما احتلت «إسرائيل» لبنان عام 1982 وتمركزت في جنوبه وبدأت العمل لتحويله تدريجياً لكي يصبح الجزء المتمّم لمشروعها.. لم تكن تظنّ وتفكر بأنها ستجد أمامها القوة الفاعلة التي ستبدّد أحلامها وتحبط مشروعها وتطرد قواتها وتطهّر الأرض منهم قوة ستغيّر مسار التاريخ وتعيد للأمة والأرض روحها، لم تحسب «إسرائيل» أنها ستواجه زحفاً لجحافل أبناء الحياة… أبناء هذه الأمة الذين سوف يكون دورهم هو كتابة التاريخ الحقيقي لأمتنا.. ذلك التاريخ الذي حدّد سعادة أسسه في خطابه عام 1938:
«ما أقوله في صدد لبنان والشام أقوله في صدد فلسطين، فالسياسيون الكلاسيكيون هناك لم يتمكّنوا من إيجاد أيّ دفاع مجد يصدّ الخطر اليهودي، لأنّ أساليبهم لا تزال من النوع العتيق المسيطر فيه الصفة الاعتباطية والأنانية والمغرّرة للشعب.
انّ الخطر اليهودي لا ينحصر في فلسطين، بل يتناول لبنان والشام والعراق ايضاً، لا لن يكتفي اليهود بالاستيلاء على فلسطين، فلسطين لا تكفي لإسكان ملايين اليهود. الذين أثاروا عليهم الأمم النازلين في أوطانها وهم منذ اليوم يقولون: «الحمد الله، أننا أصبحنا نقدر ان نمارس الرياضة الشتوية في أرض إسرائيل ويعني التزحلق على الثلج في لبنان، فليدرك اللبنانيون ما هي الأخطار التي تهدّد الشعب اللبناني» .
وكرّر التحذير في عام 1947 إذ قال:
«لعلكم ستسمعون من سيقول لكم انّ إنقاذ فلسطين، أمر لا دخل للبنان فيه. انّ إنقاذ فلسطين أمر لبناني في الصميم كما هو أمر فلسطيني في الصميم كما هو أمر شامي في الصميم، انّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها. كلمتي اليكم هي العودة الى ساحة الجهاد» .
فيوم 25 أيار ليس مناسبة للرقص والدبكة وقصائد الزجل.. انه يوم وقفة العزّ وثبات الأمة وبدء كتابة التاريخ الحقيقي لأمتنا.. فهو بداية الطريق الذي امتدّ الى جبال عرسال والحدود مع الشام ليستمرّ في حربه ضدّ الإرهاب التكفيري المقنّع الذي صنعته «إسرائيل» بعباءة عربية وإسلامية ومنه جاء الإعلان النهائي انّ زمن الهزائم قد ولى..
فعيد المقاومة والتحرير هو البوابة التي فتحت وخرجت منها السيوف والرماح لتعلن انّ طريقنا طريق طويلة لأنها طريق الحياة. ولا يثبت عليها إلا الأحياء وطالبو الحياة أما الأموات وطالبو الموت فسيسقطون على جوانب الطريق..
انها الحقيقة التي فاجأت العالم وأسمعته الصوت المؤمن الذي يقول لقد شاهد أجدادنا الفتوحات وعاشوا بظلها أما نحن فقد وضعنا حداً للفتوحات.
انّ ما يجري اليوم من ضغوط وما يتخذ من قرارات وعقوبات ضدّ المقاومة بكلّ تفاصيلها وضدّ إيران كسند وحليف بعد ان أصبح لإيران وجود ودور فعّال في المنطقة بعد ان قدّمت مساعدات عسكرية لحزب الله والمقاومة في لبنان.
فتمكّنت من طرد «إسرائيل» من جنوب لبنان وأفشلت عدوان 2006 كما شاركت في محاربة الإرهاب التكفيري في الشام ولبنان والعراق..
شعرت «إسرائيل» بخطر التدخل الإيراني وهي التي كانت تعتبر إيران سيفها وترسها في المنطقة إبان حكم الشاه.
ويمكن ملاحظة العلاقة القوية بين السافاك والموساد منذ خمسينات القرن الماضي. وقد تشكلت بداية علاقة «إسرائيل» مع الشاه عندما عمل جهاز الموساد بالتنسيق مع المخابرات البريطانية والأميركية على إسقاط الزعيم الإيراني المنتخب دمقراطياً محمد علي مصدق سنة 1953… ومكنت العلاقة التي أقيمت مع الشاه، إيران من ان تصبح المستورد الرئيسي للمنتوجات الإسرائيلية، كما لعبت «إسرائيل» دوراً في تدريب جهاز السافاك جهاز المخابرات الإيراني الذي اتسم بالبطش والوحشية في حماية الشاه.. كانت إعادة تشكيل الشرق الاوسط وتذويب وتفتيت دوله هي الضامن لهيمنة «إسرائيل» على المنطقة حتى يتاح لها مواصلة زحف التطهير العرقي للمناطق الفلسطينية التي احتلتها وسيطرت عليها.. ولم نسمع طيلة تلك الفترة عن تباعد في المواقف بين دول الخليج وإيران خاصة في الإمارات ودبي تحديداً حيث الاستيراد من إيران قائم بشكل يومي بحراً..
اليوم وبعد ان تغيّر النظام وأزيل الشاه وحكمه وتبدّلت السياسة وأصبحت اسرائيل عدواً مغتصباً وقامت إيران بمحاربة المشروع الصهيوني انقلبت المواقف وانكشفت الأوراق..
نحن لم نكن نشعر بالطمأنينة والارتياح إزاء المطامع الفارسية في بلادنا ابان حكم الشاه وسلالته السابقة.. وعندما أصبحت المواقف الإيرانية مؤيدة وداعمة ومشجعة للمقاومة صارت إيران صديقاً وحسب المثل: «عدو عدوي هو صديقي…» وظهرت الى العلن العلاقة بين «إسرائيل» والأعراب الداعمين للموقف الأميركي والإسرائيلي على حساب المصلحة العليا لبلادنا في فلسطين.. «إسرائيل» صديقة الأعراب.. كذلك صارت إيران بعبعاً لـ«إسرائيل» وسيفاً ذو حدّين.. الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية ودعم المجهود الحربي ضدّ «إسرائيل» والمشاركة في صدّ العدوان التكفيري على سورية في الشام، ولبنان والعراق.
بعد كلّ هذا بدأت «إسرائيل» ترفع الصوت وتستنجد طالبة العون.. وجاءها الردّ السريع داخلياً من السعودية ودول الخليج.. وخارجياً من أميركا وحلفائها.. وأصبح الموقف واضحاً… «إسرائيل» وحلفاؤها أعراب وأجانب تجابه سورية في فلسطين والعراق والشام ومعهم إيران.. وبدأت المؤامرات والتدخلات في نهج استراتيجي دقيق.
وتأكيداً لهذا النهج الاستراتيجي الذي يشكل العمود الفقري في هيكلية بناء الوطن القومي اليهودي، التلمودي الروح والدم، نورد ما عرضه «كتاب إسرائيل وصدام الحضارات» تأليف جوناثان كوك ترجمة عمر عدس ونشرته صحيفة «الخليج» الإماراتية في 20/7/2008 ليتضح لنا ما سبق وذكرناه عن المستقبل الذي رسمه اليهود الصهاينة لدولتهم ونواياهم تجاه شعوبنا وأرضنا، وتوضح معالم الأحداث التي نشهدها الآن على أرضنا في سورية وبقية الدول العربية هذه النوايا والمخططات وفق المنهج «الإسرائيلي» انّ معظم قادة كيانات هذه الأمة ضالعون بغباء أو عمالة في تنفيذ هذا المخطط ولعله قدرنا ان تكون الحجاز او السعودية مفتاح الأذى والنكبات لأمتنا منذ عهد أشراف مكة الى عهد حماة الحرمين.
انّ الأحداث المرعية التي تجري في سورية من قتل وذبح وتدمير وهدر للقيم وقلب للمفاهيم الدينية والقومية والأعمال الإجرامية باسم الدين، وما جرى في لبنان من تفجيرات في الضاحية الجنوبية لبيروت وطرابلس من أعمال إرهاب، كله جزء من هذا المخطط، تأمّلوا هذا لا صوت ولا طلقة في اتجاه «إسرائيل» ولحماية المسجد الأقصى فيما المليارات الخليجية تصرف بسخاء من أجل تدمير ما تبقى من إمكانيات هذه الامة..
اليوم وقد أثبت أبناء أمتنا القوة التي قال عنها سعاده: «انّ فيكم قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ…»
بعد هذه القوة الإيمانية التي أظهرها السوريون في فلسطين والشام ولبنان والعراق تحرك ركب العدوان لتفتيت هذه القوة فوجّهوا سلاحهم نحو إيران كمصدر للدعم والتمويل للمقاومة لترسيخ الثبات والصمود..
بعد ان أزيل حكم الشاه أصبحت ايران الهدف وبعد التدخل الروسي الداعم والمؤيد شعرت «إسرائيل» وأميركا بالخطر..
ويتضح لنا هذا المشروع والمخطط عندما نقرأ ما صرّح به الصهيوني هنري كيسنجر وزير خارجية أميركا الأسبق لصحيفة ديلي سكويب في 27/11/2011 حيث قال: «انّ إيران هي ضربة البداية في الحرب العالمية الثالثة.
وأضاف: لقد أبلغنا الجيش الأميركي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظراً لأهميتها الاستراتيجية لنا خصوصاً أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى ولم يبق إلا خطوة واحدة، وهي ضرب إيران وعندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتيهما سيكون «الانفجار الكبير» والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي «إسرائيل» وأميركا وسيكون على «إسرائيل» القتال بكلّ ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط.
وأضاف: انّ طبول الحرب تدق الآن في الشرق الأوسط وبقوة ومن لا يسمعها فهو بكلّ تأكيد «أصمّ».
وأشار كيسنجر إلى أنه إذا سارت الأمور كما ينبغي، فسيكون نصف الشرق الأوسط «لإسرائيل».
وقال «لقد تلقى شبابنا في أميركا والغرب تدريباً جيداً في القتال خلال العقد الماضي وعندما يتلقون الأوامر للخروج إلى الشوارع ومحاربة تلك «الذقون المجنونة» فسوف يطيعون الأوامر ويحوّلونهم إلى رماد.
وأوضح كيسنجر أنّ إيران ستكون المسمار الأخير في النعش الذي تجهزه أميركا و«إسرائيل» لكلّ من إيران وروسيا بعد أن تمّ منحهما الفرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة وبعدها سيسقطان وللأبد لنبني مجتمعاً عالمياً جديداً لن يكون إلا لقوة واحدة وحكومة واحدة هي الحكومة العالمية «السوبر باور» وقد حلمت كثيراً بهذه اللحظة التاريخية.
ما نسمعه من تصريحات وزير خارجية أميركا اليوم ورئيسه ترامب وتحركات رئيس وزراء «إسرائيل» والاتفاقيات بين السعودية والكيان الصهيوني.. يؤكد انّ مخططاً استعمارياً قد وضع ويحضر لتنفيذه..
موقفنا واضح كما قال سعاده: «يجب ان نعارك، يجب ان نصارع، يجب ان نحارب، وإذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً. عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل» .