درعا… حتماً… وإدلب والرقة
ناصر قنديل
– منذ تحرير حلب، كحدث بارز غيّر معادلات الحرب في سورية في بداية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تركّزت السياسة الأميركية ومعها حليفاها الأبرز الكيان السعودي وكيان الاحتلال، على إعاقة مسار التحرير، في ظلّ التسليم بالعجز عن فرض مسار معاكس باستعادة زمام المبادرة وخوض حرب تغيّر الجغرافيا على حساب الجيش العربي السوري وحلفائه مجدّداً. ورغم كلّ الزخم الإعلامي الذي منح للضربات الأميركية والإسرائيلية وما رافقها من جلبة دبلوماسية وضجيج إعلامي، لا يمكن تصنيفها استراتيجياً إلا كمحاولة مشاغبة على مسار واضح يتقدّم، وهو استعادة الجيش السوري بدعم كامل من الحلفاء للجغرافيا السورية.
– الحديث عن ضربات نوعية استهدفت الحضور الإيراني في سورية، أو وجود حزب الله، كالحديث عن ضربات نوعية أصابت بنية الجيش السوري ودفاعاته الجوية، أو عن خلافات روسية إيرانية، أو روسية سورية، يجد اختباره في نهاية المطاف وفحص صدقيته وقيمته في مكان واحد صالح للصرف: هو هل ستتواصل بعد كلّ ذلك مشاريع التحرير للمزيد من الجغرافيا، أم أنّ الستاتيكو الذي يضع الشريطين الحدوديّين الشمالي والجنوبي تحت سقف معادلة السعي للتفاهم مع واشنطن وتلبية شروطها، لأنّ التقدّم في مشروع التحرير مستحيل في المناطق الأصعب بقوة أقلّ، أيّ أنه مستحيل ما لم تكن قوة الجيش السوري وحلفائه الروسي والإيراني والمقاومة في أحسن حال وأعلى مستويات التنسيق والتكامل والعزم على خوض المعارك الأشدّ قسوة إلى جانبه.
– أهمية التصريح الأميركي الذي يحذّر الجيش السوري من خوض معركة درعا، أنّه يعترف ضمناً بفشل مشروع إعاقة مسار التحرير، الذي بدأ من حلب قبل عام ونصف العام. وبالتالي فشل الضربات العسكرية والضغوط الدبلوماسية، بما فيها السعي لإرباك العلاقات بين أطراف الحلف الروسي الإيراني السوري، وفي قلبها الانسحاب الأميركي من التفاهم النووي الإيراني، في تحقيق هذا الهدف، وكذلك أهمية التصريح الصادر عن غرفة المصالحة الروسية في حميميم عن انتهاء العمل باتفاق خفض التصعيد في جنوب سورية، ما لم يتمّ سحب جبهة النصرة من هناك، والاتفاق في الجنوب أطرافه روسيا وأميركا والأردن و»إسرائيل» ضمناً. والتصريح إعلان عن التحضير لمعركة درعا ما لم تتمّ تلبية شرط سحب النصرة، وفي ذلك استعادة لسيناريو لبدء معركة الغوطة، التي راهن كثيرون على عدم مشاركة روسيا بخوضها، فكانت المشاركة الأوسع والأقسى رغم كلّ الضجيج الدولي.
– على الجبهة الشمالية يحدث شيء مماثل سياسياً وعسكرياً، فقمّة سوتشي التي جمعت الرئيسين فلاديمير بوتين وبشار الأسد خرجت بمعادلة واضحة الاستهداف للموقف التركي، عنوانها باب مفتوح للشراكة في العملية السياسية بروحية جديدة، عنوانها التسليم بدور محوري للدولة السورية ورئيسها وجيشها، مقابل جدولة انسحاب تركي على إيقاع تقدّم العملية السياسية، وإلا فالوجود التركي احتلال أجنبي غير شرعي وجب أن ينسحب فوراً، ومعيار التجاوب التركي سياسي وعسكري، بتسهيل ضمّ الجماعات المسلحة المحسوبة على تركيا لهذا المفهوم الواقعي للحلّ السياسي، وصولاً للمشاركة بحكومة موحّدة في ظلّ الرئيس الأسد، وعسكرياً بسحب هذه الجماعات إلى خارج الطريق الدولي من حماة إلى حلب وتسليمه للجيش السوري، وتأمين فتح طريق دمشق باب الهوا. وهذا معنى معادلة الحلّ السياسي يمهّد لانسحاب القوات الأجنبية، بينما على الضفة الموازية في الشمال الشرقي تشير الحركة العسكرية النشطة في البادية ومحيط دير الزور، إلى مواجهة قاسية ويومية بين الجيش السوري والقوات الأميركية التي توفر الحماية لوحدات داعش هناك، وتتخذ من الجماعات الكردية المسلحة واجهة لعملياتها، وهذا التحضير شمالاً يمهّد للانتقال لعمل سياسي عسكري حاسم بعد الاختبار التركي في الشمال الغربي وبعد الإنجاز جنوباً.
– درعا حتماً وحكماً، لكن كيف؟ الجواب يتوقف على الحسابات الأميركية الأردنية الإسرائيلية، فما لم يتمّ التقدّم بمبادرة تنهي وجود الجماعات المسلحة في مدينة درعا وتضعها طوعاً بتصرّف الجيش العربي السوري وتؤمّن فتح الحدود الأردنية السورية، وإلا فالجيش السوري سيبدأ معركته الفاصلة، وأمام الآخرين تحمّل العواقب، ولهم في ليلة صواريخ الجولان مثال إذا حاولوا الإعاقة.