«بوليتيكو»: كيف قد تغير حكومة إيطاليا الحالية شكل أوروبا التي نعرفها؟

أشار تقرير نشرته مجلة «بوليتيكو» الأميركية، للكاتب ريان هيث، إلى أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي تعيش حالة من القلق الشديد بعد مرور شهرين على إجراء الانتخابات البرلمانية الإيطالية بسبب اقتراب قادة حزب «رابطة الشمال» اليميني المتطرّف، وحركة «الخمس نجوم» الشعبوية المناهضة للمؤسسات، إلى تشكيل حكومة ائتلافية. لم يحدث من قبل في دول الاتحاد الأوروبي الست الأصلية، ناهيك عن واحدة من القوى الرائدة في الاتحاد، أن ينجح حزب يرفض سياسات الاتحاد الأوروبي بهذه القوة في الوصول إلى الحكم.

إذا ما نجح هذا التحالف، فمن الممكن أن يعصف بالاتحاد الأوروبي بشكله الحالي.

أشار الكاتب إلى قيام العديد من المحاولات للإصلاح الأوروبي في السنوات الأخيرة، فقد قام رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، بالدعوة إلى إعلان «براتيسلافا» و«خارطة الطريق» في أيلول 2016 لتحديد مسار الاتحاد بعد خروج بريطانيا. وقد قدّم رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، خطّة لإصلاح الاتحاد الأوروبي، والتي قدمها في «ورقة بيضاء» بعنوان «مستقبل أوروبا»، والتي لاقت ترحيباً، لكنها فشلت بعد ذلك إذ قدّم يونكر خطّة محدّدة بعد ستة أشهر لم يتم ذكرها في الورقة الأولى. كما يبذل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، جهوداً من أجل إصلاح الاتحاد الأوروبي ـ والتي حاز بسببها على جائزة شارلمان ـ من خلال تحالف فرنسي ألماني، لكن التباطؤ من الجانب الألماني يعطّل هذه الجهود، إلى جانب رفضهم إلى بعض أفكار ماكرون، مثل استحداث منصب وزير المالية لمنطقة اليورو.

بعد خروج بريطانيا، وغرق إسبانيا في أزمة دستورية حول كتالونيا، والخلافات بين الاتحاد وبولندا بسبب التعديلات القضائية التي أجرتها، ها هي إيطاليا تزيد من مشكلات الاتحاد الأوروبي. يزعم أعضاء حركة الخمس نجوم بأن الحزب يسعى لإصلاح الاتحاد الأوروبي. إذا ما صدق ذلك، فستكون مفاجأة سارّة لتاسك ويونكر والاتحاد الأوروبي بأكمله، لكن بما أنه من الصعب التوصل إلى إجماع داخل إيطاليا ـ ناهيك عن إجماع أوروبي ـ فإن الباب أمام إصلاح الاتحاد الأوروبي مغلق حتى عام 2020، بحسب ما ورد في تقرير «بوليتيكو».

يقول الكاتب: إن فرص ترك إيطاليا لمنطقة اليورو الدول التي تستخدم عملة اليورو ضعيفة فقد أكد الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، على أنه لن يسمح لأية حكومة بمناقشة مغادرة إيطاليا لمنطقة اليورو. إضافة إلى ذلك، تراجعت حدّة المطالبة بالخروج من اليورو في خطاب كل من حركة الخمس نجوم ورابطة الشمال مؤخرًا».

في الوقت ذاته، لا يمكننا اعتبار خروج إيطاليا من منطقة اليورو أمراً مستبعدًا تماماً فقد كرر بيبي جريلو، مؤسس حركة الخمس نجوم، دعوته لإجراء استفتاء حول عضوية إيطاليا في اليورو مؤخراً. في جميع الأحوال، يعتبر الأمر في الحمض النووي للحزب، وعندما يصل الأمر لصناديق الاقتراع في الاتحاد الأوروبي، فإن النتيجة معروفة، كما حدث ورفضت كل من فرنسا وهولندا تأسيس دستور الاتحاد الأوروبي في 2005، ورفضت أيرلندا معاهدة لشبونة في 2008، وخرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016، ومواقف الدنمارك الرافضة كثيرة.

على أية حال، فإن وجود حركة الخمس نجوم في أية حكومة يجعل خروج إيطاليا من منطقة اليورو ممكناً.

يقول الكاتب: «إن التقارب من جانب المجر اليمينية، أو اليونان اليسارية، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وغسل الأموال الروسية عبر قبرص، يسبّب بعض الإزعاج في عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل ، لكن لا يوجد خوف حقيقي حول كسر وحدة الاتحاد الأوروبي حول العقوبات التي فرضها على روسيا في 2014 بسبب الأزمة الأوكرانية».

لكن الأمر سيكون مختلفاً مع استعداد رابطة الشمال للتعاون مع الحزب الحاكم في روسيا. إذا ما تمكّنت روسيا من التحالف مع أحد أهم أعضاء الاتحاد الأوروبي، والعضو في «مجموعة السبع» و«الناتو»، فلن يكون الأمر سهلاً على الاتحاد الأوروبي.

أظهر استطلاع أُجري عام 2017 أن أكثر من نصف الإيطاليين تحت سن 45 عاماً مستعدون للتصويت على مغادرة الاتحاد الأوروبي، إذا أجرت إيطاليا استفتاءً على عضويتها في الاتحاد، في حين أيد 68 في المئة ممن شاركوا في الاستطلاع وتخطّت أعمارهم 45 عاماً البقاء في الاتحاد الأوروبي.

يقول الكاتب: «إن الكثير من ذكريات الشباب في إيطاليا عن الأزمة الاقتصادية كان للاتحاد الأوروبي الدور الأكبر فيها، على الرغم من أنه يمكن إلقاء اللوم على السياسات الداخلية والمالية لإيطاليا في التسبّب في الأزمة».

«لقد فقد المشروع الأوروبي قدرته على تلبية توقّعات مجموعة كبيرة من السكّان»، هكذا صرّح الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، في مؤتمر بـ«معهد الجامعة الأوروبية» الأسبوع الماضي. في الوقت ذاته انتقد ماتاريلا مواطنيه لأنهم «واهمون بأن مشاكلهم يمكن حلّها على المستوى الوطني فقط». وقال براندو بينيفي، عضو البرلمان الأوروبي من يسار الوسط: «إن جزءاً من شعبية حركة الخمس نجوم هو بسبب اقتراحهم للإصلاح الجذري للاتحاد الأوروبي».

كان حزب الشعب الأوروبي EPP هو وجه الوسط اليميني الأوروبي السائد طوال 40 عاماً، وهو أكبر أحزابه منذ 20 عاماً، ويكاد يكون نجاحه في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019 مؤكداً. كان سماح حزب الشعب الأوروبي بنطاق واسع من الاتجاهات الفكرية بين أعضائه أحد المفاتيح الرئيسة لنجاح الحزب، لكنه الآن يعد عائقًا أمامه.

تصاعدت التوترات الداخلية لأن الحزب يضمّ رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، أحد أشد المعادين للهجرة، مع أنجيلا ميركل، نصيرة الحدود المفتوحة. قد يكون سيلفيو برلسكوني، الذي كان مقبولاً في حزب الاتحاد الأوروبي قبل ذلك لقدرته على الفوز في الانتخابات، سبباً في صداع للاتحاد الأوروبي بعد أن أُعطي الضوء الأخضر لتشكيل حكومة بقيادة حركة الخمس نجوم.

يحرص حلفاء ماكرون الوسطيون على استغلال هذه الانقسامات في حزب الشعب الأوروبي لإضعافها، وربما تقسيمها قبل انتخابات عام 2019، وقد تساعد سياسات إيطاليا المندفعة على ذلك.

كذلك إذا نجح برلسكوني في إغراء حليفه القديم أنطونيو تاجاني رئيس البرلمان الأوروبي في العودة إلى إيطاليا، سيكون هناك العديد من التغييرات في المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي.

أشار الكاتب إلى أن نجاح أو فشل الحكومة الإيطالية الشعبوية القومية سوف يؤثر بشكل كبير على الأطراف التي تميل للخروج من الاتحاد الأوروبي في الانتخابات البرلمانية الأوروبية في 2019.

مع خروج حزب استقلال المملكة المتحدة عن الصورة، حاول قيادات أوربية مثل ماري لوبان تحاول ـ دون نجاح حتى الآن ـ توحيد الرافضين للاتحاد الأوروبي تحت راية واحدة. قد يعني ذلك أن أية حكومة إيطالية تدعو للخروج من الاتحاد الأوروبي، سوف تصبح الوجه الفعلي لرافضي الاتحاد الأوروبي في انتخابات 2019.

إذا نجحت هذه الحكومة، فسوف يستفيد رافضو الاتحاد الأوروبي الآخرون مما يعرض الأغلبية الوسطية المؤيدة للاتحاد الأوروبي للخطر. أما إذا فشلت الحكومة الإيطالية الجديدة، فسيعاني رافضو الاتحاد الأوروبي من أجل حشد مؤيدين، وستكون الأغلبية الوسطية آمنة.

وأخيراً يقول الكاتب: «إن الإيطاليين لطالما احتجوا على الاتحاد الأوروبي، لكن هذه الاحتجاجات تؤخذ على محمل الجدّ، فقد تم تجاهل تهديد جريلو بإجراء استفتاء، وكذلك التوقعات المتزايدة بتكون هذا الائتلاف التاريخي. هذا التحالف غير السياسة التي عرفتها إيطاليا منذ أوائل التسعينات، لكنهم لم يثبتوا بعد أنهم يستطيعون الحكم بطريقة ستغير إيطاليا وأوروبا».

اترك تعليقاً

Back to top button