الانسحاب الأميركي من سورية صار على الطاولة
ناصر قنديل
– لن يكون سهلاً على أعداء سورية الاعتراف بأنها مع حلفائها نجحوا بالفوز بمعركة وحدة سورية وسيادتها. وهو الهدف الذي من أجله جاءت إيران ودخل حزب الله وتموضعت روسيا في هذه الحرب. ومن أجل إسقاط سورية وتقسيمها وسلب سيادتها جاء الأميركيون والأتراك والإسرائيليون والسعوديون وجلبوا القاعدة وداعش. وبعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري بدعم حلفائه، أعلن الرئيسان فلاديمير بوتين وبشار الأسد عن التزاوج بين عملية سياسية وخروج القوات الأجنبية، وكان واضحاً أنّ القضية هي في الوجود الأميركي ومشروع الانفصال الكردي الذي يحميه، فببقائهما معاً، الاحتلال والانفصال، لن تسهل معالجة الاحتلال التركي، وبزوال الاحتلال الأميركي ومشروع الانفصال الكردي يسقط الاحتلال التركي مرتين، بالضربة القاضية، فلا هو قادر على تبرير البقاء بزوال مشروع الانفصال ولا هو قادر على رفض الانسحاب وقد سبقه الأميركيون.
– خلافاً لكلّ روزنامة متوقعة، وضع الرئيسان بوتين والأسد أولوية الانسحاب الأميركي وكانت التوقعات أن يتمّ الحسم في جبهة إدلب سياسياً وأمنياً وعسكرياً، قبل فتح ملف الاحتلال الأميركي ومشروع الانفصال الكردي، فجاء التوجّه جنوباً، ولم ينتبه كثيرون أنّ العملية السياسية المقصودة تبدأ هناك، وأنّ موضوعها هو الوجود الأميركي، وأنّ ما سينطبق في الجنوب سيكون هو سيناريو الشمال. وفي الجنوب أهمّ القواعد العسكرية الأميركية في الأراضي السورية وهي قاعدة التنف، وهي الممسكة ببوابة العبور بين دمشق وبغداد. وهي الخلفية الفعلية لكلّ العصابات المسلحة التي عبثت بالأمن وشكّلت التهديد الدائم لمفهومَي السيادة والوحدة، وفي الجنوب الامتداد للحضور السعودي بالوكالة الأردنية، وفي الجنوب الأمن الإسرائيلي المرتبط بمشروع حزام أمني على حدود الجولان صرّح قادة كيان الاحتلال أن النصرة تُؤتمَن عليه.
– يبدو اليوم واضحاً من الجمع بين ما صدر من مواقف وتحليلات وتصريحات، من دمشق وموسكو، وطهران، خصوصاً ما قاله الرئيس الأسد ووزير الخارجية وليد المعلم ورئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، إنّ الأولوية هي تفكيك قاعدة التنف، وقد سبق لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي يتمّ تسويقه في الإعلام السعودي كعنوان لصفقة روسية إسرائيلية على حساب إيران وحزب الله، أن جعل قاعدة التنف موضوعاً يومياً لتصريحاته، واصفاً إياها بعنوان التخريب. وفي المقابل ما صدر في واشنطن وما عرضه نائب وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد كما نشرت جريدة الشرق الأوسط ، أنّ التفاوض يدور على تفكيك قاعدة التنف كعنصر جوهري لأيّ تسوية في جنوب سورية، عنوانها تسلّم الجيش السوري الأمن في المنطقة حتى حدود الجولان وحدود الأردن وحدود العراق، وأنّ واشنطن موافقة على التفكيك والانسحاب.
– يتقدّم بصورة مدهشة النجاح بتحقيق هذا الإنجاز التاريخي الكبير الذي يعني قرب نهاية الحرب على سورية، وإعلان النصر التاريخي والاستراتيجي، لأنّه سيكون قابلاً للتكرار في الشمال، وبسرعة، وهذا معنى التزامن بين تسوية الجنوب ولاحقاً الشمال بالشروط التي حدّدها الرئيس الأسد، مع اكتمال اللجنة المنبثقة عن مؤتمر سوتشي للحلّ السياسي، والحديث الأميركي عن تسوية عنوانها تشكيل حكومة جامعة، ولا يملك الأميركي وجماعاته في الخليج وأتباعهم سوى إطلاق القنابل الدخانية، والحديث عن إنجاز وهمي. وهو كمين تمّ تصنيعه في غرفة عمليات سورية روسية إيرانية مع المقاومة، هو أن يكون الجيش السوري وحده مَن يتسلّم أمن المناطق والحدود، كأنّ إيران والمقاومة دخلا إلى سورية للانتشار، حيث ينتشر الجيش السوري، وليس للوقوف إلى جانب الجيش السوري حيث يستدعي الأمر معركة لفرض انتشاره وبسط سيادته. والمقصود سيادته هو كجيش وطني. وهو ما يؤكده قادة إيران والمقاومة صبحاً ومساء، وسيحتفلون بتحقيقه كنصر تاريخي استراتيجي جنباً إلى جنب مع القيادة السورية والشعب والجيش في سورية، بانتزاع اعتراف الأعداء بعد حرب تقارب سنتها الثامنة من نصفها، بأنّ مشروع إسقاط سورية وتقسيمها قد سقط إلى غير رجعة، وأنّ سورية موحدة في ظلّ رئيسها وجيشها تنتصر بقوة تماسكها وتماسك حلفائها من حولها.