قمة كيم ترامب شانغهاي بدل نيويورك وعالم ما بعد بعد الدولار…!

محمد صادق الحسيني

الزعيم الكوري الشمالي يهبط في سنغافورة للقاء زعيم القوة الأعظم في العالم ليلقنه درساً في تقبّل الهزيمة وعدم إنكار الانكسار أمام عالم المستضعَفين والفقراء…!

الزعيم كيم جونغ أون سيفاوض دونالد ترامب بتراث الصين الماوي العظيم، مستحضراً مشهد جيش الفيتكونغ بقيادة الجنرال جياب وهو يقتحم سايغون متوّجاً بالظفر. وقبل ذلك وبعده مثبتاً على كتفيه شارات النصر المؤزّر للجنرال قاسم سليماني والسيد حسن عبد الكريم نصر الله على تخوم وأسوار حواضر المدن العربية من دمشق حتى الحُدَيْدة، طالباً إذعاناً أميركياً جديداً بخسارتهم لحرب إخضاع الشعب الكوري وانتزاع قراره المستقلّ…!

هذا ما سيحاول الزعيم الكوري إظهاره للرئيس الأميركي الخارج لتوّه من هزيمته المدوية على بوابات الشام، حيث يقوم الآن رجال بشار حافظ الأسد مدعومين برجال الإمام خامنئي وسيد المقاومة، مجتمعين بإعادة تدوين التاريخ ورسم جغرافيا العالم الجديد..!

جغرافيا لعالم ينهار بقيادة الاستكبار الأميركي ومن ورائه كلّ الغرب المتصدّع، أمام عالم ينهض ويحمل أعباء وتحديات انتقال مركز ثقل العالم من الغرب إلى الشرق في أهمّ نقلة نوعية في التاريخ الحديث…!

إنه عالم ما بعد تهافت الدولار وما بعد النفط وما بعد الغاز وما بعد الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وما بعد بعد «إسرائيل» قطعاً، والذي يتم تشييده كما تعكس حقائق الميادين حجراً حجراً في شانغهاي…!

من هناك تحديداً سيُدار حوار تاريخي من نوع مختلف تماماً، يوم الثاني عشر من حزيران بين كيم الذي سيمثل عاصمة مستقبل العالم الصاعد وترامب الذي سيمثل العالم الآفل نجمه شعاعاً شعاعاً…!

من جهة أخرى، فإنه وبعد أن رفض الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التوقيع على البيان الختامي لقمة الدول السبع الصناعية المنعقدة في كندا، فقد أصدر قصر الأليزيه بياناً هو الأندر من نوعه في تاريخ العلاقات الأوروبية ـ الأميركية جاء فيه:

إنّ السياسة الدولية لا يمكن أن ترتهن لموجات غضب والمقصود فيه الرئيس ترامب طبعاً .

وهذا يعني بلغة الأليزيه أنّ السياسة الأميركية أصبحت تدار بشكل أشبه ما تكون بسياسات عيدي أمين في أوغندا او «الإمبراطور» بوكاسا في أفريقيا الوسطى، وأبعد ما تكون عن سياسة الدولة العظمى التي من المفترض أن تتسم بالرزانة والثبات والاعتماد على المنطق والأصول المتبعة في التعامل مع الأزمات والأوضاع المختلفة في العالم…!

وعليه فإنّ لكافة دول العالم الحق الكامل في عدم الثقة بالسياسة التي يتبعها ترامب، وبخاصة الزعيم الكوري الشمالي الذي يستعدّ لخوض جولة مفاوضاته الأولى من نوعها مع هذا الزعيم المتهوّر…!

منذ توليه الحكم في الولايات المتحدة قبل عام ونيّف قام الرئيس ترامب بالانسحاب من اتفاقية المناخ واتفاقية نافتا واتفاقية النووي مع إيران. وأخيراً فرض رسوماً جمركية باهظة وتعسّفية على مواد صناعية أوروبية وصينية وغيرها. وهو ما اعتبر خرقاً فاضحاً لمبادئ منظمة التجارة العالمية التي تمنع مثل هذا الإجراء.

فكيف إذن لكوريا الشمالية وزعيمها، كيم جونغ أون، أن يثق بهذا الرئيس الذي انقلب حتى على حلفائه في الاتحاد الأوروبي وفِي حلف شمال الأطلسي وانسحب من اتفاقيات دولية وقعتها حكومات أميركية سابقة مع هذه الدول!؟

وهنا ثمة مَن يطالب الرئيس الأميركي بالتخلي، قبل كلّ شيء، عن عنجهيته وعنصريته وصلفه وخداعه وعدوانيته، وهو يحضّر لقمة سنغافورة مع نظيره الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ اون.

بينما يتهمه كثيرون بأنه يهدف في الواقع إلى نزع سلاح كوريا الشمالية النووي وفرض نظام رقابة دولية على تسلحها الصاروخي وما الى ذلك، أي تجريد هذا البلد من كلّ عناصر قوّته تمهيداً لفرض الوصاية الأميركية عليه، في الوقت الذي سيجد نفسه مطالباً بقوة بالابتعاد عن هذه السياسة المخادعة والتفاوض على اتفاقية سلام بين الدولتين لتحلّ محلّ اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع سنة 1953.

ما يعني أنّ اتفاقية السلام يجب ان تسبق التفاوض على اية موضوعات أخرى، وذلك لضمان درء وتلافي العدوان الأميركي على كوريا الشمالية. كما أنّ ذلك يعني إنهاء التهديد النووي الاميركي ضدّ كوريا الشمالية والذي له مصدران هما:

ـ القواعد الأميركية، التي تحتوي أسلحة، في المحيط الهادئ.

ـ المظلة النووية الأميركية لكلّ من كوريا الجنوبية واليابان.

وبناء على ذلك، فإنّ نجاح أو فشل القمة، التي ستعقد يوم غد الثلاثاء 12/6/2018، سيعتمد على ابتعاد الولايات المتحدة عن سياسة الغطرسة والتعامل مع الوضع في شبه الجزيرة الكورية بواقعية ومنطقية تحكم مفاوضات جدية تضع حداً للتسلح النووي في تلك المنطقة من العالم، من خلال التفاوض على:

ـ عقد اتفاقية سلام بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة تشارك فيها كلٌّ من الصين الشعبية والاتحاد الروسي بصفتهما أحد أطراف الحرب الكورية سنة 1950 ـ 1953، وذلك كي تشكل هذه الاتفاقية أرضية لمواصلة التفاوض حول:

ـ إلغاء المظلة النووية المتقدّمة من الولايات المتحدة لكلّ من كوريا الجنوبية واليابان وبالتالي رفع التهديد النووي الأميركي المستمرّ ضدّ كوريا الشمالية.

ـ سحب كافة الرؤوس النووية المخزنة في القواعد الأميركية في المحيط الهادئ ومنع تحليق كافة أنواع الطائرات الحربية الأميركية القادرة على حمل رؤوس نووية سواء في المحيط الهادئ أو في أجواء وفوق بحار الصين والكوريتين واليابان.

من هنا، فإنّ أي حديث عن قمة سيتمّ خلالها بحث موضوع نزع سلاح كوريا الشمالية هو حديث يضع العصيّ في الدواليب وينمّ عن نية مبيّتة، من قبل الولايات المتحدة، لتخريب هذه القمة وإفشالها. وهذا بالضبط، ما عبّر عنه الداعي الأميركي الأوّل، مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي جون بولتون قبل أيّام عندما قال:

ـ إنّ من الضروري نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية والكيماوية والبيولوجية، وكذلك سلاحها الصاروخي وفرض نظام رقابة دولي صارم عليها كي يتمّ التأكد من تنفيذ هذه البنود.

أيّ أنه يطلب وضع كوريا الشمالية تحت الوصاية الكاملة للولايات المتحدة، الأمر الذي يُعتبر وصفة لإفشال هذه القمة وذلك مواصلة لعدم الاعتراف بالهزيمة من قبل الولايات المتحدة والتعامل مع دول العالم من منطلق تحقيق المصالح المشتركة بين الدول وبشكل متوازن ومتفق عليه.

ولكن كوريا، كما إيران، ليست دولاً مهزومة ولا ضعيفة في مواجهة الولايات المتحدة، بل إنها دول منتصرة بكلّ ما للكلمة من معنى. حيث إنها نجحت في إرغام الولايات المتحدة على الجلوس للتفاوض معها، أيّ مع إيران قبل أعوام ومع كوريا اعتباراً من منتصف هذا العام، وهما دولتان قويّتان ونوويتان بغضّ النظر عن امتلاك السلاح النووي لدى كوريا وعدمه لدى إيران .

ومن نافل القول تأكيد أنّ الولايات المتحدة ستتفاوض مع كوريا الشمالية، كما تفاوضت مع إيران سابقاً، وهي تعلم ان كوريا تفاوضها من موقع قوّة، كما فعلت إيران سابقاً، وانّ الولايات المتحدة لم تكن لتتفاوض مع أيّ منهما لو كانت هاتان الدولتان في حالة ضعف وعزلة، بل كانت ستقوم بغزوهما واجتياحهما وإسقاط نظامَي الحكم فيهما كما فعلت في العراق سنة 2003 وفِي ليبيا سنة 2011.

وانطلاقاً من المأزق الذي تعاني منه الولايات المتحدة في الموضوع الكوري وعدم قدرتها على المضيّ قدماً في مشاريعها العسكرية ضدّ كوريا الشمالية، فإنها ستعمل على:

ـ عدم التفاوض على النقاط الجوهرية، التي تشكل جوهر الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، والمتمثلة في المظلة النووية الأميركية، المقدّمة لكلّ من كوريا الجنوبية واليابان، والسلاح النووي الأميركي المخزن في القواعد الأميركية في المحيط الهادئ والذي يشكل تهديداً دائماً ومباشراً لكوريا الشمالية.

ـ اتباع تكتيك تفاوضي لا يفضي الى اتفاق جدي وذي طبيعة استراتيجية وتحوّل في تعاطي الولايات المتحدة مع الأزمات الدولية، وفي الوقت نفسه لا يؤدّي الى فشل القمة فشلاً كاملاً.

ـ لذا فإنّ التكتيك التفاوضي الاميركي سيهدف الى إصدار إعلان نيات للتفاوض حول إنهاء حالة العداء بين الدولتين دون ذكر التفاوض على اتفاقية سلام بينهما.

حيث ترمي الولايات المتحدة، من وراء ذلك، الى تحقيق نجاح إعلامي دعائي لرئيسها وإبقاء سيف العقوبات مسلطاً على رقبة كوريا الشمالية على أمل أن يؤدّي ذلك الى إضعاف حكومة ذلك البلد، مما يضطرها للرضوخ للشروط الاميركية في نهاية المطاف.

لكن ما يجهله الشيخ الداعشي جون بولتون هو انّ العالم قد تغيّر وأنّ الولايات المتحدة لم تعد القطب الأوحد في العالم وأنّ الوضع في شبه الجزيرة الكورية هو جزء من الصراع الدولي الاستراتيجي بين القطبين، الصيني والروسي من جهة والاميركي من جهة أخرى، وأن القطب المزدوج لن يسمح بسقوط كوريا ضحية للسياسات العدوانية المخادعة للولايات المتحده، خاصة أنّ روسيا والصين قد خاضتا حرباً لمدة ثلاث سنوات دفاعاً عن كوريا واستقلالها في بداية خمسينيات القرن الماضي.

بعدنا طيّبين، قولوا الله…

اترك تعليقاً

Back to top button